جمعه: 7/ارد/1403 (الجمعة: 17/شوال/1445)

الجهة الاُولى والثانیة: فی معنى مادّة الأمر، واعتبار العلوّ والاستعلاء

قال الجوهری: «أمرته بكذا أمراً. والجمع الأوامر».([1])

ولا یخفى: أنّ جمع الأمر على الأوامر من الجموع النادرة.

والقول بأنّه جمع الآمرة بحذف الموصوف (أی الصیغة أو الكلمة الآمرة) فیكون المراد من الأوامر: الكلمات الآمرة والصیغ الآمرة، بعید عن الذهن كما یشعر بذلك كلام مولانا أمیر المؤمنین× فی دعاء كمیل: «وخالفت بعض أوامرك»؛ فإنّه بعید فی الغایة حمل لفظ الأوامر المذكور فی كلامه× على هذا المعنى، بل المستفاد منه الطلب المخصوص الّذی یكون مرادفه بالفارسیة لفظ «فرمان».

وعلى کلّ حال اختلفوا فی معنى لفظ الأمر، وذكروا له معانی عدیدةً:

منها: الشأن، والطلب، والفعل، والفعل العجیب، والغرض، وغیرها. والظاهر

 

أن الأمر لیس كذلك فی جمیع المعانی المذكورة؛ فإنّه لا یستعمل فی الفعل فی كلامهم. وأمّا قوله تعالى: ﴿وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِیدٍ﴾؛([2]) فالظاهر أنّ المراد به المعنى الحدثی وما یشتقّ منه الأفعال وغیرها.

وكذلك الفعل العجیب، فلا یستعمل الأمر فی كلامهم فی الفعل العجیب أیضاً؛ واشتباه بعض الاُصولیین فی ذلك إنّما نشأ من موافقة مادّة الأمر بفتح الهمزة مع الإِمر بكسـرها، حیث إنّ الإِمر بالكسر بمعنى الفعل العجیب، كما فی قوله تعالى: ﴿لَقَدْ جِئْتَ شَیْئاً إِمْراً﴾.([3])

وأمّا الغرض، فی مثل قولنا: «جاء زید لأمر كذا» فإنّ ما یدلّ على الغرض هو اللام ویكون مدخوله مصداقه.

وأظنّ أنّ لفظ الأمر مشترك([4]) بین معنیین:

أحدهما: المعنى الحدثی الّذی تشتقّ منه الأفعال وغیرها.

ثانیهما: المعنى الجامد الّذی یكون عبارة عن الشیء، بل یكون أخصّ منه؛ لأنّ الـشیء یطلق على الجواهر، فیقال: زیدٌ شیءٌ، ولا یقال: زیدٌ أمرٌ. ولكن یصحّ قولك: أتیتك لأمر من الاُمور، والأمر الّذی معناه هذا یكون جمعه الاُمور، ولا نظر للاُصولی فی تعیین معناه.

 

([1]) الجوهری، الصحاح، ج2، ص581 (مادّة: أمر).

([2]) هود، 97.

([3]) الکهف، 71.

([4]) أی بالاشتراك اللفظی، وبه قال الحسن البصـری کما فی هدایة المسترشدین (الأصفهانی، ص130)؛ وقال به فی الفصول (الأصفهانی، ص62)؛ وبدائع الأفکار (العراقی، ج1، ص194).

راجع أیضاً: کفایة الاُصول (الخراسانی، ج1، ص89 90). وقال بعض بالاشتراك المعنوی، کما ذهب إلیه فی فوائد الاُصول (النائینی، ج1، ص128).

موضوع: 
نويسنده: