شنبه: 1/ارد/1403 (السبت: 11/شوال/1445)

هنا مطالب

الأوّل: هل یجری النزاع المذكور فی العبادات، فی المعاملات أیضاً أو لا؟

ذهب المحقّق الخراسانی إلى التفصیل بین القول بكون أسامی المعاملات موضوعة للمسبّبات، فقال: لا مجال للنزاع فی كونها للصحیحة أو للأعمّ؛ لعدم اتّصافها بهما، وبین كونها موضوعة للأسباب.([1]) فلم یمانع من جریانه.

وتوضیحه: أنّ لکلّ قسم من المعاملات معنى إعتباریاً لیس له وجود إلّا فی عالم الاعتبار، فلا وجود له حقیقیاً سوى منشأ انتزاع هذا الاعتبار الّذی هو كالعلّة بالنسبة إلیه، فإذا تحقّق ذلك المنشأ وجد هذا العنوان الاعتباری فی عالم الاعتبار، وإذا اختلّت بعض شرائطه فلا یتحقّق.

 

وبعبارة اُخرى: أمر هذا الأمر الاعتباری دائرٌ بین الوجود والعدم، ووجوده یدور مدار وجود علّته، فلا یتّصف بالصحّة تارةً وبالفساد اُخرى، بل یتّصف بالوجود أو بالعدم. وعلیه فإن كانت الأسماء موضوعة لهذا المعنى الاعتباری ـ المسبّب ـ فلا مجال للنزاع.

أمّا إذا كانت تلك الأسامی موضوعة للأسباب (وإن شئت قلت: مستعملة فی الأسباب) فیمكن وقوع النزاع فیها، ویقال: إنّ عنواناً، مثل البیع، هل هو موضوع للعقد الجامع لشرائط التأثیر فی ملكیة الثمن والمثمن للمشتری والبائع، أو موضوع لأعمّ منه ومن غیر المؤثّر؟

ولا یبعد دعوى كونه موضوعاً لما هو الصحیح والمؤثّر.

هذا بیان لما أفاده شیخنا الاُستاذ+، لکنّه تفصیل لا یخلو عن الإشكال، وذلك لأنّ أسامی المعاملات، مثل البیع والإجارة، إنّما تكون موضوعة لماهیّاتها من غیر تحیّثها بحیثیة الوجود والعدم، فالماهیّات وإن كانت تارة موجودة فی الخارج واُخرى غیر موجودة، لكنّ الموضوع له هو نفس ماهیّة الملكیة ونفس ماهیّة (عُلقة) الزوجیّة وغیرهما، فلا یصحّ التفصیل المذكور.

والدلیل على ذلك صحّة إطلاق المعدوم علیها، فیقال: البیع معدوم، ولو كان البیع موضوعاً للمسبب الموجود والماهیة الموجودة، یلزم التناقض بحمل المعدوم علیه. وكذلك یقال: البیع موجود، فلو كان معناه الماهیّة الموجودة یكون معناه: الّذی هو موجود موجود. فما ذكره+ وجهاً للتفصیل غیر وجیه، لأنّ السببیّة والمسبّبیّة من لوازم الوجود لا الماهیة، وقد عرفت أنّ أسامی المعاملات موضوعة للمعانی المعرّاة عن الوجود، أی الماهیّات.

نعم، الألفاظ المشتقّة من هذه الأسامی، كلفظ «باع» و«یبیع» و«بع» الموضوعة للإخبار والأمر، تدلّ على وجود مصادیقها أو طلب إیجادها.

 

وعلى هذا، فالحقّ عدم تأتّی الخلاف فی أسماء المعاملات مطلقاً من غیر تفصیل بین الأسباب والمسبّبات.

الأمر الثانی: أفاد فی الكفایة:([2]) كون ألفاظ المعاملات أسامی للصحیحة لا یوجب إجمالها، بناءً على تعلّق الأحكام بالأفراد، كما توهّم فی ألفاظ العبادات.

لأنّ إطلاقها ـ لو كان فی مقام البیان ـ یشمل کلّ ما هو فردٌ لها عند العرف، فلو كان یعتبر فی البیع مثلاً شیئاً زائداً على ما هو المعتبر عند العرف لكان على المولى أن یبیّنه. نعم، لو شكّ فی اعتبار أمرٍ فیه عند العرف لا یصحّ التمسّك بالإطلاق، كما أنّه لا یتمسّك بالإطلاق إلّا مع وجود ما یسمّونه بمقدّمات الحكمة الّتی هی عند صاحب الكفایة الاُمور الثلاثة المذكورة فی محلّها.([3])

وأمّا بناءً على تعلّق الأحكام بالطبائع، كما هو الحقّ، فیشكل التمسّك بالإطلاق لإثبات عدم مدخلیة المشكوك دخله؛ لأنّ الشكّ فی اعتبار شیءٍ، فی فردیة عقدٍ معیّنٍ لطبیعة البیع مثلاً، شكّ فی كونه مصداقاً لتلك الطبیعة، والتمسّك بالإطلاق لإثبات ذلك تمسّك بالعامّ فی الشبهة المصداقیه.

نعم، إذا رجع ذلك إلى الشكّ فی دخل جهة زائدة على نفس الطبیعة صحّ التمسّك بالإطلاق لنفیها.

وربما یقال: إنّ الطبیعة إذا كانت معلومة عند العرف، لا یكون الشكّ فی فردیة شیءٍ لها إلّا بالشكّ فی مدخلیة حیثیةٍ زائدة على ما هی حیثیتها عند العرف، فیتمسّك لعدم دخلها بالإطلاق، فتأمّل.([4])

 

الأمر الثالث: فی تحقیق معنى الجزء، والشرط، والفرق بینهما، فنقول: إنّ دخل شیءٍ فی تحقّق المأمور به إمّا یكون بتركّب المأمور به منه ومن غیره، ویكون ممّا به قوام ذاته وماهیته كالركوع والسجود وغیرهما من أجزاء الصلاة، فهذا جزؤه وما به قوام ماهیته وحقیقته؛ وإمّا یكون شیئاً خارجاً عن حقیقة المأمور به وما یتركّب منه، لكن له دخلٌ فی تحقّقه أو تحقّق أجزائه، فهو من مقدّماته ویسمّى شرطه، كمقدّمات الصلاة، مثل الطهارة وغیرها ممّا تتوقّف الصلاة علیه وتكون مشروطة بوجوده قبلها أو بعدها أو حین أدائها.

فالأمر الوجودی الّذی یكون مع غیره تكویناً أو تشریعاً ـ ویعدّ بالاعتبار شیئاً واحدا ًـ هو جزء ذلك الشیء؛ والأمر الوجودی الذی یكون وجود المأمور به وتحقّقه متوقّفاً على وجوده ـ قبله أو بعده أو مقارناً له ـ هو شرط المأمور به.

وبعبارة اُخرى: یكون المأمور به مقیّداً بذلك الشیء ولا یتحقّق بدونه، بنحوٍ یكون التقیّد داخلاً فی المأمور به، والقید كالطهارة بالنسبة إلى الصلاة خارجاً عنه. وهذا معنى كون الطهارة من شرائط الصلاة.

وأمّا ما یستفاد من الكفایة([5]) من دخل شیءٍ عدمیّ فی المأمور به واعتباره شرطاً أو شطراً، ففیه: أنّ العدم لا یؤثّر ولا یوصف بالتأثیر والتأثّر. وعدّهم «عدم المانع» من أجزاء العلّة التامّة، یكون من المسامحة فی التعبیر، والمراد: أنّ وجود المانع، كالقهقهة، یكون مخلّا، لا أنّ عدمه مؤثّرٌ فی وجود المأمور به ـ شطراً أو شرطاًـ .

وبالجملة: المأمور به لیس إلّا المشروط والمقیّد بقیدٍ كذائیّ وجودیّ الّذی یكون لوجود القید دخل فی وجوده لتقیّد وجوده به، وأمّا عدم المانع فلا یؤثّر فی وجوده. نعم،

 

وجوده یكون فی ظرف عدم مانعه، لا أنّ عدم مانعه یكون مقدّمة لوجوده. ومعنى اعتبار عدم المانع: وجوب إزالة المانع، وفرقٌ بین كون وجود شیءٍ مانعاً عن وجود آخر، وبین كون عدمه شرطاً لوجوده، وما لا یعقل تصوّره هو الثانی. وكیف كان، فالمعانی معلومة خارجاً سواء كانت التعابیر عنها مطابقةً للإصطلاح، أو مخالفةً له.

 


([1]) الخراسانی، کفایة الاُصول، ج1، ص49.

([2]) الخراسانی، کفایة الاُصول، ج1، ص50.

([3]) الخراسانی، کفایة الاُصول، ج2، ص384.

([4]) الحجّتی البروجردی، الحاشیة علی کفایة الاُصول، ج1، ص101.

([5]) الخراسانی، کفایة الاُصول، ج1، ص50.

موضوع: 
نويسنده: 
کليد واژه: