پنجشنبه: 9/فرو/1403 (الخميس: 18/رمضان/1445)

صدق الكنز على أعمّ من النقدین

ثم إنّ الظاهر من كلمات الفقهاء([1]) وأرباب اللغة([2]) صدق الكنز على أعمّ من النقدَین وجنسیهما ومن غیرهما، مثل الجواهر والأحجار الثمینة.

نعم، الظاهر عدم صدقه على ما یوجد فی الأراضی الّتی كانت معمورة ثم خربت لجلاء أهلها عنها أو لأسباب اُخرى، من الظروف والآلات فله حكمه الخاصّ.

 

وربّما یقال بدلالة صحیح البزنطی على تخصیص الحكم بوجوب الخمس فی الكنز بالنقدین، وهو: عن مولانا الرضا× قال: «سألته عمّا یجب فیه الخمس من الكنز؟ فقال: ما یجب الزكاة فی مثله ففیه الخمس».([3])

وحكى فی الجواهر عن اُستاذه فی كشف الغطاء: أنّ الظاهر تخصیص الحكم بهما، وغیره یتبع حكم اللقطة. قال: بل لعلّه ظاهر السرائر.([4]) انتهى.

ووجه دلالة الصحیحة على التخصیص المذكور: ظهور السؤال الواقع فیها عن الجنس والماهیة،([5]) لا المقدار والكمّیّة. وكذا ظهور قوله× فی الجواب: «ما یجب الزكاة فی مثله» فإنّ المثلیة ظاهرة فی الجنس، وإلّا لقال: فی مقداره.

ولكن فیه أوّلاً: أنّه قد حكی اتّفاقهم على إرادة المقدار منه، كما عن الریاض.([6]) ویؤیّد ذلك: ما رواه المفید فی المقنعة، قال: «سئل الرضا× عن مقدار الكنز الّذی یجب فیه الخمس؟ فقال: ما یجب فیه الزكاة من ذلك بعینه ففیه الخمس، وما لم یبلغ حدّ ما تجب فیه الزكاة فلا  خمس فیه».([7]) فإنّ الظاهر أنّه هو صحیح البزنطی، رواه بمضمونه.

وثانیاً: قد أفاد سیّدنا الاُستاذ الأعظم+: أنّ البزنطی ـ وهو من أجلّاء الطبقة

 

السادسة، ومن أرباب الجوامع الأوّلیة، ولیس من الرواة فقط، بل من علمائهم، ومن أصحاب الرضا× یروی عنه بلا واسطة، وعن الباقرین ÷ أیضاً بواسطة مشایخه ـ قد روى روایة اُخرى، قال:

«سألت أبا الحسن× عمّا أخرج المعدن من قلیل أو كثیر هل فیه شیء؟ قال: لیس فیه شیء حتى یبلغ ما یكون فی مثله الزكاة عشرین دیناراً».([8])

والظاهر أنّ المسؤول أیضاً هو الرضا×.([9]) بل ربّما یظنّ أنّ السؤال عن المسألتین وقع فی مجلس واحد، ولا ریب فی أنّ السؤال عن المعدن متعلّق بالمقدار، فیقرب به إلى الذهن بل یطمئنّ منه أنّ السؤال عن الكنز أیضاً كان عن المقدار.

أقول: ما ذكره& كأنّه لا یكفی لرفع الید عن ظاهر الصحیح الأوّل على القول بظهوره فی النوع والجنس. ولو قلنا بكونه وما رواه المفید واحداً وأنّ المفید حمل الروایة على الكمّیة، فهو معارض بما حكی عن الشیخ فی النهایة والمبسوط والجمل، وعن السرائر والجامع.([10])

اللّهمّ إلّا أن یقال: بأنّ التعبیر بالمثل یدلّ على إرادة الكمّیة، إذ لو كان المراد الجنس لكان یحذف قوله×: «فی مثله» ولقال: ما یجب الزكاة فیه (أی النقدین) فیه الخمس.

 

ویؤیّد ذلك: التعبیر بالمثل فی الصحیح الثانی لبیان المقدار، حیث قال فیه: «حتى یبلغ ما یكون فی مثله الزكاة عشرین دیناراً».

وأمّا استبعاد([11]) كون مثل البزنطی غیر عارف بثبوت الخمس فی الكنز فهو أیضاً ممّا لا نقبل منه.

فإنّه أوّلاً: لم یكن جاهلا بأصل ثبوت الخمس فی الكنز، بل سأل عن نوع ما یجب فیه.

وثانیاً: أنّ هذا الاستبعاد لو جاء فإنّه یجیء فی الصحیح الآخر أیضاً.

وأمّا ما فی الجواهر([12]) فی بیان الوجه لكون المراد الجنس من صحّة سلب الكنز عن غیر النقدین، فهو محلّ المنع، بل مقتضى العرف واللغة صحّة حمله.

وأمّا تمسّكه بالأصل،([13]) فهو على القول بكون المراد من الصحیح الكمّ یكون مقطوعاً بالإطلاقات الدالّة على وجوب الخمس فی الكنز.

ثم إنّ هنا احتمالاً ثالثاً أفاده السیّد الاُستاذ ـ أعلى الله درجته ـ وهو: أنّ السؤال یكون عن الجنس والمالیة معاً، فإنّ عبارة السؤال مطلق یشمل نوع ما یجب فیه الخمس ومقداره، ولا وجه لاختصاصه بالنوع أو المقدار. وكذلك الجواب «ما یجب الزكاة فی مثله ـ نوعاً ومقداراً ـ ففیه الخمس.

 

وأفاد+: بأنّا لو أغمضنا النظر عن أنّ المراد منه المالیة والمقدار وجب حمل الصحیح على هذا الاحتمال. وأمّا احتمال كون المراد الجنس، فساقط جدّاً. انتهى.

 

([1]) راجع الاقتصاد، ص283؛ والوسیلة، كتاب الخمس، ص136؛ وشرائع الإسلام، كتاب الخمس، الفصل الأوّل، ج1، ص133؛ والمهذب، ج1، ص177 ـ 178؛ وتحریر الأحکام، ج1، ص347؛ ومنتهی المطلب، ج1، ص547؛ وتذکرة الفقهاء، ج5، ص413 ـ 414؛ والبیان، ص215؛ والدروس، ج1، ص260.

وقد تضاربت الآراء فی المسألة، فقالوا فی غیر المصادر المذكورة بالاختصاص، نحو: النهایة، ص198؛ والمبسوط، ج1، ص236؛ قال فیه باختصاصه بالذهب والفضّة أعمّ من النقدین؛ والجمل والعقود، ص104؛ والرسائل العشـر، ص207؛ والسـرائر، ج1، ص486؛ والجامع للشرائع، ص148؛ وكشف الغطاء، ج4، ص201؛ ومستند الشیعة، ج10، ص28.

([2]) عرفوه بالمال المدفون ونحو ذلك بما هو أعمّ من النقدین والذهب والفضّة. راجع: مقاییس اللغة، ج5، ص141؛ ولسان العرب، ج5، ص402؛ والنهایة، ج4، ص203؛ والقاموس المحیط، ج2، ص189؛ ومجمع البحرین، ج4، ص32 (مادة: كنز).

([3]) من لا یحضره الفقیه، ج2، ص40؛ وسائل الشیعة، أبواب ما یجب فیه الخمس، ب5، ح2 و6، ج6، ص345 ـ 346.

([4]) جواهر الكلام، ج16 ، ص25 ـ 26؛ السرائر، ج1، ص486.

([5]) صرّح به فی جواهر الکلام، ج16، ص26.

([6]) ریاض المسائل، كتاب الخمس، ج5، ص249.

([7]) المقنعه، ص283؛ وسائل الشیعة، أبواب ما یجب فیه الخمس، ب5، ح6، ج6، ص346.

([8]) وسائل الشیعة، أبواب ما یجب فیه الخمس، ب4، ح1، ج6، ص344.

([9]) بل الظاهر أنّه لا ریب فی ذلك؛ لتصریح الفقیه بلقبه ×.

([10]) النهایة ، ص184؛ المبسوط، ج1، ص236؛ الجمل والعقود، ص104؛ السـرائر، ج1 ، ص486؛ الجامع للشرائع ، ص148.

([11]) ذكره الشیخ الحائری فی کتاب الخمس، ص102.

([12]) جواهر الکلام، ج16، ص26.

([13]) جواهر الکلام، ج16، ص26؛ وكذا فی مستمسك العروة الوثقی، ج9، ص468. وهو أصالة البراءة عن تعلّق الخمس بغیرهما.

موضوع: 
نويسنده: