جمعه: 10/فرو/1403 (الجمعة: 19/رمضان/1445)

الموضع الثانی: فی إجزاء الإتیان بالمأمور به بالأمر الاضطراری عن المأمور به بالأمر الاختیاری

هل یجزی الإتیان بالمأمور به بالأمر الاضطراری عن المأمور به بالأمر الاختیاری الواقعی بعد رفع الاضطرار أم لا؟ فهل تجب الإعادة فی الوقت أو القضاء خارجه أم لا؟ فی المسألة فروض ممكنة، قال فی الكفایة فی تصویرها:

إنّ التكلیف الاضطراری إمّا أن یكون وافیاً بتمام الغرض والمصلحة، أو لم یكن كذلك، بل یبقى منه شیء أمكن استیفاؤه، أو لا یمكن، وما أمكن كان بمقدار یجب تداركه، أو بمقدار یستحبّ.

 

ثم ذكر أحكام الأقسام من الإجزاء وعدمه وجواز البدار فی بعض الصور، وذكر أنّ المرجع فی مقام الإثبات هو الإطلاق لو كان، كظاهر قوله تعالى: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً ...([1]) الآیة؛ وقوله|: «التیمّم أحد الطهورین»([2]) فإنّ ظاهرهما الإجزاء وعدم وجوب الإعادة والقضاء. وإلّا فالأصل یقـتضی البراءة لكونه شكّاً فی أصل التكلیف.([3])

هذا، ولكنّه مبنیّ على تغایر الأمرین (الاختیاری والاضطراری) وكونهما فی عرض واحد، فعلیه یبحث عن كفایة أحدهما عن الآخر. وأمّا بناءً على التحقیق فی المسألة من طولیة الأفراد وتعلّق الأمر بالطبیعة الّتی لها أفراد ومصادیق بعضها لصورة الاختیار وبعضها الآخر لصورة الاضطرار، فلا یأتی البحث عن كفایة أحدهما عن الآخر، فإنّ الصلاة ـ مثلاً ـ طبیعة لها أفراد ومصادیق بحسب أحوال المكلّفین، ففی حال فقدان الماء یكون فردها ومنطبقها الصلاة مع الطهارة الترابیة، وفی حال وجدان الماء یكون ما تصدق علیه الطبیعة المأمور بها الصلاة مع الطهارة المائیة. وأیضاً فی حال تمكّن المكلّف من القیام یكون ما ینطبق علیه عنوان المأمور به والطبیعة الواقعة تحت الأمر الصلاة قائماً، وفی حال عدم تمكّنه من القیام یكون مصداق الطبیعة المذكورة الصلاة قاعداً، وفی حال عدم تمكّنه منه الصلاة مضطجعاً، فجمیع هذه الصلوات أفراد لطبیعة الصلاة، وهی تصدق على کلّ واحدة منها، فلا یبقى مجال لبحث الكفایة.

ومن الواضح: أنّ متعلّق الأمر فی قوله تعالى: ﴿أَقِیمُوا الصَّلَاةَ﴾ طبیعة الصلاة، هذه

 

فرد لها وتلك فرد آخر وهكذا، وهذا ممّا لا إشكال فیه، فما حُكی عن الشیخ+ من بدلیة صلاة المتیمّم المضطرّ عن الصلاة الكامل المختار، بعید عن الصواب ومخالف لظواهر الأخبار والكتاب كقوله تعالى: ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ إلى قوله تعالى: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَیَمَّمُوا صَعِیداً طِیِّباً﴾ إلى قوله تعالى: ﴿مَا یُرِیدُ الله لِیَجْعَلَ عَلَیْكُمْ مِنْ حَرَجٍ...([4]) الآیة؛ وقوله تعالى: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَوةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لله قَانِتِینَ * فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أوْ رُكْبَاناً...([5]) الآیة.

فإنّ الظاهر من الآیتین كون الصلاة مع الطهارة الترابیة فی حال عدم وجدان الماء، وراكباً فی حالة الخوف فردان واقعیّان لطبیعة الصلاة المأمور بها، كما أنّ الصلاة مع الطهارة المائیة فی حال وجدان الماء، والصلاة فی غیر حال الخوف فردان لها من غیر فرق بینها.

والحاصل: أنّه وإن كان یظهر من كلمات المتأخّرین أنّ محلّ النزاع فی إجزاء الإتیان بالمأمور به الاضطراری عن المأمور به الواقعی فیما یكون للشارع أمر متعلّق بالمكلّف فی حال الاختیار، وأمر آخر متعلّق به فی حال الاضطرار، إلّا أنّ هذا بعید عن الصواب وغیر قابل لأن یُعدّ محلّ البحث والنزاع؛ لأنّه لا ینبغی توهّم إجزاء الإتیان بما هو المأمور به لأمر عمّا هو المأمور به لأمر آخر وإلّا فیصحّ أن یكون النزاع فی إجزاء الإتیان بالصلاة عن الصوم والزكاة وغیرهما. نعم، یمكن دلالة دلیل بالخصوص على ذلك فی مورد واقتصار المولى فی صورة الإتیان بأحدهما عن الآخر، ولكن هذا غیر إجزاء نفس الإتیان بأحدهما عن الآخر، فالصحیح أن یكون محلّ البحث: إجزاء الإتیان بالفرد الاضطراری عن الأمر بالطبیعة. ولعمری هذا واضح

 

غیر محتاج إلى بیان، ولكن حیث كان ظاهر عباراتهم موهماً لذلك، أطلنا الكلام فیه. ولذا لو راجعنا كلمات المتقدّمین، نجد فی بعض كلماتهم ما یوافق ما ذكرناه ویصدّقه، مثل ما یستفاد من المحقّق+ فی المعتبر فی مسألة: إذا كان معه ماء فأراقه، ما هذا لفظه: «إذا كان معه ماء فأراقه قبل الوقت، أو مرّ بماءٍ فلم یتطهّر ودخل الوقت ولا ماء، تیمّم وصلّى ولا إعادة، ولو كان ذلك بعد دخول الوقت فكذلك. وللشافعی وأحمد هنا روایتان، أحدیهما: یعید؛ لأنّه فرّط فی الصلاة مع القدرة على طهارة كاملة. لنا أنّه صلّى مستكملة الشرائط، فتكون مجزیة. والإراقة للماء سائغة، فلا یترتّب علیها لواحق التفریط».([6])

هذا ولا یخفى: أنّه لیس محلّ النزاع أیضاً صورة بقاء حالة فقدان الماء، أو عدم التمكّن من القیام أو القعود وغیرها إلى آخر الوقت، لأنّه لیس فی هذه الصور تخییر للمكلّف فی إتیان الفرد الاضطراری والاختیاری مع انحصار ما هو منطبق لطبیعة الصلاة المأمور بها بفرد واحد، فلا یكون الفرد الاختیاری فرداً بحسب حاله، فلا ینبغی فی هذه الصورة توهّم عدم الإجزاء.

فروح البحث ومرجع النزاع راجع إلى ما إذا كان المكلّف فاقداً للماء فی أوّل الوقت، وواجداً له فی آخر الوقت، وأتى بالمأمور به فی حال الاضطرار.

ولم نقل بأنّ المستفاد من الأدلّة كون الصلاة مع الطهارة الترابیة فرداً لها فی حال فقدان الماء فی جمیع الوقت، حتى لو لم یبق المكلّف على حاله من فقدان الماء فی جمیع الوقت یجب الالتزام بعدم كون ما أتى به فرداً للطبیعة المأمور بها؛ لأنّه لو قلنا ذلك لم یبق لهذا النزاع مجال أصلاً، ولم تترتّب علیه فائدة وثمرة.

 

فالنزاع یقع فیما إذا قلنا بأنّ المستفاد من الأدلّة أنّ للواجب بحسب حال المكلّف فردین، فرد مع الطهارة الترابیة فی أوّل الوقت، وفرد مع الطهارة المائیة فی آخره، فما هو المنطبق على للطبیعة المأمور بها فی أوّل الوقت فرد، وفی آخره فرد آخر. بمعنى أنّ المكلّف مخیّر إمّا شرعاً([7]) وإمّا عقلاً فیما كلّفه الشارع ـ من إتیان الصلاة ـ أن ینتخب أحد فردی الطبیعة.

إذا عرفت محلّ النزاع ومركب البحث، فاعلم: أنّ مقتضى القاعدة، كما ظهر لك ممّا ذكر، فیما إذا أتى المكلّف بالصلاة فی أوّل الوقت مع الطهارة الترابیة، إجزاؤها عن صلاة اُخرى فی آخر الوقت مع الطهارة المائیة. إذ لا مجال لعدم الإجزاء وعدم سقوط الأمر بعد إتیان ما هو فرد للمأمور به. نعم، یمكن دلالة دلیل خاصّ على عدم إجزاء الفرد الاضطراری عن الفرد الاختیاری، لكن هذا فیما إذا لم یكن إطلاق للأمر المتعلّق بالطبیعة فیدلّ على فردیة ذلك الفرد بمجرّد عروض حالة فقدان الماء، أو عدم التمكّن من القیام.

 

([1]) النساء، 43؛ المائدة، 6.

([2]) الکلینی، الکافی، ج3، ص63 64، ح4، باب الوقت الّذی یوجب التیمّم؛ الطوسی، تهذیب الأحکام، ج1، ص200، ح580/54، باب التیمّم وأحکامه؛ الحرّ العاملی، وسائل الشیعة، کتاب الطهارة، أبواب التیمّم، ج3، ص381، ب21، ح1.

([3]) الخراسانی، کفایة الاُصول، ج1، ص130.

([4]) المائدة، 6.

([5]) البقرة، 238 239.

([6]) المحقّق الحلّی، المعتبر، ج1، ص366 367.

([7]) کما قال به فی المعالم (العاملی، ص79).

موضوع: 
نويسنده: