جمعه: 10/فرو/1403 (الجمعة: 19/رمضان/1445)

خمس من له أنواع من الاكتساب

مسألة 59: قال فی العروة: إذا كان له أنواع من الاكتساب والاستفادة، كأن یكون له رأس مال یتّجر به وخان یؤجّره وأرض یزرعها وعمل ید مثل الكتابة أو الخیاطة أو النجارة أو نحو ذلك، یلاحظ فی آخر السنة ما استفاده من المجموع من حیث المجموع، فیجب علیه خمس ما حصل منها بعد خروج مؤونته.([1])

أقول: لازم ذلك جبر ضرر بعضها بمنفعة بعضها الآخر، فلو خسـر فی بعضها وربح فی غیره وكان ربح هذا مساویاً لخسـران الآخر لا شیء علیه. وأیضاً لو لم یربح من هذا وربح من الآخر فی آخر أیّام السنة یجب علیه أداء خمس هذا الربح، مع أنّه لم یمضِ علیه السنة بل ولم یمضِ علیه إلّا یوم واحد.

وفی قبال هذا القول: القول بأنّ كلّ ربح یلاحظ بشخصه وله سنة تخصّه، وعلیه فمن ربح عشرة فی المحرّم وصرفه فی مؤونته إلى رجب، ثم ربح عشـرین وصرفه فی مؤونته إلى ذی الحجّة، فربح فی الیوم التاسع والعشرین ثلاثین لا یجب علیه تخمیس الثلاثین فی أول المحرّم.

 

وبالجملة: بعد اتّفاقهم على أنّ فی تعلّق الخمس بالأرباح یستثنى منه الأرباح الّتی تصرّف فی مؤونة السنة، فهل المراد من ذلك ملاحظة جمیع الأرباح الّتی تحصل له فی السنة كربح واحد، فإذا صرف جمیع أرباحه إلى أواخر السنة فی مؤونته وحصل له ربح فی آخر یوم منها یجب علیه أداء خمسه، أو أنّه یلاحظ كما ذكر كلّ ربح ـ ولو كان من تجارة واحدة ـ ربحاً مستقلّا ً، فإن صرف فی المؤونة فلا  شیء علیه، وإلّا فیؤدّی خمس ما بقی منه بعد سنته المختصّة به؟ اختار جماعة ـ والظاهر أنّهم الأكثرـ منهم الشیخ الأنصاری+ و صاحب العروة وغیرهما الأوّل، وحكی عن الشهید الثانی وغیره الثانی.([2])

ویظهر الفرق بین القولین مضافاً على ما ذكر: أنّه إذا ربح فی المحرّم خمسین وفی شعبان خمسین وفی الیوم الآخر من ذی الحجّة خمسین وصرف فی مؤونته خمسین یستثنى على القول الأوّل ـ الّذی لعلّه هو المشهور ـ من جمیع مئة وخمسین خمسون، ویؤدّى خمس ما بقی منها ـ وهو المئة ـ عشرون، وهذا بخلاف القول الثانی فإنّه تخرج مؤونة سنة الربح الأوّل وهو الخمسون منه فلا یكون علیه شیء. وبالجملة: یلاحظ الربح الثانی والثالث أیضاً كل منهما بحسب سنته.

هذا، وأفاد بعض الأعلام من المعاصرین: أنّ الأظهر هو ما اختاره الشهید الثانی، فإنّ المستفاد من الآیة الكریمة والروایات الدالّة على أنّ «الخمس فی كلّ ما أفاد الناس من قلیل أو كثیر»: أنّ الحكم انحلالی، فكلّ فرد من أفراد الغنیمة

 

والفائدة موضوع مستقلّ لوجوب التخمیس، كما كان هو الحال فی الكنوز والمعادن. فلو لم یكن دلیل على استثناء المؤونة لقلنا بوجوب أداء الخمس فوراً وبمجرّد حصول الربح، ولكن دلیل الاستثناء أوجب ارتكاب التقیید فی الوجوب التكلیفی إرفاقاً وإن كان الحقّ ثابتاً من الأوّل، فلا  یجب البدار إلى الإخراج، بل له التأخیر إلى آخر السنة، فهذا التقیید ثابت بالدلیل. أمّا ارتكاب تقیید آخر، أی ضمّ الأرباح بعضها إلى بعض بحیث یستثنى حتى المؤن الحاصلة قبل حصول الربح المتجدّد فلم یقم علیه دلیل.

والحاصل أوّلاً: أنّه لا دلیل على احتساب المؤونة السابقة على حصول الربح واستثنائها منه.

وثانیاً: لا یجب تخمیس الربح الحاصل فی الیوم الآخر من سنة حصول الربح السابق.

ثم إنّه رد ما قیل (من أنّ لحاظ المؤونة بالإضافة إلى كلّ ربح یوجب الاختلال والهرج والمرج) بأن لا نعقل له معنى محصّلاً حتى فی التدریجیات، مثل العامل أو الصانع الّذی یربح فی كلّ یوم دیناراً مثلاً فإنّه إن لم یبقَ كما هو الغالب حیث یصرف ربح كلّ یوم فی مؤونة الیوم الثانی فلا  كلام، وإن بقی یخمس الفاضل على المؤونة.([3])

أقول: إنّ ما فی أكثر الروایات استثناء المؤونة، ولیس فیها قید السنة والعام إلّا

 

فی صحیح ابن مهزیار، وهو قوله×: «وأمّا الغنائم والفوائد فهی واجبة علیهم فی كلّ عام»، وقوله: «فأمّا الّذی أوجب من الضیاع والغلّات فی كلّ عام...».([4])

وأجاب بعض الأعلام عن الاستدلال بالجملة الأولى بأنّها لیست ناظرة إلى الضمّ ولا إلى عدمه، وإنّما هی بصدد التفرقة بین الغنائم وغیرها، حیث إنَّ الإمام× أسقط الخمس فی سنته تلك (سنة عشـرین ومأتین) عن جملة من الموارد. وأمّا فی الغنائم والفوائد فلم یسقط خمسها بل أوجبه بكامله فی كلّ عام. وأمّا كیفیّة الوجوب من ملاحظة الأرباح منضمّة أو مستقلّة فهی لیست فی مقام البیان من هذه الناحیة.([5])

وفیه: أنّ مراده× من قوله الشریف: «فهی واجبة علیهم فی كلّ عام...» أنّ الغنائم والفوائد على حكمها الأصلی واجبة علیهم فی كلّ عام لم نسقطها عنهم، فهی ظاهرة فی أنّها تحسب وتلاحظ جملة ومنضمّة فی كلّ عام. وقوله×: «فأمّا الّذی أوجب من الضیاع والغلّات فی كل عام فهو نصف السدس ممّن كانت ضیعته تقوم بمؤونته، ومن كانت ضیعته لا تقوم بمؤونته فلیس علیه نصف سدس ولا غیر ذلك» أیضاً مؤیّد لما قلناه وأنّ المعتبر فی الجمیع (الضیاع والغنائم والفوائد) العام والسنة، والضیاع والغلّات، بحسب الطبع تحصل للزارع فی كلّ سنة مرّة، فالمؤونة المستثناة منها تكون بالنسبة إلیها، وحكم غیرها أیضاً كحكمها. وقد صرّح السیّد الاُستاذ+ بأنّ الصحیحة من حیث الدلالة على

 

ذلك كافیة، مضافاً إلى أنّ القول به مشهور بین أصحابنا، قال: قد جرى علیه العمل، فتراهم أنّهم ینظرون إلى فوائدهم وما صرف منها فی معاشهم السنوی فی كلّ سنة مرّة. وبالجملة فهذا القول أقوى وأحوط، والله هو الهادی إلى الصواب.

 

([1]) العروة الوثقی، ج4، ص282.

([2]) مسالك الأفهام، ج1، ص467 ـ 468؛ اللمعة الدمشقیة، ج2، ص78؛ وذهب إلیه السیّد الخوئی أیضاً فی المستند فی شرح العروة الوثقی، ج25، ص243.

([3]) المستند فی شرح العروة الوثقی، ج25، ص243 ـ 245.

([4]) وسائل الشیعة، أبواب ما یجب فیه الخمس، ب8، ح 5، ج6، ص349 ـ 350.

([5]) المستند فی شرح العروة الوثقی، ج25، ص243.

موضوع: 
نويسنده: