چهارشنبه: 5/ارد/1403 (الأربعاء: 15/شوال/1445)

الاعتقاد فی صفات الذات وصفات الأفعال

 

قال الشیخ أبو جعفر الصدوق: «کلّما وصفنا الله تعالى من صفات ذاته؛ فإنّما نرید بکلّ صفة منها نفی ضدّها عنه تعالی ونقول: لم یزل الله تعالی سمیعاً بصیراً علیماً حكیماً قادراً عزیزاً حیّاً قیّوماً واحداً قدیماً، وهذه صفات ذاته ولا نقول: إنّه عزّ وجلّ لم یزل خلّاقاً فاعلاً شائیاً مریداً راضیاً ساخطاً رازقاً وهّاباً متکلّماً، لأنّ هذه الصفات صفات أفعاله وهی محدَثة لا یجوز یقال: إنّ لم یزل الله تعالی موصوفاً بها».([1])

أمّا المفید فقد استدرك على الصدوق قائلاً: «صفات الله تعالى على ضربین، أحدهما: منسوب إلی الذات، فیقال: صفات الذات، وثانیهما: منسوب إلى الأفعال، فیقال: صفات الأفعال، والمعنى فی قولنا: صفات الذات أنّ الذات مستحقّةً لمعناها استحقاقاً لازماً لا لمعنى سواها، ومعنى صفات الأفعال: أنّ الله ـ بوجود الفعل وصدوره عنه ـ یوصف

 

بالفعل وبدونه، أو كما قال المفید... قبل وجوده لا یوصـف به، فصفات الذات تطلق على الذات، والله متّصف بها دون واسطة معنى آخر غیر ذاته جلّ وعلا، إلّا أنّ اتّصافه بصفة الفعل بواسطة معنى آخر وهو صدور الفعل عنه.

وقال: إنّ صفات الذات لا یصحّ لصاحبها الوصف بأضدادها ولا خلوّه منها، وأوصاف الأفعال یصحّ الوصف لمستحقّها بأضدادها وخروجه عنها، ألا ترى أنّه لا یصحّ وصف الله تعالى بأنّه یموت، ولا بأنّه یعجز، ولا بأنّه یجهل، ولا یصحّ الوصف له بالخروج عن كونه حیّاً عالماً قادراً ویصحّ الوصف بأنّه غیر خالق الیوم ولا رازق لزید ولا محیی لمیّت بعینه...([2])إلخ.

وتوضیحاً لذلك نقول: الظاهر أنّ الصدوق أراد من قوله: «کلّما وصفنا الله تعالى به من صفات ذاته؛ فإنّما نرید بکلّ صفة منها نفی ضدّها...»، نفی الصفات الزائدة على الذات، ولا نقول: «الله علمٌ وعالم ذاته وعلمه».

كأنّه أراد أن یقول: إنّ مدلول العالم والقادر... وما یفهم من ذلك مع ملاحظة نفی الصفات الزائدة على الذات: أنّ الله لیس بجاهل، أو الله

 

لیس بعاجز، وبتعبیر آخر: لعلّ مراده أنّ الفرق بین صفة الذات وصفة الفعل، أنّ مفهوم صفة الذات هو نفی ضدّها عن الله، أی معنى «الله عالم» هو إثبات العلم لله، بهذا المفهوم أنّ ضده منفی عن الله، وأنّ الله لیس متّصفاً بضدّ ذلك و«لیس بجاهل» الّذی مفهومه نفی کلّ نوع من الجهل كالجهل بالجزئیات، لأنّ نقیض السالبة الکلّیة «لیس بجاهل» موجبة جزئیة «جاهل بالجزئیات» بخلاف قولنا: «الله الشافی» أو «الله الكافی» الّذی لیس مفهومه أنّ الله لیس بالشافی ولیس بالكافی. وبهذین المعیارین تتمیّز صفات الذات عن صفات الفعل.

واللطیفة المهمّة الاُخری هنا: هی أنّه إذا کانت فی الصفات الّتی ذكرها الصدوق، وسائر صفات الله الكمالیة، سواء کانت جمالیة أو جلالیة، ما اُختلف فیه أهی صفة الذات أم صفة الفعل، ولم تتّضح ماهیّتها من الكتاب والسنّة؛ فإنّ طریق السلامة والنجاة أن نتجنّب الخوض فیها ونكتفی بالاعتقاد الإجمالی فی مورد الاعتقاد والتدیّن بها، وأن نعرض عن الجدل والنقاش فی مثل هذه الاُمور.

وینبغی أن نروی بعض الأحادیث الواردة عن أهل بیت العصمة(ع) فی هذا المقام لمناسبة الکلام، فقد ورد عن الإمام الصادق(ع) أنّه قال لمحمد بن مسلم: «یا محمد، إنّ الناس لا یزال بهم المنطق حتى یتکلّموا فی الله فإذا

 

سمعتم ذلك فقولوا: لا اله إلّا الله الواحد الّذی لیس كمثله شیء».([3]) وروی عنه(ع) أنّه قال أیضاً: «من نظر فی الله كیف هو هلك».([4])

كما روی عن أحد الصادقین (إما الباقر أو ابنه أبی عبد الله(ع)) أنّه عند ما سُئل عن شیء من الصفة: فرفع یده إلی السماء ثم قال: «تعالى الجبّار، تعالى الجبّار، من تعاطى ما ثَمَّ هلك!».([5])

وروی عن أمیر المؤمنین(ع) أنّه قال: «إنّ الراسخین فی العلم هم الّذین أغناهم الله عن اقتحام السدد المضروبة دون الغیوب، الإقرار بجملة ما جهلوا تفسیره من الغیب المحجوب، فقالوا: ﴿آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾؛([6]) فمدح الله اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم یحیطوا به علماً، وسمّى تركهم التعمّق فیما لم یکلّفهم البحث عن كنهه رسوخاً».([7])

 

 

([1]) الصدوق، الاعتقادات فی دین الإمامیة، ص27.

([2]) المفید،  تصحیح اعتقادات الإمامیة، ص41.

([3]) الکلینی، الكافی، ج1 ص92، ح3.

([4]) الکلینی، الكافی، ج1 ص93، ح5.

([5]) الکلینی، الكافی، ج1، ص94، ح10؛ البرقی، المحاسن، ج1، ص237؛ الصدوق، التوحید، ص ، الحرّ العاملی، الفصول المهمّة، ج1، ص175.

([6]) آل عمران، 7.

([7]) نهج البلاغة، الخطبة 91 (ج1، ص162)؛ الصدوق، التوحید، ص55 ـ 56؛ المجلسی، بحار الأنوار، ج4، ص277؛ ج54، ص107.

موضوع: 
نويسنده: