شنبه: 1/ارد/1403 (السبت: 11/شوال/1445)

اشتراط الكمال فی تعلّق الخمس

مسألة 85: قال الشیخ الأنصاری+: «الظاهر أنّه لا خلاف فی عدم اشتراط البلوغ والعقل فی تعلّق الخمس بالمعادن والكنوز والغوص، وقد ادّعى ظهور الاتفاق فی الأخیرین فی المناهل. وعن ظاهر المنتهى([1]) فی الأوّل، وتبعه فی الغنائم،([2]) ویدلّ علیه إطلاق الأخبار».([3])

وأمّا الغنیمة فالظاهر أنّها كذلك؛ لما ذكروا فی الجهاد من إخراج الخمس من الغنیمة أوّلاً ثم تقسیمه بین مَن حضر القتال حتى الطفل. ودلّ على الإطلاق فی

 

الأربعة المذكورة وفی الحلال المختلط: إطلاق روایة عمّار بن مروان المتقدمّة «فیما یخرج من المعادن والبحر والغنیمة والحلال المختلط بالحرام إذا لم یعرف صاحبه والكنوز الخمس».([4])

وأمّا الأرض المشتراة من الذّمّی، ففیه إشكال من تضمّن الروایة لفظة «على» الظاهرة فی التكلیف، ومن إمكان منع هذا الظهور لكثرة استعمال لفظة «على» فی مجرّد الإستقرار، كما فی قوله: «علیه دَین»، و«على الید ما أخذت» ونحو ذلك.

وأمّا المكاسب، فظاهر إطلاق الفتاوى عدم اشتراط البلوغ فیها. فعن المنتهى فی فروع مسألة الكنز:

الثالث: «الصبىّ والمجنون یملكان أربعة اخماس الركاز، والخمس الباقی لمستحقّیه یخرج الولیّ عنهما، عملاً بالعموم، وكذا المرأة... لنا: ما تقدّم من أنّه اكتساب وهما من أهله».([5])

إنّ هذا الدلیل ظاهر فی أنّ علیهما خمس كلّ ما یحصل بالاكتساب.

والحاصل: أنّه یفهم ـ من استدلال العلماء لوجوب الخمس فی الكنز والمعدن والغوص بأنّها اكتسابات، فتدخل تحت الآیة، ثم تعمیمهم الوجوب فیها للصبّی والمجنون، ثم دعواهم الإجماع على وجوب الخمس فی مطلق الإكتساب ـ عدم الفرق فی أرباح المكاسب بین البالغ وغیره، فتفطّن. ویدلّ علیه: إطلاق بعض الأخبار، مثل موثّقة سماعة قال: سألت أبا الحسن× عن الخمس؟ فقال: «فی

 

كلّ ما أفاد الناس من قلیل أو كثیر».([6])

أقول: الأقوى ما أفاده+؛ لوجوه:

الأوّل: فی خصوص المعدن والكنز والغوص بالإجماع.

الثانی: بإطلاق كلماتهم، فلم یقیّدوا الحكم بالمكلّفین.

الثالث: استدلالهم لوجوب الخمس فی الكنز والغوص والمعدن بأنّها اكتسابات، وهی علّة تعمّ غیرها من المنافع والأرباح والمكاسب.

الرابع: النصوص وهی العمدة فی المقام، إذ یمكن الخدشة فی الوجوه المذكورة، فمن النصوص بل الأوّل منها: قوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَیْءٍ﴾، وهو وإن كان خطاباً إلى المكلّفین إلّا أنّ الظاهر منه أنّ الحكم لمطلق الغنائم، ولذا ففی باب الجهاد یخرج من الغنیمة الخمس أوّلا، ثم یقسّم بین مَن حضر القتال حتى الطفل.

وبالجملة: توجّه الخطاب إلى الكبار لا یوجب ظهور الحكم المستفاد منه مختصّاً بهم، كما لا یوجب كونه بصیغة الجمع المذكّر اختصاصه بالرجال دون النساء. وغایة ما یمكن أن یقال: إنّه لا یستفاد منه التعمیم، لا أنّه یستفاد منه التخصیص.

ومنها: الروایات، وهی على طوائف:

منها: ما یدلّ على أنّ الخمس من خمسة أشیاء([7])... فیمكن الإستدلال بإطلاق

 

أنّه من خمسة أشیاء، سواء كان من الكبیر أو الصغیر، أو العبد أو الحرّ.

اللّهمّ إلّا أن یقال: إنّه لیس فی مقام بیان من یؤخذ الخمس من ماله، بل یكون بیاناً للمال الّذی فیه الخمس.

ومنها: ما یكون بلفظة «على»، كقوله×: «علیها الخمس جمیعاً».([8])

وربّما یقال: بأنّ هذا ظاهر فی الوجوب والتكلیف لا الوضع، فلا  یشمل الصغیر والمجنون.

وفیه: ما أفاده الشیخ من كثرة استعمال لفظة «على» فی مجرّد الاستقرار.([9])

ومنها: ما فیه التعبیر بلفظة «فی» مثل موثّقة عمّار بن مروان، قال: «سمعت أبا عبد الله× یقول: «فیما یخرج من المعادن والبحر والغنیمة والحلال المختلط بالحرام إذا لم یعرف صاحبه والكنوز الخمس».([10])

ولا یضرّ شموله لأرباح المكاسب عدم ذكرها فیه، فإنّ الكلام فی نحو تعلّق الحكم بالخمس، والظاهر عدم الفرق فی ذلك بین الموارد.

وموثّقة سماعة قال: «سألت أبا عبد الله× عن الخمس؟ فقال: فی كلّ ما أفاد الناس من قلیل أو كثیر».([11])

وهذه الطائفة من الأخبار تدلّ على ثبوت الخمس فی مواردها بالوضع، فلا 

 

دلیل على اختصاصه بالمعدن والكنز والغوص دون غیرها، فلا  یجوز التفریق فی عدم اشتراط الكمال بین الثلاثة وغیرها.

هذا، وقد استشكل بعض المعاصرین ـ بعد الاعتراف بأنّ الظاهر أنّ المشهور هو ثبوت الخمس مطلقاً: إمّا فی هذه الثلاثة فقط أو فی الجمیع ـ بأنّ المستفاد ممّا دلّ على رفع القلم عن الصبیّ والمجنون استثناؤهما من دفتر التشـریع وعدم وضع القلم علیهما بتاتاً كالبهائم، فلا  ذكر لهما فی القانون، ولم یجرِ علیهما شیء. ومقتضى ذلك عدم الفرق بین قلم التكلیف والوضع، فترفع عنهما الأحكام برمّتها بمناط واحد، وهو الحكومة على الأدلة الأوّلیة. اللّهمّ إلّا إذا كان هذا الرفع منافیاً للامتنان بالإضافة إلى الآخرین، كما فی موارد الضمانات([12])...إلى آخره.

والجواب: أنّ المستفاد ممّا دلّ على رفع القلم هو رفع التكلیف عن الصبىّ والمجنون، أمّا رفع ما جعله الشارع مثلاً فی جمیع الأموال لحفظ مصالح العامّة أو دفع بعض المفاسد فلا  وجه لرفعه، فلا  وجه لاستثناء مال الصبىّ والمجنون، نعم لا یجب علیهما أداؤه ویتولّى الولیّ إیصاله إلى أهله.

ثم إنّ الظاهر أنّ الحكم ـ أی عدم اشتراط الكمال فی تعلّق الخمس بالأشیاء المذكورة ـ فی المال المختلط بالحرام أظهر، للعلم بكون مقدار منه ملكاً لغیر الصبىّ، وتوقّف جواز التصرّف فیه بحكم الشارع على تخمیسه، فیجب على الولیّ تخمیسه

 

مراعاةً لمصلحة الصغیر أو المجنون وعدم تعطیل المال، والله هو العالم.

 

([1]) منتهى المطلب، ج1، ص547 ویفهم من عبارته عدم اشتراط البلوغ فقط.

([2]) غنائم الأیام، ج4، ص294.

([3]) كتاب الخمس للشیخ الأنصاری، ص273، المسألة 23.

([4]) وسائل الشیعة، أبواب ما یجب فیه الخمس، ب3، ح6، ج6، ص344.

([5]) منتهى المطلب، ج1، ص547.

([6]) الکافی، ج1، ص545؛ وسائل الشیعة، أبواب ما یجب فیه الخمس، ب 8، ح6، ج6، ص350.

([7]) وسائل الشیعة، أبواب ما یجب فیه الخمس، ب2، ح4، ج6، ص339 ـ 341.

([8]) وسائل الشیعة، أبواب ما یجب فیه الخمس، ب 3، ح1، ج6، ص342.

([9]) كتاب الخمس للشیخ الأنصاری، ص274، مسألة 23.

([10]) وسائل الشیعة، أبواب ما یجب فیه الخمس، ب 3، ح6، ج6، ص344.

([11]) وسائل الشیعة، أبواب ما یجب فیه الخمس، ب 8، ح6، ج6، ص350.

([12]) المستند فی شرح العروة الوثقی، ج25، ص308.

موضوع: 
نويسنده: