جمعه: 31/فرو/1403 (الجمعة: 10/شوال/1445)

الاعتقاد فی الموت

 

اعترض المفید على الصدوق فی باب الاعتقاد فی الموت فقال: «ترجم الباب بالموت، وذكر غیره، وقد کان ینبغی أن یذكر حقیقة الموت، أو یترجم الباب بمآل الموت، وعاقبة الأموات»([1]) إلّا أنّ أبا جعفر عنون الباب (بالاعتقاد بالموت)،([2]) لا بحقیقة الموت حتى یرد علیه هذا الاعتراض من قِبَل المفید، كما أنّ قصده فی بعض الأبواب الاُخری لم یكن بیان الحقیقة، مثل باب النفوس والأرواح.

وأمّا التعریف الّذی ذكره المفید للحیاة وهو: «ما کان بها النموّ والإحساس، وتصحّ معها القدرة والعلم»،([3]) فلیس تعریفاً لحقیقة الحیاة أیضاً، بل هو تعریف لأثر الحیاة وحقیقة الحیاة، حسب اعتقاد بعض من الاُمور المجهولة أیضاً.

 

فبناءً على هذا فإنّ تعریف الموت بأنّه «ما استحال معه النموّ والإحساس»([4]) لیس تعریفاً لحقیقة الموت أیضاً، أجل: لو قلنا: إنّ الموت هو انعدام الإحساس واستحالة النموّ والعجز عن الحركة، والحیاة: هی النموّ والإحساس أنفسهما فنحن وإن لم نعرف حقیقة کلّ منهما إلّا أنّنا عرّفنا لفظَی الحیاة والموت ظاهراً.

وأمّا ما قاله أبو عبد الله المفید: «ولیس یُمیت الله عبداً من عبیده إلّا وإماتته أصلح له من بقائه، ولا یحییه إلّا وحیاته أصلح له من موته، وکلّ ما یفعله الله تعالى بخلقه فهو أصلح لهم وأصوب فی التدبیر»،([5]) فمراده غیر واضح عندنا، وبدیهی أنّ «کلّ ما یفعله الله تعالى بخلقه فهو أصلح لهم وأصوب فی التدبیر»، فهو مُسلَّم وثابت فی نظام الکلّ وکلّ النظام، ولا ریب فیه، والإحیاء والرزق والخلق، ومثل هذه الاُمور الّتی تعطى، هی فی صالح العباد جمیعاً.

أمّا إذا کانت (إماتة العبد) المقصود منها الإماتة عند الأجل المسمّى، فهذه هی الإماتة الّتی فی صالح العبد، ولكن إذا اُرید بها ما یشمل غیر الأجل المسمّى أیضاً من أسباب یحصل بها الموت كالقتل ظلماً مثلاً،

 

فتصوّر هذه الإماتة فی صالح العبد هو فی منتهى الإشكال.

وممّا لا ریب فیه، أنّه فی نظام الخلق قُدِّر أن یحصل ویقع الموت بالأسباب العدوانیة أیضاً، والمصلحة الکلّیة تقتضـی ذلك، أمّا فهم المصلحة الشخصیة تقتضـی ذلك أیضاً فهذا مشکل جدّاً... وأكثر إشكالاً من ذلك أن یقال أو یحكم: بأن جمیع الهالكین بالحوادث المختلفة من زلزال، أو حادثة دهس أو هجمة حیوان كاسر، أو انهدام، أو غرق، کلّ ذلك من مصلحة الشخص، فذلك ما یدعو تأمّلاً.

وإن قلنا: بأنّ الله یتدارك الضرر الوارد على الشخص، فإنّ نسبة مثل هذه الإماتة إلی الله تختلف عن نسبة الشرور والسیّئات إلی الباری تعالى...

ویبدو أنّه وإن کان الموت بسبب ارتكاب القتل وتأثیر فعل القاتل فی القتل، ماضیاً ومقرّراً فی نظام کلّ العالم الّذی هو خلق الله وفعله، إلّا أنّ هذا الفعل ینسب إلی الفاعل القریب آن یكون قاتلاً وإن کان الفعل صادراً من الفاعل القریب من القدرة الّتی منحها الله، وتأثیره أیضاً وفقاً للنظام الّذی قرّره الله سبحانه.

لا یقال: فما تقولون إذاً فی معنى قوله تعالى: ﴿یُحْیِی‏ وَیُمِیتُ﴾؟([6])

 

والجواب: أنّ جریان الموت والحیاة فی الكائنات على الدوام، فی جسم الإنسان، وفی خلایا الإنسان والحیوانات وجمیع الموجودات الحیّة، حتى النباتات، فالأرض تحیا بالربیع ثم تموت فی فصلی الصیف والخریف تدریجاً، والله یمیتها ویحییها بحكم الآیة الكریمة: ﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللّٰهَ یُحْیِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا،([7]) إنّ آثار إماتة الله وإحیائه واسعة وكثیرة إلی درجة لا یتمّ شرحها وبسطها بكتابة مجلّدات كثیرة! كما أنّ أسرار هذا الإحیاء والإماتة فی غایة من الغموض والكثرة إلی درجةٍ یجد البشـر نفسه معها ـ على الرغم من جدّه واجتهاده وبحثه فی كائنات هذا العالم ـ ما یزال فی المرحلة الابتدائیة من الدراسة، وفی صفّها الأوّل.

فالله سبحانه الممیت والمحیی وهو یمیت ویحیی، ولكنّ الفلّاح مثلاً ینثر الحبّ من الحنطة  أو البذور الاُخری ویحرث الأرض ویسقیها، والله هو الّذی ینمی الزرع وهو الزارع الحقیقی كما قال سبحانه فی كتابه: ﴿أَ فَرَأَیْتُمْ مَا تَحْرُثُوَنَ‏ *  أَ أَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ  أَمْ  نَحْنُ  الزَّارِعُونَ.([8])

ولكن هناك فرقاً بین من ینثر الحبّ ویحرث الأرض أو یغرس الشجر، والله‏ ینمی کلّ ذلك، ویهبه النضرة والخضرة، ویونعه بالأزهار

 

والأثمار... وبین من یهلك الحرث ویحرقه ویقطع الشجر، فهذا الأمر وإن کان بسبب القوّة الّتی منحها الله إیّاه، وما أودعه من أثر فی الآلات، لكن ذلك لا یسند إلیه ولا یكون فی صالح العبد دائماً.

وعلى کلّ حال فنحن لا نسهب فی الکلام هنا خوفاً أن ننتهی إلی الخوض فی قدر الله المنهیّ عنه، ونأتمر مطیعین لأمر الإمام الصادق×: «إذا انتهى الکلام إلى الله‏ فأمسكوا».([9])

یا من علا کلّ شیء
ولا یقاس بوهمٍ
قالوا وقلنا زماناً
وما وصفنا «ابتداء»

 

 

فکَلّ عنه الخیالُ
والظنّ فیه محالُ
ووافت الآجالُ
وربّنا لا ینالُ
([10])

 

 

 

([1]) المفید، تصحیح اعتقادات الإمامیة، ص94.

([2]) الصدوق، الاعتقادات فی دین الإمامیة، ص51.

([3]) المفید، تصحیح اعتقادات الإمامیة، ص94.

([4]) المفید، تصحیح اعتقادات الإمامیة، ص95.

([5]) المفید، تصحیح اعتقادات الإمامیة، ص95.

([6]) البقرة، 258؛ آل عمران، 156؛ الأعراف، 158؛ التوبة، 116؛ یونس، 56؛ المؤمنون، 80؛ غافر، 68؛ الدخان، 8؛ الحدید، 2.

([7]) الحدید، 17.

([8]) الواقعة، 63 ـ 64.

([9]) البرقی، المحاسن، ج1، ص237؛ الکلینی، الكافی، ج1، ص92، ح2؛ الفتّال النیسابوری، روضة الواعظین، ص37.

([10]) الأبیات للمترجم المرحوم الشیخ آل صادق.

موضوع: 
نويسنده: 
کليد واژه: