جمعه: 10/فرو/1403 (الجمعة: 19/رمضان/1445)

الأمر الثانی: فی الفرق بین المشتقّ ومبدئه

لا فرق بین المبدأ والمشتقّ بحسب المفهوم، فمفهوم المشتقّ یكون عین مفهوم المبدأ وبالعكس، فلا فرق بین الضارب والضرب، والعالم والعلم، والضاحك والضحك. ولو قیل بأنّ الضارب هو الذات الّتی صدر عنها الضرب، أو العالم ذات ثبت لها العلم مثلاً؛ فإنّما هو لأجل تفهیم المطلب على المتعلّمین.

نعم، یظهر من هذه العبارات كون معنى الضرب نوع فعل یصدر من الذات، والعلم نوع شیء یحلّ فیها، وهذا یدلّ على اختلاف أنحاء التلبّسات، ولا ربط له بما نحن فیه.

إن قلت: فعلى هذا، لا مانع من حمل المبدأ على الذات أیضاً كالمشتقّ.

قلت: المانع كون المبدأ آبیاً عن حمله على الذات، بخلاف المشتقّ فإنّه لا یأبى عن ذلك؛ لأنّ المشتقّ مفهومه الضرب مثلاً، ولكن بحیث یمكن أن یكون تمام تحصّله ذلك أو جهة اُخرى، فالضرب المبهم مفهوم المشتقّ بخلاف المبدأ، فإنّ مفهومه هو الضرب الّذی كان تمام تحصّله ذلك، ولا یكون فیه إبهام، فیكون المانع من حمل المبدأ على الذات كون المفهوم فی المشتقّ لا بشرط وفی المبدأ بشرط لا.

 

ولیس المراد من لا بشرطیة المشتقّ وبشرط لائیة المبدأ ما یراد منهما فی مبحث الماهیة، بل هو ما یراد منهما فی الفرق بین الجنس والفصل والمادّة والصورة.

وتوضیح ذلك: أنّ المرکّبات على قسمین:

قسمٌ تكون له أجزاء فی الخارج وإن كان یعدّ فی نظر العرف شیئاً واحداً، وتتصوّر له ماهیة واحدة بحیث تسع وتشمل جمیع الأجزاء؛ ففی هذا القسم لا یصحّ حمل الجزء على الكلّ وحمل الكلّ على الجزء. والوحدة فیه تكون لا محالة اعتباریة، والكثرة حقیقیة، وتركیبه یكون تركیباً انضمامیاً.

وقسم لیس له أجزاء فی الخارج وإن كان عند التأمّل والاعتبار ینحلّ إلى جزءین أو إلى أجزاء؛ ففی هذا القسم یكون الجزء عین الكلّ والكلّ عین الجزء، وتكون وحدته حقیقیة، كما تكون كثرته اعتباریة، كالإنسان، وتركیبه یكون اتّحادیاً.

وفی هذا القسم ذهب أهل المعقول إلى أنّ مجرد ذلك لا یصیر موجباً لصحّة حمل الجزء على الكلّ والكلّ على الجزء؛ لأنّا إذا نظرنا إلى شیء فتارة نراه تامّ التحصّل بحیث لا تفرض فی رؤیتنا جهة إبهام، وتارة نراه مبهماً ومن غیر أن یكون تمام تحصّله ما یقع تحت نظرنا من حالاته وكیفیاته، بل بحیث یمكن أن تكون له تحصّلاتٌ وتشخّصاتٌ غیر ذلك، مثلاً: إذا نظرنا إلى البحر فتارة یكون نظرنا مقصوراً على الماء الموجود فی المكان الكذائی المحدود بحدودٍ خاصّةٍ بحیث یكون تمام تحصّله وجوده فی هذا الحدّ من المكان، فلو نظرنا إلى البحر فی مكان آخر نحكم بمباینة الماء الموجود فی هذا المكان مع الماء الّذی رأیناه سابقاً، وتارة ننظر إلى الماء الّذی یكون فی مكان من البحر، ولكن لا من جهة كونه فی هذا المكان ومحدوداً بحدٍّ خاصّ، ومن غیر أن یكون تمام تحصّله وجوده فی ذلك المكان وتخصّصه بهذه الخصوصیات، ففی هذه الصورة یكون الماء الموجود فی مكانٍ آخر من البحر عین هذا الماء، بحیث لو قلنا بأنّ هذا هو ما نراه سابقاً لكان صحیحاً.

 

إذا عرفت ذلك، فنقول: إذا نظرنا إلى الحیوان وأخذنا تحت النظر تمام الماهیة المشتركة بین الإنسان والبقر والغنم وغیرها، بحیث یكون تمام تحصّله ذلك، وكذلك لو نظرنا إلى الناطق بما أنّه ممیّز الإنسان عن سائر الأنواع، فبحسب هذا النظر لا یمكن حمل أحدهما على الآخر، فلا یصحّ أن یقال: «الناطق حیوان أو الحیوان ناطق»، ولا یمكن حمل الإنسان علیهما، وحملهما علیه. وهذا ما یعبّر عنه بالمادّة والصورة العقلیة، ویكون التركیب بینهما انضمامیّاً.

وأمّا لو نظرنا إلى الحیوان لا بنحو یكون تمام الماهیة المشتركة بین الإنسان وسائر الأنواع، بل نظرنا إلیه وأخذناه مبهماً من دون أن یكون تمام تحصّله كونه تمام الماهیة المشتركة بین الإنسان وغیره، أو شیء آخر. كذلك فی طرف الناطق إذا أخذناه تحت النظر من غیر أن یكون تمام تحصّله جهته الممیّزة، أو جهة اُخرى، فلا مانع من حمل أحدهما على الآخر، فیصحّ أن یقال: بأنّ «الناطق حیوان والحیوان ناطق»، وحمل الإنسان علیهما، وحملهما علیه بأن یقال: «الإنسان حیوان والحیوان إنسان، أو الناطق إنسان والإنسان ناطق». ویعبّر عن هذا بالجنس والفصل، ویكون التركیب بینهما اتّحادیاً.

وبما ذكرنا ظهر الفرق بین المادّة والصورة والجنس والفصل، فالجزء المتصوّر إذا اُخذ كما ذكرنا لا بشرط یكون جنساً أو فصلاً، وإذا اُخذ بشرط لا یكون مادّة أو صورةً.

واللا بشرط المذكور فی المقام وكذا البـشرط لا غیر ما هو المذكور فی تقسیمات الماهیة واعتباراتها، فتارةً: تعتبر الماهیة بشرط الوجود ویعبّر عنها بالماهیة بـشرط شیء، وتارة: تعتبر بشرط لا وهی الماهیة الّتی لا یكون لها حظٌ من الوجود، وثالثة: تعتبر لا بشـرط أن یكون معها الوجود.

ولا یخفى علیك: أنّ الفرق بین اللا بشرطیة المذكورة فی مبحث الماهیة واللا بشـرطیة المذكورة فی الجنس والفصل: أنّ الماهیة فی الأوّل تلحظ لا بـشرط وبدون القید حتى

 

اندكاكها فی القید، بخلاف الأخیرة، فإنّ الماهیة تكون ملحوظة بما أنّها مندكّة فی القیود سواء كان تمام تحصّلها وحیثیّتها بما نرى من القیود، أو كان بأشیاء اُخر.

ثم إنّه قد ظهر ممّا ذُكر وجه ما أفاده أهل المعقول من كون کلّ من الجنس والفصل جزءاً للحدّ لا المحدود، لأنّ فرض كونهما جزءین للمحدود منافٍ لحمل أحدهما على الآخر، وحمل الكلّ على الجزء، فلو قلنا فی تعریف الإنسان بأنّه حیوانٌ ناطقٌ، لا یكون الحیوان وكذا الناطق جزءاً للإنسان بل هما جزءان لحدّه.

ولا یخفى علیك: أنّ مبنى القول بلا بشرطیة المشتقّ وبشرط لائیة المبدأ ثلاثة اُمور:

أحدها: كون الأعراض من مراتب وجود المعروضات وأنحائه، فإذن لا محالة یكون التركیب بین العرض والمعروض اتّحادیاً.

ثانیها: قول أهل المعقول بأنّ الفرق بین الجنس والفصل والمادّة والصورة العقلیتین كون الأوّلیین لا بشرط والاُخریین بشرط لا.

ثالثها: كون المشتقّ بالنسبة إلى الذات عرضاً والذات معروضة.

هذا، ولا یذهب علیك عدم صحّة ما أفاده فی الكفایة([1]) فی معنى لا بشرطیة مفهوم المشتقّ من كونه غیر آبٍ عن الحمل، وفی معنى بشرط لائیة مفهوم المبدأ من كونه آبیاً عن الحمل، وذلك لما ذكرنا فی مقام الفرق بینهما من أنّه إذا لوحظ الشـیء تامّ التحصّل وبأن یكون الملحوظ تمام حیثیته الوجودیة ووضعنا اللفظ بإزائه یصیر المفهوم بشرط لا وآبیاً عن الحمل. وإذا اعتبرناه غیر تامّ التحصّل بل بنحو یمكن أن یكون تمام تحصّله وحیثیته الوجودیة ما نرى منه من القیود، ویمكن أن یكون تحصّله لجهاتٍ اُخرى یصیر مفهوم

اللفظ لا بشرط ولا یأبى عن الحمل، فتدبّر.

 


([1]) الخراسانی، کفایة الاُصول، ج1، ص83.

موضوع: 
نويسنده: 
کليد واژه: