پنجشنبه: 9/فرو/1403 (الخميس: 18/رمضان/1445)

الأمر الثانی: أقسام المقدّمة

بدأ الاُصولیون فی طرح هذا البحث بذكر أقسام المقدّمة، ولعلّه لذكرها فی عنوان المسألة بأنّ المقدّمة واجبة أم لا؟ فتعرّضوا أوّلاً لبیان معنى المقدّمة وأقسامها، ثم لبیان أقسام الواجب، ثم دخلوا فی أصل البحث.

ولا یخفى: أنّ المناسب فی مقام التسمیة تسمیتها بالمتقدّمة، لأنّ مرادهم بالمقدّمة ما لها تقدّم على شیء آخر، إلّا أنّه یمكن أن تكون تسمیتها بالمقدّمة لأجل الإشارة إلى أنّ أصل ذاتها موجب للتقدّم.

وكیف كان، تنقسم المقدّمة إلى أقسام:([1])

منها: الداخلیة والخارجیة

والمراد بالاُولى: الأجزاء المأخوذة فی ماهیة المأمور به. وبالثانیة: الاُمور الخارجة عن ماهیته ممّا یتوقّف وجود ذی المقدّمة علیها. وقد استشكل فی مقام تصویر المقدّمات الداخلیة بأنّ المقدّمیة نسبة متضایفة محتاجة إلى طرفین أحدهما المقدّمة والآخر ذی المقدّمة. وبعبارة اُخرى: احتیاج ذى المقدّمة إلى المقدّمة إضافة لها طرفان: المحتاج إلیه وهو المقدّمة، والمحتاج وهو ذو المقدّمة، فلا یعقل أن تكون أجزاء المرکّب مقدّمة للمركّب والحال أنّه لیس إلّا نفس الأجزاء بأسرها وإلّا لزم احتیاج الشیء فی الوجود إلى نفسه.([2])

والظاهر أنّ هذا الإشكال مأخوذ من الإشكال المعروف من أهل المعقول بالنسبة

 

إلى العلّة التامّة، وبیانه: أنّ من المعلوم أنّ المعلول مغایر لعلّته وممتاز عنها فلا یعقل اتّحادهما معاً، والحال أنّ المادّة والصورة من أجزاء العلّة وهما متّحدتان مع المعلول بل عینه، فیلزم تقدّم الشیء وتوقّفه على نفسه، وهذا هو الدور المحال.

وقد أجاب عنه المحقّق الخراسانی+ بأنّ المقدّمة لیست إلّا نفس الأجزاء بالأسر وهی الأجزاء الملحوظة من حیث التألّف والاجتماع بلا شرط ـ على نحو عدم الاعتبار لا اعتبار العدم ـ بحیث تكون بالحمل الأوّلی غیر مجتمعة ولا مؤتلفة، وتكون بالحمل الشائع مجتمعة ومؤتلفة فی مقابل الأجزاء الملحوظة بشرط الاجتماع والتألّف والتركّب الحقیقی أو الاعتباری وهو ذو المقدّمة.

هذا، ویمكن أن یقال: إنّ المقدّمة تكون کلّ فرد فرد من الأجزاء كالتكبیر والقراءة والركوع، فالتكبیر مقدّمة والقراءة مقدّمة والركوع مقدمة.

لا یقال: إذا كان هذا الجزء مقدّمة وذلك الجزء الآخر أیضاً مقدّمة وهكذا، فجمیع الأجزاء تكون مقدّمة ویعود الإشكال.

لأنّه یقال: إنّ جمیع الأجزاء على هذا مقدّمات، لا مقدّمة.

وبالجملة: فی المرکّبات الاعتباریة یتعلّق لحاظ الآمر بجمیع الأجزاء ویعتبرها واحداً، ثم یأمر المكلّف بإتیان هذا الواحد الاعتباری، فیكون التكبیر مقدّمةً له والركوع مقدّمة اُخرى. ولا یلزم من ذلك كون جمیع الأجزاء مقدّمةً، بل كون الأجزاء مقدّماتٍ، وذو المقدّمة هذه المقدمات الّتی لها وحدة اعتباریة من جهة أنّ الآمر لاحظها واعتبرها واحداً.

ومن هنا یظهر ما فی كلام المحقّق الخراسانی+ فی دفع الإشكال حیث قال: بأنّ المقدّمة نفس الأجزاء بالأسر، وذو المقدّمة هو الأجزاء بـشرط الاجتماع، فالمغایرة حاصلة بینهما.([3])

 

لأنّ المغایرة بین المقدّمة وذیها لا تكون اعتباریة بل تكون حقیقیة وما أفاده كافٍ فی دفع الإشكال لو كانت المغایرة بینهما اعتباریة، هذا.

وأمّا الوجوب المتعلّق بکلّ جزء من الأجزاء، أی المقدّمات الداخلیة، فلا ریب فی نفسیته، وذلك لأنّ المرکّب إذا كان واجباً بالوجوب النفسی فكلّ جزء من أجزائه یكون واجباً كذلك أیضاً لا محالة وملوّناً بهذا اللون، لأنّ المرکّب لیس إلّا تلك الأجزاء.

ولا یبقى بعد كون کلّ جزء من أجزاء المرکّب واجباً بوجوبه النفسی مجالٌ للوجوب الغیری؛ إذ الوجوب إنّما یترشّح من ذی المقدّمة إلى المقدّمة إذا لم تكن المقدّمة واجبة.

ومن هنا یظهر فساد القول بالوجوب النفسی والوجوب الغیری معاً.([4]) وإن كان أضعف الاحتمالات فی المقام احتمال وجوب الأجزاء بالوجوب الغیری، لأنّ الأجزاء ـ وهی نفس الكلّ ـ لو كانت واجبة كذلك لزم أن لا یكون لنا واجب بالوجوب النفسی، فكیف یتولّد منه ذلك الوجوب الغیری؟ فتدبّر.

ومنها: العقلیة و العادیة والشرعیة

أمّا المقدّمة العقلیة، فهی: ما یمتنع وجود ذیها بدونها.

وأمّا الشرعیة، فقد توهّم أنّها كالطهارة بالنسبة إلى الصلاة، فإنّ الصلاة بنفسها قابلة للتحقق والوجود ولو بدون الطهارة، إلّا أنّ الشارع لمّا جعل الطهارة شرطاً لها فلا تتحقق شرعا إلّا بها.

ولكن لا یخفى: أنّه لا یكاد أن تنال ید الجعل المقدّمیة وعدمها. فلا یمكن للشارع أن یتصرّف فی مقدّمیة شیءٍ لشیء بجعله مقدّمة له أو نفیها عنه، فلو كان شیء مشروطاً بشیء واقعاً فلا ینقلب عمّا هو علیه بسبب تصرف الشارع فیه، فإلغاؤه تلك الـشرطیة لا یصیر سبباً لحصوله من دون ذلك الشرط.

 

نعم، یمكن للشارع أن یأمر بعنوانٍ یصدق على هذه الأفعال الخارجیة المخصوصة الّتی من ضمنها الطهارة فلا یصدق على غیرها، من غیر أن یأخذ شیئاً شرطاً للمأمور به. فعدم انطباق عنوان المأمور به على تلك الأفعال من غیر طهارة محفوظ وباقٍ على حاله من دون حاجة إلى اشتراط شیء فیه أو جعله مقدّمة له.

وأمّا تقیید المأمور به بقید أو شرط شرعاً بحیث یستحیل تحقّقه بدونه، فهو راجع إلى القسم الأوّل أی المقدّمة العقلیة. وعلى کلّ حال لیس للمقدّمة الشرعیة معنى محصّل.

وأمّا العادیة، فقد توهّم أنّها كالصعود على السطح فإنّه لا یمكن عادة إلّا بنصب السلّم وإن كان یمكن عقلاً بالطیران.

ولا یخفى ما فیه؛ لأنّ الصعود على السطح بالنسبة إلى غیر المتمكن من الطیران ممتنع عقلاً إلّا بتوسّط نصب السلّم وأشباهه، فهی راجعة إلى العقلیة أیضا.

ومنها: مقدّمة الوجود، والصحّة، والوجوب، والعلم

أما مقدّمة الوجود، فهی ما یتوقّف علیها وجود ذیها بمعنى استحالة وجوده إلّا فی ظرف وجودها كنصب السلّم بالنسبة إلى الكون على السطح.

وأمّا مقدّمة الصحّة، فهی الّتی یمكن وجود ذیها بدونها لكن صحّته متوقّفة علیها، كالوضوء بالنسبة إلى الصلاة.

وأمّا مقدّمة الوجوب، فهی ما یتوقّف علیها وجوب ذیها.([5])

وأمّا مقدّمة العلم، فهی ما یتوقّف علیها العلم بحصول الواجب، كإدخال شیءٍ أزید ممّا بین قصاص الشعر وطرف الذقن فی غسل الوجه طولاً، وشیء أزید ممّا دارت علیه الإبهام والوسطى عرضاً لتحصیل العلم بغسل المقدار الواجب. وكالوضوء من الإناءین المعلوم كون أحدهما مضافاً لتحصیل العلم بحصول الوضوء بالماء المطلق.

 

ولا یخفى عدم وجود فائدة فی هذا التقسیم؛ وذلك لأنّ مقدّمة العلم لا تكون ممّا یتوقّف علیها وجود الواجب، فلا یمكن ترشّح الوجوب علیها من قبل وجوب ذیها؛ لأنّ من الممكن الوضوء من أحد الإناءین المشتبهین واتّفاق كونه الماء المطلق. فالقول بوجوب الوضوء منهما لا یكون من جهة المقدّمیة المقصودة، بل من باب حكم العقل بالوضوء منهما إرشاداً لتحصیل العلم بالبراءة.

وأمّا مقدّمة الوجوب، فخارجة عن محلّ النزاع أصلاً؛ لأنّ ذی المقدمة لا یتصف بالوجوب قبل وجودها حتى یترشّح علیها وجوبه، وبعد وجودها لا یعقل ترشّح الوجوب علیها، لأنّه تحصیل الحاصل.

وأمّا مقدّمة الصحّة، فإن قلنا فی باب الصحیح والأعمّ بوضع ألفاظ العبادات للصحیح فلا ریب فی رجوعها إلى مقدّمة الوجود. وأمّا إن قلنا بوضعها للأعمّ فالمقدّمة تكون مقدّمة لوجود الواجب بالحمل الشائع، فلا یتحقّق الواجب بدونها، فترجع بناءً على الأعمّ أیضاً إلى مقدّمة الوجود.

ومنها: المتقدّمة والمقارنة والمتأخّرة

تنقسم المقدّمة بتقسیم آخر إلى المقدّمة الحاصلة قبل وجود ذیها، وإلى المقدّمة المقارنة، له وإلى المقدّمة المتأخّرة عنه.

وحیث إنّ المقرّر فی محلّه عدم إمكان تقدّم المعلول على العلّة لا رتبة ولا زماناً بل اللازم وجوب تقدّمها على المعلول تقدّماً طبعیاً أشكل الأمر فی المتأخّرة بل فی المقدّمة المتصرّمة حین وجود ذیها أیضاً؛ لأنّ من الواضح لزوم تقارن العلّة والمعلول زماناً فی الوجود وإلّا فتبطل العلیة والمعلولیة والمسانخة بینهما.([6])

وأفاد فی الكفایة فی دفع الإشكال ـ بعد تقسیمه الموارد الّتی توهّم انخرام

 

القاعدة العقلیة فیها إلى ما كان المتقدّم أو المتأخّر شرطاً للتكلیف، وإلى ما كان شرطاً للوضع، وإلى ما كان شرطاً للمأمور به ـ ما حاصله: إنّ كون شیءٍ شرطاً للتكلیف متقدّماً علیه أو متأخّراً عنه، مثل القدرة على المأمور به حین الفعل، لیس معناه كون وجوده الخارجی شرطاً، بل المراد لحاظه ووجوده ذهناً. فالآمر فی مقام التكلیف إذا لاحظ قدرة المكلّف حین الإتیان بالفعل صحّ منه التكلیف والأمر. فشرط التكلیف متقدّماً كان أو متأخّراً أو مقارناً لیس إلّا لحاظه ووجوده الذهنی المقارن مع المشروط.

أمّا كون الشیء شرطاً للمأمور به، فلیس معناه إلّا أنّ الآمر یعتبر وینتزع بسبب إضافة المأمور به إلى ذلك الشیء وتعقّب ذلك الـشرط له عنواناً منه یكون بذلك العنوان حسناً ومتعلّقاً للغرض.

كما أنّ الأمر كذلك بالنسبة إلى الوضع، كالإجازة بالنسبة إلى العقد الفضولی فإنّ معنى شرطیتها له لیس إلّا أنّ لحاظها متأخّراً عنه موجب لصحّة اعتبار الملكیة وانتزاعها من العقد. هذا ملخّص ما أفاده+.([7])

وأمّا تحقیق الحقّ فی المقام فسیجیء فی نهایة البحث عن التقسیم الآتی للمقدّمة، إن شاء الله تعالى.

ومنها: تقسیمها إلى السبب، والشرط، وعدم المانع، والمُعِدّ

 

قسّموا المقدّمة بلحاظ آخر إلى السبب، والشرط، وعدم المانع، والمعدّ.

فالأوّل: ما یلزم من وجوده الوجود و من عدمه العدم.([8])

والثانی: ما یلزم من عدمه عدم ذی المقدّمة، ولا یلزم من وجوده وجوده.

والثالث: ما یلزم من وجوده عدمه.

والرابع: ما یلزم من وجوده وعدمه وجوده.

وبعبارة اُخرى: إذا كان الشیء مؤثّراً فی وجود شیءٍ آخر، وكان منه وجود ذلك الشیء، نسمّیه بالسبب.

وإذا كان وجوده موجباً لحصول قابلیة الوجود للشیء، نسمّیه بالشرط.

وإذا كان عدمه موجباً لحصول تلك القابلیة، نسمّیه بالمانع. فعدمه مقدّمة لحصول ذی المقدّمة.

وإذا كان وجوده وعدمه موجباً لهذه القابلیة كالأقدام بالنسبة إلى الكون فی المسجد، نسمّیه بالمعدّ.

 

([1]) انظر التقسیمات فی القوانین (القمّی، ص100)؛ الفصول الغرویّة (الأصفهانی، ص83 وما بعدها)؛ مطارح الأنظار (الکلانتری الطهرانی، ص38 وما بعدها)؛ کفایة الاُصول (الخراسانی، ج1، ص139 وما بعدها).

([2]) راجع: العراقی، نهایة الأفکار، ج2، ص262 263.

([3]) الخراسانی، کفایة الاُصول، ج1، ص140.

([4]) الأصفهانی، الفصول الغرویة، ص86.

([5]) مثل: الاستطاعة بالنسبة إلی الحجّ.

([6]) راجع: الرشتی، بدائع الأفکار، ص31.

([7]) الخراسانی، کفایة الاُصول، ج1، ص145 148. وهکذا تفصّی عن الإشکال فی بعض فوائده (المطبوع ضمن حاشیته علی الرسائل، ص302). وقال فی نهایة الجواب: «وبالجملة قد انقدح ممّا حقّقناه حال الشـرط فی أبواب العبادات والمعاملات، وأنّه عبارة عمّا بلحاظه تحصّل للأفعال خصوصیّات بها تناسب أحکامها المتعلّقة بها. وقد انحلّ به الإشکال والتفصّی عن العویصة والإعضال، والحمد لله تعالی علی کلّ حال. ولعمری أنّ هذا تحقیق رشیق ومطلب شامخ لا یناله إلّا ذو النظر الدقیق بالتأمّل فیما ذکرناه من التدقیق،  فعلیك بالتأمّل لعلّك تعرف حقیقة المرام، وعلی الله التوکّل وبه الاعتصام».

([8]) القمّی، قوانین الاُصول، ج1، ص100، وأضاف فیه قید «لذاته».

موضوع: 
نويسنده: 
کليد واژه: