شنبه: 1/ارد/1403 (السبت: 11/شوال/1445)

اعلم أنّ متن الحدیث الأوّل والثانی واحد، وحیث إنّ المرویّ عنه فی كلیهما أیضاً واحد، وینتهی سند كلّ واحد منهما إلى علیّ بن الحسن بن رباط، عن ابن اُذینة، عن زرارة، فلا ریب فی اتّحادهما، كما نبّهنا علیه.

والظاهر أنّه وقع فی هذا المتن تحریف، فإنّ المفید(قدس سرّه) أخرج هذا الحدیث بسنده عن الكلینی(قدس سرّه)، ومتنه هكذا: «الْإِثْنَا عَشَرَ الْأَئِمَّةُ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ كُلُّهُمْ مُحَدَّثٌ، عَلیُّ بْنُ أَبِی ­طَالِبٍ، وَأَحَدَ عَشَرَ مِنْ وُلْدِهِ، وَرَسُولُ الله­| وَعَلِیٌّ هُمَا الْوَالِدَانِ‏».([1])

وأخرجه الصدوق(قدس سرّه) أیضاً عن محمد بن علیّ ماجیلویه عن الكلینی(قدس سرّه) بهذا اللفظ: «إِثْنَا عَشَرَ إِمَاماً مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ(ع) كُلُّهُمْ مُحَدَّثُونَ بَعْدَ رَسُولِ اللّٰـهِ(ص)،  وَعَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ(ع) مِنْهُمْ».([2])

 

فالمعوّل على روایة المفید والصدوق عن الكلینی، فإنّها كما توافق غیرها من الروایات المتواترة توافق عنوان الباب الّذی أخرج الكلینی فیه هذا الحدیث، وتوافق الأخبار المخرّجة فی نفس هذا الباب.

وأظنّ أنّ التحریف فی هذا المتن ناتج عن نقل معنى الحدیث ومضمونه، دون التقیّد بألفاظه، فاشتبه على بعض الرواة، أو أنّ الناقل تسامح فی مقام النقل اتّكالاً على وضوح كون عدد الأئمّة اثنی عشـر، وأنّ أمیر المؤمنین­(ع) منهم وأوّلهم، ولیس خارجاً عنهم، فلا تجد فی فرق المسلمین من كان معتقداً بهذا العدد، ولا یرى أنّ أمیر المؤمنین­(ع) منهم.

وكیف كان فالاعتماد على متن الحدیث على لفظ الإرشاد، والخصال، وعیون أخبار الرضا(ع).

وأمّا متن الخبر الثالث والرابع: فلا ریب أیضاً فی وقوع التصحیف فیهما، فإنّ أصل أبی سعید الّذی روی عنه هذان الخبران من الاُصول الموجودة عندنا، وفیه تسعة عشر حدیثاً، ولفظ الحدیث السادس فی هذا الأصل هكذا: «إِنِّی وَأَحَدَ عَشَرَ مِنْ وُلْدِی، وَأَنْتَ یَا عَلِیُّ! زِرُّ الْأَرْضِ، أَعْنِی أَوْتَادُهَا جِبَالُهَا»، وَقَالَ: «وَتَّدَ اللهُ الْأَرْضَ أَنْ تَسِیخَ بِأَهْلِهَا، فَإِذَا ذَهَبَ

 

الْأَحَدَ عَشَـرَ مِنْ وُلْدِی سَاخَتِ الْأَرْضُ بِأَهْلِهَا وَلَمْ یُنْظَرُوا».([3])

وهذا المتن كما ترى تامّ مستقیم.

ولفظ الحدیث الرابع: قال: «قَالَ رَسُولُ اللهِ: مِنْ وُلْدِی أَحَدَ عَشَـرَ نَقِیباً نَجیباً [نُقَبَاءُ، نَجَبَاءُ، خ ل] مُحَدَّثُونَ، مُفَهَّمُونَ، آخِرُهُمُ الْقَائِمُ بِالْـحَقِّ، یَمْلَأُهَا [الْأَرْضَ خ ل]عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً».([4])

وهذا المتن أیضاً موافق لألفاظ سائر الأحادیث المتواترة.

وأمّا الخبر الخامس: فقد أخرجه الصدوق بطریقین عن الحسن بن محبوب، عن أبی الجارود، عن أبی جعفر(ع)، عن جابر بن عبد الله الأنصاری بهذا اللفظ: قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى فَاطِمَةَ‘ وَبَیْنَ یَدَیْهَا لَوْحٌ فیهِ أَسْمَاءُ الْأَوْصِیَاءِ، فَعَدَدْتُ اثْنَیْ عَشَرَ، آخِرُهُمُ الْقَائِمُ×، ثَلَاثَةٌ مِنْهُمْ مُحَمَّدٌ، وَأَرْبَعَةٌ مِنْهُمْ عَلِیٌّ(ع)».([5])

 

وأخرجه أیضاً فی كمال الدین بهذا اللفظ.([6])

وأوضح من ذلك شاهداً على وقوع التحریف فی خبر الكافی وأنّه مختصـر من متنه الطویل، ما أخرجه الصدوق(قدس سرّه) قال: حدّثنا علیّ بن الحسین بن شاذویه المؤدّب، وأحمد بن هارون القاضی ـ رضی الله عنهما ـ قالا: حدّثنا محمد بن عبد الله بن جعفر الحمیری، عن أبیه، عن جعفر بن محمد بن مالك الفزاری الكوفی، عن مالك السلولی، عن درست بن عبد الحمید، عن عبد الله بن القاسم، عن عبدالله بن جبلّة، عن أبی السفاتج، عن جابر الجعفی، عن أبی جعفر محمد بن علیّ الباقر(ع)، عن جابر بن عبد الله الأنصاری، قال: دخلتُ على مولاتی فاطمة‘ وقُدّامها لوح یكاد ضوؤه یُغشـی الأبصار، فیه اثنا عشـر اسماً، ثلاثة فی ظاهره، وثلاثة فی باطنه، وثلاثة أسماء فی آخره، وثلاثة أسماء فی طرفه، فعددتها فإذا هی اثنا عشر اسماً، فقلت: أسماء من هؤلاء؟ قالت: «هَذِهِ أَسْمَاءُ الْأَوْصِیَاءِ، أَوَّلُهُمْ ابْنُ عَمِّی، وَأَحَدَ عَشَـرَ مِنْ وُلْدِی، آخِرُهُمُ الْقَائِمُ(ع)» قال جابر: فرأیت فیها محمّداً محمّداً محمّداً فی ثلاثة مواضع، وعلیّاً وعلیّاً وعلیّاً وعلیّاً فی أربعة مواضع.([7])

 

فالعارف الخبیر بفنّ الحدیث یعرف أنّ ما رواه الكلینی فی الكافی، والصدوق فی عیون أخبار الرضا­(ع) وكمال الدین، والشیخ فی الغیبة هو مختصر هذا الحدیث.

وأمّا متن الحدیث السادس: فالظاهر أنّ موضوعه هو مجیء یهودیّ إلى عمر للسؤال عمّا أراد، وأنّ عمر أرشده إلى أمیر المؤمنین(ع)، هو بعینه موضوع ما رواه الكلینی أیضاً فی هذا الباب([8]). وما رواه الصدوق فی كمال الدین عن أبی الطفیل([9])،. وما رواه بسنده أیضاً فی كمال الدین عن أبی عبد الله (ع)([10])، وفی عیون أخبار الرضا(ع)([11])، وفی الخصال([12])، وفی مقتضب الأثر، عن عمر بن سلمة([13])، وأخرجه فی ینابیع المودَّة، عن عامر بن واثلة([14])، وفی فرائد السمطین ([15]).

 

فالظاهر أنّ كلّ هذه الأحادیث حكایة عن واقعة واحدة، ولفظ الحدیث فی بعضها: «إِنَّ لِمُحَمَّدٍ اثْنَیْ عَشَرَ إِمَامَ عَدْلٍ».

وفی بعضها: «یَكُونُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِیِّهَا اثْنَا عَشَـرَ إِمَاماً عَدْلاً، وَالَّذِینَ یَسْكُنُونَ مَعَهُ فِی الْـجَنَّةِ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ الْإِثْنَا عَشَرَ».

وفى بعضها: «فَإِنَّ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ اثْنَیْ عَشَرَ إِمَاماً هَادِینَ مَهْدِیِّینَ‏»، وأمّا قولك: «مَنْ مَعَ مُحَمَّدٍ مِنْ اُمَّتِهِ فِی الْـجَنَّةِ، فَهَؤُلَاءِ الْإِثْنَا عَشَـرَ أَئِمَّةُ الْهُدَى».

وفی بعضها: «إِنَّ لِمُحَمَّدٍ مِنَ الـْخُلَفَاءِ اثْنَیْ عَشَرَ إِمَاماً عَدْلاً، وَیَسْكُنُ مَعَ مُحَمَّدٍ فِی جَنَّةِ عَدْنٍ مَعَهُ اُولَئِكَ الْإثْنَا عَشَرَ الْأَئِمّةُ الْعَدْلُ».

ولفظ بعضها: «یَا هَارُونِیُّ لِمُحَمَّدٍ بَعْدَهُ اثْنَا عَشَـرَ إِمَاماً عَدْلاً وَمَنْزِلُ مُحَمَّدٍ فِی جَنَّةِ عَدْنٍ، وَالَّذِینَ یَسْكُنُونَ مَعَهُ هَؤُلَاءِ الْإِثْنَا عَشَرَ».

وبعضها هكذا: قَالَ: كَمْ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ إِمَامٍ هُدًى لَا یَضُـرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ؟ قَالَ: «إِثْنَا عَشَـرَ إِمَاماً». قَالَ: فَمَنْ یَنْزِلُ مَعَهُ ـ یعنی مَعَ النَّبی(ص) ـ فِی مَنْزِلِهِ قَالَ: «إِثْنَا عَشَرَ إِمَاماً».

وبهذه المتون المعتبرة جدّاً یصحّح متن الحدیث المرویّ عن أبی سعید الخُدری، وتشهد كلّها بوقوع التصحیف فیه، أو المسامحة فی نقل ألفاظه

 

أو مضمونه، فلا ریب فی أنّ المعتمد علیه هو هذه المتون الكثیرة.([16])

وأمّا الحدیث السابع: فلم أعثر بعدُ على متن آخر له.

وأمّا الحدیث الثامن: فقد روى فی كفایة الأثر فی الباب الّذی روى فیه هذا الحدیث حدیثاً آخر عن مولانا الإمام أبی محمد الحسن السبط(ع) أیضاً، وساق الكلام إلى أن قال: «وَلَقَدْ حَدَّثَنی (حَبیبی) جَدِّی رَسُولُ اللهِ: أَنَّ الْأَمْرَ یَمْلِكُهُ اثْنَا عَشَـرَ إِمَاماً مِنْ أَهْلِ بَیْتِهِ وَصَفْوَتِهِ».([17])

وهذا المتن خال من الإشكال، ولا یبعد اتّحاده مع ما رواه جنادة بن أبی ­اُمیّة عنه(ع)، بل الظاهر اتّحادهما.

وعمدة السبب فی هذا الاختلاف فی ألفاظ بعض الأحادیث، روایة الحدیث بالمضمون والمدلول، وغفلة بعض الرواة أو تسامحه وعدم اهتمامه بحفظ لفظ المعصوم، فلابدّ من تصحیح مثل هذه المتون بغیرها من المتون المعلومة صحّتها، ولابدّ فی ذلك من الرجوع إلى خبراء الفنّ العارفین بالمتون السلیمة والسقیمة. وعندی أنّ هذا الفنّ ـ یعنی معرفة المتون ـ من مهمّات علم الحدیث.

 

هذا تمام الكلام فی أسناد هذه الأحادیث ومتونها.

ولقد ظهر لك ممّا تقدّم أنّ هذه الأسانید بنفسها لا تنهض حجّةً فی قبال الأحادیث المتواترة وأسانیدها، بل لیست بحجّة مطلقاً، كما أنّ هذه المتون أیضاً لا یُحتَجُّ بها، فإذا كان ولابدّ من الاحتجاج بها فلا یحتجّ إلّا بما هو خال من الإشكال، مؤیّد بغیره، فإنّ الأخبار یُقوّی بعضها بعضاً.

وعلیه فلا حاجة لنا إلى النظر فی المتون المذكورة وتأویلها وشرحها، على ما یوافق المذهب واتّفق علیه أهل الحقّ.

ولكن لا بأس بإجراء الكلام فی ذلك أیضاً؛ تتمیماً للفائدة؛ وحرصاً على دفع هذه الشبهة؛ ووفاءً بما وعدناه فی ابتداء هذه الرسالة.

 

 

 

([1]) المفید، الإرشاد، ج2، ص347.

([2]) الصدوق، الخصال، ص480، ح 49؛ الصدوق، عیون أخبار الرضا(ع)، ج2، ص60، ح24.

([3]) الاُصول الستّة عشر، أصل أبی سعید، ص140، ح 6.

([4]) الاُصول الستّة عشـر، أصل أبی سعید، ص139، ح 4؛ ابن شهر آشوب، مناقب آل  أبی ‌طالب، ج1، ص258. وفی حدیث أبی جعفر(ع) قال: «قَالَ رَسُولُ الله(ص): مِنْ أَهْلِ بَیْتِی اثْنَا عَشَـرَ نَقِیباً  مُحَدَّثُونَ، مُفَهَّمُونَ، مِنْهُمُ الْقَائِمُ بِالْحـَقِّ یَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً». وهذا اللفظ أیضاً موافق لألفاظ سائر الروایات المعتبرة.

([5]) الصدوق، عیون أخبار الرضا(ع)، ج2، ص52، ح 6 و 7.

([6]) الصدوق، كمال الدین، ص269، ح 13، ص311 ـ 312، ح 3، ص313، ح 4.

([7]) الصدوق، كمال الدین، ص311، ح 2؛ صدوق، عیون أخبار الرضا (ع)، ج2، ص51 ـ 52، ح 5.

([8]) الکلینی، الکافی، ج1، ص529 ـ 530، ح5.

([9]) الصدوق، کمال الدین، ص294 ـ 296، ح3.

([10]) الصدوق، کمال الدین، ص297 ـ 302، ح5 ـ 8.

([11]) الصدوق، عیون أخبار الرضا(ع)، ج2، ص56 ـ 57، ح 19.

([12]) الصدوق، الخصال، ص476 ـ 477، ح 40.

([13]) الجوهری، مقتضب الأثر، ص14 ـ 18.

([14]) القندوزی، ینابیع المودّة، ج3، ص285 ـ 287.

([15]) الحموئی، فرائد السمطین، ج2، ص240، ح 12.

([16]) راجع: المجلسی، بحار الأنوار، ج36، ص373 ـ 383، الباب 42، باب نصّ أمیر المؤمنین(ع) على الأئمّة(ع).

([17]) الخزّاز القمّی، کفایة الأثر، ص162؛ راجع: المجلسی، بحار الأنوار، ج43، ص364.

نويسنده: 
کليد واژه: