شنبه: 1/ارد/1403 (السبت: 11/شوال/1445)

احتساب الدَین خمساً

مسألة 102: قد أشرنا فیما ذكرناه إلى احتساب الدَین خمساً لو كان

 

له دَین فی ذمّة شخص فی بلد آخر، وأنّه لیس من نقل الخمس من بلد إلى بلد آخر، لكن جواز ذلك وإن كان المدیون فی البلد محلّ الإشكال.

وقال السیّد+ فی العروة: «إذا كان فی ذمّة المستحقّ دَین جاز له احتسابه خمساً، وكذا فی حصّة الإمام× إذا أذن المجتهد».([1]) ولكن وقع ذلك مورد استشكال بعض الأعاظم من المحشّین، فقال سیّدنا الاُستاذ+ لكنّ الأحوط الإقباض والقبض.

والوجه فی ذلك عن مثل السید الحكیم+ أنّ الظاهر من الاحتساب أنّه إیقاع لا تملیك، ولذا لا یحتاج إلى القبول. وكأنّه یستفاد منه أنّه على ذلك لیس من تملیك ما فی الذمّة على القول بجوازه، فعلى هذا یبتنی القول به على أحد اُمور:

الأوّل: أن تكون اللام فی الآیة للمصرف لا للملك، فیكفی فی الصرف إبراء ذمّة المستحقّ وإسقاط ما فیها.

وفیه: أنّه خلاف الظاهر جدّاً، مضافاً إلى أنّه محتاج إلى الولایة على التبدیل، والقدر المتیقن منه غیر ذلك.

الثانی: أن تكون اللام للملك ، لكن المالك هو الطبیعة، فمالك المال أو الفقیه من جهة ولایته على المال المذكور الّذی لیس له مالك معیّن یصـرفه فی مصلحة الطبیعة، ومنها إبراء الذمّة لبعض أفرادها.

 

وفیه: أنّ ثبوت هذه الولایة المطلقة لا دلیل علیه، مضافاً إلى أنّ مقتضـى الصرف فی مصالح الطبیعة أن یكون بحیث یشمل جمیع أفرادها، والولایة الثابتة للمالك أو الفقیه هو تطبیق الطبیعة على الفرد، وبعد التطبیق المذكور یدفع إلیه ملكه، أو تطبیق الطبیعة على الفرد المعیّن بدفعه إلیه، نظیر تطبیق الكلّی المملوك على الفرد المعیّن فی بیع الصاع من صبرة، أو الدَین الّذی فی الذمّة على المال الخارجیّ المعیّن، غیر أنّ الفرق بینهما: أنّ الولایة فی الموردین المذكورین فی تطبیق المملوك الكلّی على الفرد، وهنا فی تطبیق المالك على الشخص المعیّن.

وبالجملة: لا ولایة للمالك على صرف الخمس فی مصالح الطبیعة على النحو المذكور، بل مطلقاً. ومن ذلك: ما إذا صرف الخمس فی مصلحة جمیع السادة بأن یصرفه فی جهة تبقى لهم ـ كالوقف ـ لتكون منافعها لهم فی طول الأعوام والسنین، والظاهر أنّ هذه الولایة لیست للمالك، فهل تكون للفقیه؟ القول بها مشكل.

الثالث: البناء على صحّة عزل الخمس فی المال الّذی فی الذمّة، وبعد تطبیق المستحقّ على صاحب الذمّة یسقط المال قهراً.

لكن قد مرّ الكلام فی جواز عزل الخمس فی المال الخارجیّ فضلاً عمّا هو فی الذمّة.

فعلى هذا كلّه یشكل الاكتفاء فی أداء الخمس باحتسابه بما فی ذمّة المدیون فالأحوط لو لم یكن الأقوى الإقباض. نعم، لا بأس بذلك فی مال الإمام×  فیُبرئ الدائن بإذن الفقیه ذمّة المدیون على أن یسقط منه بمقداره ممّا فی ذمّته من

 

مال الإمام×،([2]) والله هو العالم.

ثم إنّه بعد ذلك یمكن أن نقول: إنّ وجه كون احتساب ما فی ذمّة المدیون إیقاعاً لا تملیكاً، ولو قلنا بجواز تملیك ما فی الذمّة بشخص المدیون، وقلنا بجواز تملیك مالنا فی ذمة زید بمال أو متاع هو له، ولكنّه لا یتصور ذلك فی المقام؛ لأنّه لا یملك الخمس إلّا بعد دفعه، وقبل الدفع لا یملك شیئاً من الخمس حتى یجعله عوضاً عمّا فی ذمّته، وما فی ذمّة المالك من الخمس لیس له إذن فلا  یحصل التملیك والتملّك إلّا بعد القبض والإقباض، فعلى هذا لا یكون الاحتساب المذكور قبل دفع الخمس إلى المستحق إلّا بالإیقاع، واحتساب من علیه الخمس خمساً، مع أنّه لا ولایة له على ذلك.

اللّهمّ إلّا أن یقال: كما أنّه للمالك أن یحتسب خمساً إذا كان له مال شخصیّ عند المستحقّ فیجعله خمساً بلا حاجة إلى الاقباض والقبض الجدید، كذلك یحتسب ما یملكه فی ذمّة المستحقّ خمساً، ونتیجته براءة ذمّة المستحقّ بهذا الإیقاع. ولا فرق عند العرف بین الصورتین. نعم، یشترط أن یكون الخمس وما فی ذمّة المستحقّ متّحدا فی الجنس أو كان ما فی ذمّته نقداً من النقود وعلى هذا یتّجه ما أفاده السیّد فی العروة.

ومن هذا یظهر ما فی تقریرات السیّد الخوئى+ فی المقام حیث قال: «مقتضـی ما تقدم من ظهور أدلّة الباب فی تعلّق الخمس بعین المال: عدم الاجتزاء بالأداء

 

من مال آخر وعدم الولایة للمالك علیه إلّا ما أثبته الدلیل، وقد ثبت به ولایته على التبدیل بمال آخر عیناً، نقداً كان أم عروضاً، أو بالنقد خاصّة من درهم أو دینار أو ما یقوم مقامهما من النقود»([3]) فإنّ التبدیل بمال آخر إن كان جائزاً لا فرق عند العرف بین ما كان عیناً خارجیاً أو فی ذمّة المستحقّ، ومع ذلك كلّه الأحوط القبض والإقباض.

 

([1]) العروة الوثقی، ج4، ص312.

([2]) مستمسك العروة الوثقی، ج9، ص589 ـ 590 مع إضافات وتوضیحات.

([3]) المستند فی شرح العروة الوثقی، ج 25، ص343 ـ 344.

موضوع: 
نويسنده: