جمعه: 10/فرو/1403 (الجمعة: 19/رمضان/1445)

الأمر الثامن
الآراء والأحكام البشریة

 

الأحكام السلطانیة وإن کانت بشـریة غیر إلهیة، وكانت لا محالة متأخّرة عن الأحكام الإلهیة؛ لأنّها لتحقیق إجراء الأحكام الإلهیة وتنفیذها، لكن أصل جواز الحكم للحاكم وولایته على إصدار هذه‏ الأحكام وإلزام الآخرین فی الموارد الّتی  قرّرها الشارع حكم شرعی، كما أنّ وجوب طاعة الحاكم فی أحكامه حكم شرعی أیضاً كما ذكرنا.

وإذا لم یكن الحاكم فی هذه الأحكام من المعصومین واُولی الأمر الّذین قرن الله‏ إطاعتهم بطاعة الرسول|([1]) ـ ولو کان من عمّالهم والمنصوبین من قبلهم بالنصب الخاصّ أو العامّ ـ فإنّه یجوز وقوعه فی الخطأ والاشتباه، ولكن تجب إطاعته حفظاً للنظام إلّا إذا علم خطؤه، وحینئذٍ فلا یجب على العالم بذلك إطاعته، بل ینبغی فی بعض الموارد تنبیهه على

 

خطئه. ومن لا یعلم ذلك ـ وإن احتمله ـ فیجب علیه إطاعة الحاكم، على تفصیلاتٍ لیس هنا مقام ذكرها.

وهذا نظیر تطبیق غیر الحاكم الأحكام الشـرعیة على موضوعاتها الخاصّة الخارجیة، فتارة یصیب فیها، وتارة یخطئ، وهذا یصیب والآخر یخطئ. وهذا مبنى قوله| فی خبر أحمد والترمذی وابن ماجة ومسلم: «وَإذَا حَاصَرْتَ حِصْناً  فَأَرَادُوكَ أنْ تُنْزِلَـهُمْ عَلَى حُكْمِ اللهِ‏ فَلَا تُنْزِلْـهُمْ عَلَى حُكْمِ اللهِ‏، وَلَكِنْ أَنْزِلْـهُمْ عَلَى حُكْمِكَ فَإِنّكَ لَا تَدْری أَتُصیبُ حُكْمَ اللهِ فِیهِم أَمْ لَا».([2]) فإنّ المراد منه ـ والله‏ أعلم ـ أنّ إنزالهم على حكم الله‏ لابدّ وأن یكون بما هو حكم الله‏ برأیه، وحیث یمكن أن لا یكون فی رأیه مصیباً حكم الله‏ تعالى یمكن أن ینزلهم على غیر ما شرط لهم، وهو حكم الله‏ الواقعی. وأمّا لو شرط علیهم إنزالهم على حكمه فإنّه وإن أنزلهم على ما هو حكم الله‏ برأیه لكن إن لم یصب حكم الله‏ لم یتخلّف عن الشرط، مضافاً إلی أنّه بذلك یسدّ باب مناقشتهم إیّاه بأنّك ما أنزلتنا على حكم الله‏ تعالى. وهذه الروایة صریحة بصحّة القول بالتخطئة وبطلان التصویب.

 

 

 

 

([1]) اُنظر: النساء، 59.

([2]) اُنظر: أحمد بن حنبل، مسند، ج5، ص358؛ مسلم النیسابوری، صحیح، ج5، ص140؛ ابن ماجة القزوینی، سنن، ج2، ص954؛ الترمذی، سنن، ج3، ص86.

موضوع: 
نويسنده: