جمعه: 10/فرو/1403 (الجمعة: 19/رمضان/1445)

إشكال الشرط المتقدّم والمتأخّر

بعد ما عرفت من أنّ الشرط قید ووصف للمكلّف أو المكلّف به تعرف بأنّه بناءً على ما حقّقناه لا یلزم منه تقارن الشرط والمشروط زماناً بل من الممكن تقدّمه على المشروط (والتكلیف) وتأخّره عنه؛ لأنّه لا یكون علّة للوجود، بل موجب لصحّة انتزاع إمكان التكلیف. وأمّا ما یلزم تقارن وجوده مع الـمشروط زماناً فهو العلّة الموجدة للشـیء، هذا بالنسبة إلى شرط التكلیف.

وأمّا شرط المأمور به فكون شیء شرطاً فیه یمكن أن یكون على أنحاء:

أحدها: أن یكون المراد من شرطیة شیءٍ فیه كون المأمور به مقیّداً به على نحو یكون القید خارجاً والتقیّد داخلاً، كما فی صورة الأمر بالصلاة مقیّدة بالوضوء، أو الأمر بإتیان المرأة الصوم مقیّداً بالغسل.([1]) ففی مثل هذا الفرض لا مانع من تقدّم الـشرط أو تأخّره عن الـمشروط، فكما أنّ من الممكن أن یأخذ الشارع شیئاً قیداً للمأمور به مقارناً له، كذلك لا مانع من أخذ شیءٍ متأخّرٍ عن المأمور به أو متقدّمٍ علیه قیداً له. فإذا أتى المأمور بالأمر المتقدّم أو المتأخّر مع نفس المأمور به فقد أتى بما هو وظیفته، وإلّا فلا.

 

ثانیها: أن یكون المراد من شرطیة شیء فی المأمور به دخله فی انتزاع عنوانه الاعتباریّ وانطباقه على معنونه. فمعنى شرطیّة ذلك الـشیء له عدم اعتبار ذلك العنوان وانتزاعه إلّا فی ظرف وجود هذا الـشیء مقارناً له أو متقدّماً علیه أو ملحوقاً به، فالصوم المأمور به مثلاً أمر انتزاعی اعتباری لا ینتزع من هذه الإمساكات المخصوصة إلّا فی ظرف لحوق الغسل به، والشارع لا یعتبر ذلك إلّا على هذه الكیفیة.

ثالثها: أن یكون الشرط دخیلاً فی وجود المشروط. وهذا هو الّذی لا یمكن تأخّره عن المشروط بل اللازم تقدّمه علیه تقدّماً وجوبیّاً، فیتقدّم علیه طبعاً ویقارنه زماناً لو كان من الزمانیات. وأمّا إذا كان من المجرّدات فلا یتصوّر فیه التقارن الزمانی وعدمه. وكأنّه فی الكفایة جزم بلزومه مطلقاً.

وأمّا تقدّمه علیه بنحو إذا فرض ضرورة وجود الشرط فرض ضرورة وجود المشروط، وبعبارة اُخرى: تقدّمه علیه تقدّماً إیجابیاً فلا یلزم؛ لأنّ ذلك التقدّم لا یكون إلّا فی العلّة التامّة وما منه وجود الشیء، هذا.

ولا یخفى علیك: أنّه على النحوین الأوّلین یكون القول بوجوب الـشرط وجوباً غیریاً مقدّمیاً وهو بعید عن الصواب؛ لأنّ القید فی القسم الأوّل واجب بوجوب المقیّد، فكما أنّ ذات الصلاة واجبة یكون قیدها أیضاً واجباً. وهذا نظیر تعلّق الأمر بمركّب ذات أجزاء، فكلّ واحد من هذه الأجزاء واجب بالوجوب النفـسی. وهكذا الكلام فی القسم الثانی؛ فإنّ الأمر المتعلّق بالعنوان الاعتباری إنّما هو متعلّق بمنشأ انتزاعه سواء كان منشأ انتزاعه شیئاً واحداً أو مركّباً. هذا تمام الكلام فی تقسیمات المقدّمة.

 

 

([1]) فی الاستحاضة الکثیرة، وهو شرط متأخّر لصحّة صوم المرأة، وقد أفتی به جمع من الفقهاء، راجع: العاملی، مفتاح الکرامة، ج1، ص397.

موضوع: 
نويسنده: