سه شنبه: 28/فرو/1403 (الثلاثاء: 7/شوال/1445)

تنبیهات

الأوّل: قد ظهر ممّا ذكرناه خروج الجوامد الجاریة على الذوات عن محلّ النزاع وإن

 

ذهب بعضهم إلى دخولها فی حریم النزاع، وتبعهم المحقّق الخراسانی+ فی الكفایة،([1]) واستشهد علیه بما عن الإیضاح([2]) فیمن كانت له زوجتان كبیرتان مدخولتان وزوجة صغیرة، فأرضعت الكبیرتان زوجته الصغیرة ـ على الترتیب ـ حیث قال: إنّه تحرم الكبیرة الاُولى والصغیرة. أمّا الثانیة ففی حرمتها خلاف، واختار والدی المصنّف([3]) وابن إدریس([4]) حرمتها؛ لأنّ هذه یصدق علیها أنّها اُمّ زوجته، لأنّه لا یشترط فی صدق المشتقّ بقاء المشتقّ منه.

وما فی المسالك([5]) أیضاً من ابتناء حكم هذه المسألة على الخلاف فی المشتقّ.

وتوضیح الوجه فی عدم جریان النزاع بناءً على كونه لغویاً هو: أنّ الموضوع له على القول بالأعمّ ذلك الأمر الاعتباری المنتزع عن الزوجیة ـ أی العلاقة الثابتة بین الزوج والزوجة ـ فی حال ثبوتها، فما دامت الزوجیة والرابطة الخاصّة بین الزوجین باقیة یصدق الزوج والزوجة، وإلّا فبمجرّد زوالها یزولان؛ إذ هما حاكیان عن تلك العلاقة وثبوتها. ولیس لهما مفهوم آخر غیرها حتى یصدقا بسبب ذلك المفهوم على من كان فی الزمان الماضی زوجاً لامرأةٍ أو زوجةً لرجل.

وأمّا بناءً على كون النزاع عقلیاً، فیمكن القول بعدم الفرق بین الجوامد والمشتقّات،

 

ولكنّه قد ذكرنا ما یظهر به فساد القول بالأعمّ، وأنّ الأمر یدور مدار وجود المناط وجهة الصدق، مثل وجود الزوجیة فی المثال، فمع وجودها یصحّ إطلاق الزوج أو الزوجة على الذات، ولا یصحّ مع عدم وجود الملاك.

ثم إنّه یمكن أن یؤتى بالمثال لما نحن فیه بوجهٍ آخر، وهو: فیما إذا كانت للمرء زوجةٌ صغیرةٌ فطلّقها وبعد الطلاق أرضعتها إمرأته، فلو قیل بأنّه یصدق على المرضعة أنّها اُمّ زوجته لا یجوز له نكاحها، وأمّا لو قیل بعدم صدقها علیها فیجوز له نكاحها.

والظاهر أنّ منشأ التعرّض لبیان المثال الأوّل وجوده فی الروایة الّتی فیها تخطئة ابن شبرمة القائل بحرمة المرضعة الثانیة أیضاً، فبیّن الإمام أبو جعفر× خطأه بقوله: «حرمت علیه الجاریة وامرأته الّتی أرضعتها أوّلاً، وأمّا الأخیرة فلم تحرم علیه لأنّها أرضعت ابنته».([6])

وهنا ظهر عدم ابتناء حرمة المرضعة الاُولى على النزاع فی المشتقّ.

وأمّا ما قیل فی ابتنائه على ذلك بأنّ الاتّصاف بالاُمومة إنّما یكون فی وقت خروج الصغیرة عن الزوجیة وصیرورتها بنتاً فلا تكون الكبیرة الاُولى فی زمانٍ من الأزمنة اُمّ الزوجة الفعلیة حتى تحرم علیه، وإنّما هی اُمّ من كانت زوجته فتبتنی حرمة الاُولى أیضاً على ما حقّق فی مبحث المشتقّ.

فواضح الفساد؛ لأنّ زوال الزوجیة معلولٌ لتحقّق عنوان الاُمومة، والمعلول یكون متأخّراً عن علّته رتبةً بالـضرورة، فتحقّق عنوان الاُمومة یكون متقدّماً على زوال عنوان الزوجیة، كما لا یخفى.([7])

 

التنبیه الثانی: لا یذهب علیك أنّه لا یفرق فی ما نحن فیه اختلاف مبادئ المشتقّات، وكونها فی بعضها حرفة، وفی بعضها ملكة، وفی بعضها غیرهما.([8]) كما أنّه لا یفرق فی ما نحن بصدده اختلاف أنحاء التلبّسات، فمنها ما یكون تلبّس الذات به بنحو الحلول كالعلم، فإنّ كیفیّة تلبّس الذات (وهو العالم) به یكون حلولیاً؛ ومنها ما یكون التلبّس به بنحو الصدور كالـضرب، إذا كان المشتقّ اسم الفاعل؛ ومنها ما یكون بنحو الوقوع كالمضروب؛ ومنها ما یكون على نحو الظرفیة وكون الذات ظرفاً للمبدأ كاسم الزمان والمكان.

فإذا نظرنا إلى مبدءٍ كالـضرب، فكما أنّ وجوده محتاجٌ إلى شخص یصدر عنه الضرب وهو الضارب (اسم الفاعل)، كذلك هو محتاج إلى شخص یقع علیه وهو المضراب (اسم المفعول)، وإلى آلة بتوسطها یصدر الـضرب من الضارب ویقع على المضروب وهی المضرب (اسم الآلة)، وإلى زمان یقع فیه الضرب وهو المـضرب (اسم الزمان)، وإلى مكان یقع فیه الضرب وهو المضرب أیضاً (اسم المكان). فالمبدأ فی المثال هو الضرب، واختلافه مع سائر المبادئ، كالعلم والكتابة، غیر تغایر أنواع التلبّسات الواقعة فی اسم فاعله ومفعوله وآلته واسم زمانه ومكانه، فتغایر المبادئ بعضها مع بعض غیر تغایر أنحاء التلبّسات بالنسبة إلى مبدأ واحد، فالضرب مبدأ واحد لكن التلبّس به یكون بنحو الصدور كالضارب وبنحو وقوعه على الذات كالمضروب، وبنحو كون الذات آلة لصدور المبدأ من الفاعل ووقوعه على المفعول كالمضرب، وبنحو الظرفیة كالمضرب.

هذا، ولیكن ما ذكرنا من الفرق بین اختلاف المبادئ وأنواع التلبّسات استدراكاً على الكفایة فإنّها غیر متعرّضةٍ لذلك.

التنبیه الثالث: ربما تُوهّم عدم جریان النزاع فی أسماء الأزمنة؛ لأنّ الذات فیها وهی

 

الزمان بنفسه ینقضی ویتصرّم، فلا یمكن وقوع النزاع فی أنّ الوصف الجاری علیه حقیقة فی خصوص المتلبّس بالمبدأ فی الحال، أو فیما یعمّ ما كان متلبّساً به فی الماضی؟

وقد أجاب عنه فی الكفایة: بأنّ انحصار مفهوم عامّ بفردٍ، غیر موجب لكون اللفظ موضوعاً بإزاء ذلك الفرد دون العامّ، وإلّا لما وقع الخلاف فیما وضع له لفظ الجلالة، بأنّه وضع لمفهوم عامّ ـ مع القطع بانحصاره فی الفرد الواحد الأحد جلّ جلاله ـ أو هو موضوع للفرد.([9])

ویمكن الجواب بأنّه بعد قیام البرهان على بطلان الجزء الّذی لا یتجزّأ وتتالی الآنات لا مجال للقول بأنّ للزمان أجزاءً لا تتجزّأ وآناتٍ متتالیة، بل لابدّ من القول بأنّ للزمان وحدة اتّصالیة تدریجیة هی عین الوحدة الشخصیة، فإنّ بعض الحقائق تصرّمه عین بقائه وتجدّده وانقضاؤه عین وجوده، فامتداد الزمان من الاُمور الّتی لا تناهی لها ویكون بعینه ظرفاً للأشیاء، ولكنّه مع تصرّمه وتجدّده شیء واحد.

فعلى هذا، تكون الذات فی الزمان باقیة؛ إذ تصرّمها عین بقائها، فلا مانع من وقوع أسماء الأزمنة تحت النزاع أیضاً.

التنبیه الرابع: لا إشكال فی خروج سائر المشتقّات من قبیل الأفعال والمصادر المزید فیها عن حریم النزاع؛ لعدم كونها جاریة على الذوات.

 

([1]) الخراسانی، کفایة الاُصول، ج1، ص59.

([2]) الحلّی، إیضاح الفوائد، ج3، ص52 (کتاب النکاح) وهذا نصّه: «تحریم المرضعة الاُولی والصغیرة مع الدخول بإحدی الکبیرتین بالإجماع. وأمّا المرضعة الأخیرة ففی تحریمها خلاف، واختار والدی المصنّف وابن إدریس تحریمها، لأنّ هذه یصدق علیها أنّها اُمّ زوجته؛ لأنّه لا یشترط فی صدق المشتقّ بقاء المعنی المشتقّ منه، فکذا هنا. ولأنّ عنوان الموضوع لا یشترط صدقه حال الحکم، بل لو صدق قبله کفی، فیدخل تحت قوله تعالی: ﴿وَ أُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ﴾ (النساء، 23) (ولمساواة) الرضاع النسب، وهو یحرّم سابقاً ولاحقاً فکذا مساویه».

([3]) العلّامة الحلّی، قواعد الأحکام، ج3، ص25.

([4]) ابن إدریس الحلّی، السرائر، ج2، ص556.

([5]) الشهید الثانی، مسالك الأفهام، ج7، ص268.

([6]) الکلینی، الکافی، ج5، ص446، باب نوادر فی الرضاع، ح13؛ الطوسی، تهذیب الأحکام، ج7، ص293-294، ح1232/68، باب من أحلّ الله نکاحه من النساء وحرم منهنّ، ب25؛ الحرّ العاملی، وسائل الشیعة، کتاب النکاح، أبواب ما یحرم بالرضاع، ج20، ص402-403، ب14، ح1.

([7]) وقد دفع الإشکال بوجه آخر فی الجواهر (النجفی، ج29، ص329).

([8]) کالأفعال نحو الضرب والشرب.

([9]) الخراسانی، کفایة الاُصول، ج1، ص60-61؛ راجع أیضاً فوائده المطبوع ضمن حاشیته علی الرسائل، ص304.

موضوع: 
نويسنده: 
کليد واژه: