جمعه: 10/فرو/1403 (الجمعة: 19/رمضان/1445)

الأمر بالمسبّب فی الأفعال التولیدیة([1])

لا یخفى علیك: أنّ النزاع فی وجوب المقدّمة السببیّة لا یصحّ إلّا بعد الفراغ عن النزاع فی أنّ الأوامر المتعلّقة بالمسبّبات ظاهراً تكون متعلّقة بها واقعاً ولُبّا أیضاً أو أنّها بحسب الواقع متعلّقة بالأسباب، فعلى القول الأوّل یأتی النزاع فی وجوب السبب من باب المقدّمیة، وأمّا على القول الثانی فلا مجال للنزاع المذكور.

بیان ذلك: أنّ القوم اختلفوا فیما إذا تعلّق الأمر بالمسبّب ظاهراً فی أنّ متعلّقه هل هو المسبّب حقیقة، أو هو السبب وإن كان متعلّقه ظاهراً هو المسبّب على أقوال:

أحدها: وجوب المسبّب مطلقاً.([2])

ثانیها: وجوب السبب مطلقاً.([3])

ثالثها: التفصیل([4]) بین ما إذا كان بین السبب والمسبّب فاعل بالطبع أو الإرادة كما فی صورة الأمر بإلقاء شخص فی النار للإحراق أو إلقائه إلى السبع، وبین ما لم یكن كذلك بل كان صدوره منه بلا واسطة شیءٍ من هذا القبیل. فعلى الأوّل یكون الأمر بالمسبّب كالإحراق مثلاً أمراً بالسبب وهو الإلقاء لا محالة، لأنّ الإحراق أو الإتلاف فعل النار والسبع، فلا یتعلق الأمر به واقعاً. وعلى الثانی

 

یكون الأمر متعلّقاً بالمسبب واقعاً كما هو متعلّق به ظاهراً. وعلى هذا یتّجه النزاع فی المقدّمة السببیّة.

ولكنّ التحقیق هو: أنّ متعلّق الأمر لیس إلّا نفس المسبّب؛ وذلك لأنّ ما استدلّوا به لرجوع الأمر إلى السبب ومنع رجوعه إلى المسبّب: إمّا أنّ التكلیف لا یتعلّق إلّا بالمقدور والمسبّب لیس بمقدور.([5])

فجوابه: أنّ المقدور بالواسطة مقدورٌ.

وإمّا أنّ الأمر لا یتعلّق إلّا بما هو فعل للمكلّف والمسبّب لیس فعلاً له؛([6]) لأنّه لو كان فعله، لما انفكّ عنه فی بعض الأحیان، كما إذا رمى سهماً ومات الرامی بعد رمیه فأصاب شخصاً، فلو كان القاتل والفاعل هو الرامی لما جاز حصول القتل والفعل بعد موته، لاستحالة انفكاك المعلول عن علّته زماناً فهذا كاشفٌ عن عدم كون الرامی وأمثاله ـ فیما كان من هذا القبیل ـ فاعلاً بل الفاعل هو السهم.

فجوابه: أنّ الأمر لا یصدر من المولى إلّا لأن یكون داعیاً وباعثاً نحو الفعل المأمور به، وأن یبعث العبد إلى إرادة المأمور به أو إلى ما یتوصّل بسببه إلیه، فإذا كان ذلك ملاك الأمر فلا مانع من تعلّق الوجوب بالمسبّب.

ویظهر من كلمات الاُصولیین سیّما المثال الّذی مثلّوا به فی المقام أنّ النزاع فی المقدّمة السببیّة واقع فیما إذا كان السبب والمسبّب من الأفعال التولیدیة، بمعنى عدم توسّط إرادة اُخرى بین السبب والمسبّب. ولا یكون فی البین غیر إرادة المكلّف المتعلّقة بالسبب، كما إذا رمى شخصاً بسهمٍ فأصابه وخرق قلبه فمات ذلك

 

الشخص، ففی مثله وإن كان للموت وجود ولخرق قلبه أیضاً وجود مستقلّ وللإصابة أیضاً وجود وللرمی وجود كذلك وهكذا، وكذلك لکلّ من هذه الوجودات إیجادٌ خاصّ؛ لاتّحاد الإیجاد والوجود لما مرّ من أنّ الفرق بینهما لیس إلّا أنّه إذا نسب ما وجد إلى فاعله وموجده یسمّی بالإیجاد، وإذا نسب إلى نفسه یسمّی بالوجود. ولكن متعلّق الإرادة لا یكون إلّا الرمی. وأمّا الإصابة المترتّبة علیه والخرق المترتّب علیهما والموت المترتّب علیها فغیر متعلّقة للإرادة، غیر أنّه بیّنّا أنّه لا مانع من تعلّق الأمر بالمسبّب حقیقة.

فإن قلت: إنّ الأمر لابدّ وأن یتعلّق بما هو فعل للمكلّف.

قلت: یكفی فی ذلك انتسابه إلیه، فكما یصحّ أن یقال: إنّه رمى، یصحّ أن یقال: إنّه خرق وإنّه قتل، هذا.

وقد ظهر ممّا ذكرناه أنّ السبب على مذاق الاُصولیّین هو ما كان من قبیل الرمی بالنسبة إلى القتل، وفی مثله لا یلزم تقارن السبب والمسبّب زماناً. وهذا بخلاف ما لو اُرید من السبب العلّة الموجدة وفاعل الشیء الّذی یكون منه الوجود؛ لأنّه یلزم منه تقارن العلّة والمعلول زماناً قطعاً، لعدم إمكان تحقّق ضرورة الإیجاب للعلّة من دون تحقّقها للمعلول. وإذا كان الحكم بالنسبة إلى السبب على ذوق الاُصولیین هكذا، فما ظنّك بالشرط؟

 

([1]) انظر البحث الکلامی فی ذلك فی کشف المراد للعلّامة الحلّی&، المسألة السابعة من الفصل الثالث فی أفعاله تعالی. وأیضاً نهج الحقّ وکشف الصدق للعلّامة، المطلب السادس عشر من المبحث الحادی عشر. وقال فیه: «ذهبت الإمامیة إلی أنّ المتولّد من أفعالنا، مستند إلینا. وخالفت أهل السنّة فی  ذلك ، وتشعّبوا فی ذلك... وذهبت الأشاعرة إلی أنّ المتولّد من فعل الله تعالی...إلخ».

([2]) العاملی، معالم الدین، ص57.

([3]) نقله صاحب المعالم واستشکل علیه فی المصدر نفسه (العاملی، ص58).

([4]) المفید، أوائل المقالات، ص125؛ الشاطبی، المواقفات فی اُصول الشریعة، ج1، ص193ومایلیها؛ الحائری الیزدی، درر الفوائد، ص119 ـ 122.

([5]) العاملی، معالم الدین، ص58؛ الشاطبی، الموافقات فی اُصول الشریعة، ج1، ص191 193.

([6]) راجع: الحائری الیزدی، درر الفوائد، ص120.

موضوع: 
نويسنده: