پنجشنبه: 6/ارد/1403 (الخميس: 16/شوال/1445)

هل المراد الخمس المصطلح أو غیره

هذه الروایات تدلّ بظاهرها على مذهب المشهور. غیر أنّه ربّما یستشكل فی كون المراد من الخمس فیها الخمس المصطلح؛ وذلك لقوله× فی روایة السكونی: «تصدّق بخمس مالك».

وفیه: أنّه قد ظهر ممّا ذكر ـ من اتحاد الروایات الحاكیة عن السؤال عن أمیر المؤمنین× ووحدة القضیّة المسؤول عنها عنه× ـ عدم نقل كلام أمیر المؤمنین× بعین لفظه، فلا  یثبت بها صدور هذا اللفظ عنه×.

ولكن یظهر من السید الاُستاذ: أنّ المراد من الخمس فی روایات الحلال

 

المختلط بالحرام لیس هو الخمس المصطلح، بل المراد منه: التصدّق بخمسه من جانب مالكه.

أقول: فإنّه أوّلاً: أفاد فی وجه القول بأنّه الخمس المصطلح؛ أنّ الخمس فی الروایات واستعمالات الشارع والمتشرّعة ظاهر فی الخمس المعهود، فقوله× فی روایة: «أخرج الخمس» وفی اُخرى: «تصدّق بخمس مالك» یتبادر منه المذكور فی الآیة: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِن شَیْءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ﴾.([1])

ولاسیّما ممّا رواه الصدوق بسنده الصحیح إلى الحسن بن المحبوب، عن عمّار بن مروان قال: «سمعت أبا عبد الله× یقول: فیما یخرج من المعادن والبحر والغنیمة والحلال المختلط بالحرام إذا لم یعرف صاحبه، والكنوز الخمس».([2])

فإنّ مقتضى وحدة السیاق وكون المتكلّم فی مقام البیان أنّ المراد من الخمس: الخمس المعهود، وحینئذ لا مجال للأخذ بظاهر قوله×: «تصدّق بخمس مالك» فی روایة السكونی([3]) بدعوى ظهورها فی التصدّق.

ثم مع قوّة هذا البیان أفاد السید الاُستاذ+ بأنّ التدبر فی المقام یؤدّی القول بأنّ المراد من الخمس هنا غیر ما هو المراد فی سائر ما یجب فیه الخمس، وهو أداؤه بعنوان الصدقة. والوجه فی ذلك: أنّه یجب على الشخص إن وقع مال الغیر تحت یده غصباً أو اتّفاقاً أن یؤدّیه إلى مالكه إن عرفه وعرف المال بعینه أو مقداره، وإن

 

لم یعرفه ولم یعرف المال عیناً أو مقداراً یجب أن یتعامل معه لأجل إیصال منفعته إلى مالكه، وهو التصدّق به عنه لیصل ثوابه إلیه. وإن لم یعرف مقدار المال فحسب القاعدة یجب التصدّق بما یعلم باشتغال ذمّته به، إلّا أنّه بذلك لا یحصل له العلم بحلّیة جمیع الباقی، ولا یوجب حلّیة تصرّفه فیه، فیجب علیه الأداء منه بمقدار یحصل به فراغ ذمّته، إلّا أنّه فی إفراز الحلال من الحرام یحتاج إلى ولایة من له الولایة فی مثل ذلك، ولذا جعل الشارع الخمس علیه للمالك كمال المصالحة بینه وبین مالك الحرام الواقع فی یده، فكأنّ الّذی بیده المال ومالكه تصالحا على الخمس، فإن كان الحرام أكثر منه فمالكه رضی بكون الأكثر للّذی بیده، وإن كان أقلّ منه فالزائد لمالك الحرام من صاحب الحلال بمصالحته له. وعلى هذا كان السائل عن المال المختلط بالحرام یعلم أنّ على الّذی بیده یجب أداؤه والتصدّق به عن مالكه، ولكن لمّا كان یجهل مقدار ما یجب أداؤه فعیّنه الشارع فی الخمس وأمر بالتصدّق به عنه.

وبمثل هذا یمكن استظهار كون الخمس فی المقام الصدقة، لا الخمس المعهود، فلا  ارتباط بین أداء خمس المال الحلال المختلط بالحرام بعنوان الخمس المعهود ومالك المال الحرام المجهول مالكه، بخلاف ما إذا كان صدقةً عنه یصل ثوابها إلیه وتكون بمنزلة أدائه إلیه.

وبالجملة: فالمال المجهول مالكه یجب التصرّف فیه بنحو تصل منفعته إلیه، ولا یمكن هذا إلّا بالتصدّق عنه، وإذا كان مختلطاً بالحلال یكفی بحكم الشارع التصدّق بخمسه عنه.

 

والحاصل: أنّ هذه قرینة على إرادة التصدّق من الخمس فی المال الحلال المختلط بالحرام.

ولا یخفى: أنّ ما ذكرناه لیس ما أفاده السید الاُستاذ ـ أعلى الله درجته ـ بعینه، بل یكون كالخلاصة من الوجهین([4]) اللذین أفادهما، أو كبیان ثالث لهما.

والّذی یقوى فی النظر أنّ ما ذكر+ وإن كان یمكن أن یكون وجهاً لاستظهار كون المراد من الخمس غیر الخمس المعهود. إلّا أنّه لا یقاوم ظهور صحیح عمّار بن مروان فی كون المراد منه الخمس المعهود، والوجه الّذی ذكرناه لا یمكن أن یكون وجهاً لكون المراد من الخمس فیه غیر الخمس المصطلح فی لسان الكتاب والسنّة. فصحیح ابن مروان كالنصّ، وخبر السكونی كالظاهر، مضافاً إلى التشكیك فی كونه مرویّاً بعین لفظ الإمام×.

فإن قلت: فما المناسبة بین حلّیة الحلال المختلط بالحرام المتعلّق به حقّ الغیر، وأداء خمسه إلى السادة والإمام× دون صاحب الحقّ، مع أنّ المال المجهول المالك لو كان معلوم القدر أو معلوم العین یجب التصدّق به عن مالكه؟

قلت: المسألة بعد ذلك محلّ الإشكال جدّاً.

وممّا یؤیّد القول بأنّ الخمس فی المال المختلط غیر الخمس المعهود بخلافه فی المعدن والغنیمة: أنّ فی مثل المعدن والكنز جعل الخمس لأربابه تأسیس من الشارع، لا لحقٍّ مالیٍّ تعلّق بالكنز أو المعدن، وفی المال المختلط مبنیّ على تعلّق

 

حقّ مالك الحرام بالمال الحلال، فجعل الأوّل لأرباب الخمس كأصل جعله الشارع ابتداءً. وأمّا فی المال المختلط جعل الخمس لغیر مالكه أعنی السادة یحتاج إلى صرف النظر عمّن هو له وإعطائه غیره، وهذا وإن كان جائزاً بالتعبّد وتشریع مالك الأموال الأصلی إلّا أنّه لا یصار إلیه بعد استظهار العرف كون الحكم مبنیّاً على رعایة مصلحة مالك المال الحرام.

وبالجملة: فالشارع إنّما أعمل ولایته فی المقام فی تعیین مقدار ما یجب إیصاله إلى مالك الحرام على حسب أصل حكمه فی المال المجهول.

وبعد ذلك كلّه لا یصحّ الجزم فی الفتوى بأنّ مصرف هذا الخمس للسادة، فلو لم نقل بكونه صدقة لابدّ من الاحتیاط بأدائه إلى أرباب الخمس بقصد ما فی ذمّته من الخمس المعهود أو الصدقة من جانب مالكه المجهول. ونحن وإن قلنا فی هدایة العباد بأنّ الأحوط للهاشمی عدم أخذ غیر الزكاتین من الصدقات الواجبة،([5]) إلّا أنّ الأقوى جوازه. والله هو العالم.

 

([1]) الأنفال، 41.

([2]) الخصال، ص290؛ وسائل الشیعة، أبواب ما یجب فیه الخمس، ب 3، ح6، ج6، ص344.

([3]) السكونی الكوفی ثقة، وله كتاب، من الرابعة وكبار الخامسة.

([4]) أی وجه لمذهب المشهور والخمس المعهود؛ ووجه للخمس بمعنى الصدقة.

([5]) هدایة العباد، ج2، ص209.

موضوع: 
نويسنده: