جمعه: 10/فرو/1403 (الجمعة: 19/رمضان/1445)

 

الفصل الرابع
ممّا یجب فیه الخمس

ما یخرج من البحر بالغوص

 

ممّا یعتاد إخراجه منه به، كاللؤلؤ والیاقوت والزبرجد والدرّ. وفی الجواهر بلا خلاف أجده فیه.

ویدلّ علیه بالإطلاق: الآیة الكریمة، وبالتصریح علیه الروایات:

منها: صحیح الحلبی، قال: «سألت أبا عبد الله× عن العنبر وغوص اللؤلؤ؟ فقال: علیه الخمس...». الحدیث.([1])

وهذا مختصّ باللؤلؤ، إلّا أن یقال: إنّ اللؤلؤ على سبیل المثال. وأمّا العنبر فسیجیء الكلام فیه إن شاء الله تعالى.([2])

ومنها: ما رواه البزنطی، عن محمد بن علیّ بن أبی عبد الله([3])، عن أبی الحسن× قال: «سألته عمّا یخرج من البحر من اللؤلؤ والیاقوت والزبرجد، وعن معادن الذهب والفضّة ما فیه؟ قال: إذا بلغ ثمنه دیناراً ففیه الخمس».([4])

 

وفی التهذیب بدل «ما فیه» «هل فیها زكاة».([5])

ومنها: مرسل حمّاد بن عیسى،([6]) عن بعض أصحابنا، عن العبد الصالح× قال: «الخمس من خمسة أشیاء: من الغنائم والغوص ومن....».([7])

وإرساله لا یضرّ بصحّة الاحتجاج به، بعد ما كان المُرسِل مثل حمّاد الّذی هو من أصحاب الإجماع، سیّما تعبیره عمّن روى عنه بـ«عن بعض أصحابنا».

ومنها: مرسل ابن أبی عمیر، وهو أیضاً كالصحیح، عن غیر واحد، عن أبی عبد الله× قال: «الخمس على خمسة أشیاء: على الكنوز والمعادن والغوص والغنیمة». ونسی ابن أبی عمیر الخامس.([8])

ومنها: صحیح عمار بن مروان، قال: «سمعت أبا عبد الله× یقول: فی ما یخرج من المعادن والبحر و... الخمس».([9])

وعلى ما سمعت من النصوص المعتبرة الاقتصار على ذكر صحیحة الحلبی ـ حتى یناقش فی دلالتها ویقال بقصورها عن التعمیم ـ لیس فی محلّه، إلّا بناءً على التعویل على خصوص الأخبار الموصوفة بالصحّة؛ ولكن فی بعض الأخبار الّتی

 

لیست موصوفة بتلك الخصوصیة ما لا یقلّ الاعتماد بصدوره عنها، بل ربّما یكون الاطمینان بصدوره أكثر منها.

وبالجملة: لا یصحّ عند الخبیر بالفنّ طرح هذه الأخبار المعتبرة الّتی اعتمد علیها الأصحاب.

ثم إنّه قد جاء فی كلام الفقیه الهمدانی+([10]) الاستشكال فیما یستفاد من هذه الروایات؛ لأنّ فی بعضها جعل المعیار لوجوب الخمس «ما یخرج من البحر من اللؤلؤ و...» الصادق على ما یخرج منه بالآلة من غیر غوص، مثل روایة محمد بن علیّ بن أبی عبد الله، وكذا حدیث عمّار بن مروان الشامل لمثل صید السمك، وإن كان الظاهر انصرافه عنه. وفی بعضها الاعتبار على الغوص الّذی یشمل ما یخرج من الشطوط بالغوص. وبین العنوانین بحسب الظاهر العموم من وجه، فالقدر المتیقّن منهما ثبوت الحكم فی ما یخرج من البحر بالغوص دون ما یخرج بالغوص من غیر البحر، ودون ما یخرج من الشطوط بالغوص.

إذن فهل العبرة بصدق عنوان الإخراج من البحر، أو عنوان الغوص ولو فی الشطوط، أو العبرة بصدق كلٍّ من العناوین، أو بصدق كلیهما، كما هو ظاهر كلام من قال: كلّ ما یخرج من البحر بالغوص، أو العبرة بالعنوان المشترك بینهما كالإخراج من الماء مطلقاً، سواء كان بالغوص أم بآلة ونحوها، وسواء كان من البحر أم الشطّ ونحوه؟ وجوه:

 

ألف ـ وجه كون العبرة بالبحر: أنّ التعبیر بالغوص قد جرى مجرى الغالب؛ لأنّ إخراج الجواهر من البحر یكون غالباً بالغوص.

ب ـ وجه كون العبرة بالغوص: أنّ ذكر البحر وما یخرج منه فی الأخبار؛ جار مجرى الغالب من الغوص فی البحر.

ج ـ وجه كون العبرة بصدق كلٍّ من العناوین: أنّ كلّا ًمنهما عنوان مستقلّ، لا تنافی بین كون كلٍّ منهما محكوماً بحكم مستقلّ، سواء تصادقا فی مورد واحد أم لا ، فلا  وجه لإرجاع كلٍّ واحد منهما إلى الآخر.

د ـ وجه كون العبرة على صدق كلا العنوانین معاً،([11])فلا  یكفی الغوص فی غیر البحر، ولا الإخراج بغیر الغوص بالآلة من البحر: أنّ ذلك هو القدر المتیقّن من الأخبار، بعد فرض عدم استظهار وجه خاصٍّ منها.

ه‍  ـ وجه كون العبرة على ما هو القدر المشترك بینهما: استظهار أنّ الموضوع للحكم هو إخراج شیء ثمین من الماء، سواء كان بالغوص أم بالآلة، وسواء كان من البحر أم من الشطوط.

والمتّجه بعد ذلك كلّه هو الوجه الثالث، فاللازم الأخذ بكلٍّ من العناوین. إلّا أنّ الفقیه الهمدانی+ أفاد بأنّ مقتضى ظواهر كلمات الأصحاب بل صریحها وكذلك النصوص خصوصاً الأخبار الحاصرة للخمس فی خمسة: عدم كون كلٍّ من العنوانین قبال سائر العناوین عنواناً مستقلّا ًحتى یكون الغوص كما هو غیر

 

الكنز، والمعدن غیر البحر، والبحر غیرهما وغیر الغوص.

فعلى هذا لابدّ إمّا من حمل الغوص على البحر والقول بأنّ البحر تمام الموضوع، أو البحر على الغوص. أو تقیید إطلاق كلٍّ منهما بما هو المتیقّن من الآخر، والالتزام بأنّ الحكم مختصّ بما یخرج من البحر بالغوص، فإطلاق ما یدلّ على الحكم فی البحر سواء كان بالغوص أو الآلة یقیّد بنصّ ما یدلّ على الحكم بالغوص. كما أنّ إطلاق ما یدلّ على الحكم فی الغوص سواء كان فی البحر أو الشطوط یقیّد بنصّ ما یدلّ على الحكم فی البحر. والنتیجة: ثبوت الحكم بما یخرج من البحر بالغوص.

وأفاد بأنّ هذا أشبه بالقواعد، لا لأنّ التقیید من أهون التصرّفات كی یتوجّه علیه أنّه لیس بأهون من إهمال القید الوارد مورد الغالب (یعنی أنّ تقیید ما یدلّ على الحكم فی البحر بما یدلّ على الحكم بالغوص بقید غالبی، وهو إخراج الجواهر بالغوص، ورفع الید عن هذا القید أولى من تقیید إطلاق ما یدلّ على البحر، وهكذا على العكس ) بل لأنّ مقتضى القاعدة ـ إذا كان الإطلاق وارداً مورد الغالب والقید أیضاً جاریاً مجراه ـ إهمال الإطلاق والأخذ بالقید؛ لأنّه أظهر وأنصّ فی معناه من الإطلاق وأخصّ منه.

وأورد على ما ذكر: بأنّ ما بظاهره من الأخبار یدلّ على حصـر الخمس فی خمسة غیر مراد قطعاً؛ لوجوب الخمس فی أرباح المكاسب. ولا تنافی بین ما أفاد وجوب الخمس فی كلّ ما اُخرج بالغوص، سواء كان من البحر أو الشطوط،

 

وما أفاد وجوب الخمس فی كلّ ما اُخرج من البحر، سواء كان بالغوص أو بغیره؛ لأنّ الدلیلین مثبتان ولا تنافی بینهما. وأنّ النسبة بینهما عموم من وجه، ولا تعارض بینهما فی مورد اجتماعهما.

ولكن یمكن أن یقال: إنّ صاحب مصباح الفقیه لا ینكر عدم دلالة ما یدلّ على حصر الخمس فی خمسة بالحصر التامّ، ولكنّه أراد أنّ الموارد عند الفقهاء، وحسب ما یستفاد من الأدلة محصورة، ولیس هناك عنوانان كلّ واحد منهما مستقلّ بنفسه حیال سائر العناوین، أی ما یخرج بالغوص وما یخرج من البحر حتى یحكم على كلٍّ منهما بحكم مخصوص به، فإذا كان المورد معنوناً بعنوان واحد وتردّد العنوان بین الاثنین وأمكن إرجاعهما بتقیید إطلاق كلٍّ منهما بالقید المذكور فی الآخر نأخذ بالقید، ونقیّد به إطلاق الدلیلین؛ لأنّ القید أظهر وأنصّ.

اللّهمّ إلّا أن یقال: إنّ مقتضى الجمع بین الأدلّة كون ما یدلّ علیه تحت عنوان واحد، مثل الشیء الخارج من الماء فهو الواقع تحت الحكم، وفی قبال سائر العناوین، لا كلّ من البحر والغوص حتى یكون الواقع قبال سائر العناوین متعدّداً.

ولكنّ هذا وإن كان لا مانع منه فی مقام الثبوت، إلّا أنّه خلاف ظاهر الدلیل ومقام الإثبات. وبعد ذلك كلّه فالقدر المتیقّن ممّا دلّت علیه الأدلّة هو ما یخرج بالغوص من البحر. وإن شئت قل: «ما یخرج من البحر بالغوص».

هذا، وأمّا مقتضى الأصل ـ بعد فرض تكافؤ الاحتمالات، وعدم إمكان

 

تقدیم بعضها على غیره فی موارد الافتراق، إن قلنا بأنّ مفاد الحكم فی مورد تصادقهما عدم وجوب الخمس فیما هو الأقلّ من النصاب الدینار الواحد ـ وجوبه فی غیر مورد التصادق تمسّكاً بإطلاق الآیة.

وإن قلنا بأنّ مفاده وجوب أدائه فوراً وقبل مضیّ السنة علیه ففی غیر مورد التصادق یجوز التأخیر إلى السنة، فإن لم یصرفه فی المؤونة یؤدّی خمسه؛ وذلك لأصالة البراءة عن وجوب أدائه قبل مضـیّ السنة. ومقتضـى الاحتیاط عدم احتساب جمیع ما یشمله إطلاق أدلة العنوانین إذا بلغ النصاب من أرباح المكاسب ومطلق الفوائد، فیؤدّی خمسه بمجرد الحصول واحتساب ما لم یبلغ النصاب من الفوائد. والله هو العالم.

 

([1]) الکافی، ج1، ص548؛ تهذیب الأحکام، ج4، ص141؛ وسائل الشیعة، كتاب الخمس، أبواب ما یجب فیه الخمس، ب 7، ح1، ج6، ص347.

([2]) استدل بهذه الصحیحة على اختصاص الغوص باللؤلؤ والعنبر، كما فعله مدارك الأحکام، ج5، ص375.

([3]) لم نعثر على مدح له، إلّا أنّه یكفی فی الاعتماد علیه روایة البزنطی عنه، وهو من أصحاب الإجماع، وهومن السادسة، وروایة أبی الخطّاب بالواسطة عنه.

([4]) الكافی، ج1، ص547، ح21.

([5]) تهذیب الأحکام، كتاب الزكاة، باب الخمس والغنائم، ب35، ح356، ج4، ص124؛ ونقلاً عنه وسائل الشیعة، أبواب ما یجب فیه الخمس، ب7، ح2، ج6، ص343.

([6]) غریق الجحفة، من الخامسة، وطال عمره فعاصر السادسة.

([7]) الکافی، ج1، ص539؛ وسائل الشیعة، أبواب ما یجب فیه الخمس، ب2، ح4، ج6، ص339.

([8]) الخصال، ص291؛ وسائل الشیعة، أبواب ما یجب فیه الخمس، ب3، ح7، ج6، ص344.

([9]) الخصال، ص290؛ وسائل الشیعة، أبواب ما یجب فیه الخمس، ب3، ح6، ج6، ص344.

([10]) مصباح الفقیه، ج14، ص85.

([11]) ذهب إلیه المحقّق الهمدانی فی مصباح الفقیه، ج14، ص85، تبعاً للمحقّق فی شرائع الإسلام، ج1، ص134.

موضوع: 
نويسنده: