جمعه: 10/فرو/1403 (الجمعة: 19/رمضان/1445)

الإشكال على عبادیة الطهارات الثلاث

قد اُشكل فی الطهارات الثلاث([1]) بأنّ من الواضح كونها من الواجبات الغیریة مع أنّ قصد الامتثال معتبر فیها، وهذا مشعر باستقلالها وأنّ لها امتثالاً مستقلاً، وهذا یتنافى مع غیریّتها ومقدّمیّتها.

 

واُشكل([2]) أیضاً بأنّه كیف یمكن الأمر بإتیانها بقصد الامتثال مع أنّ الأمر لا یدعو إلّا إلى ما هو متعلّقه، فداعویة الأمر نحو الفعل موقوف على قصد الأمر، وقصد امتثال الأمر موقوف على كون الأمر داعیاً إلى هذا الفعل، فیلزم منه الدور.

ولا یمكن الجواب عن هذا الإشكال فی المقام بما قد یجاب عنه فی الواجبات النفسیة بتقریب: أنّ من الممكن أن لا یكون قصد الامتثال جزءاً للمأمور به، بل الأمر تعلّق بأصل العمل وعلم من الخارج حصول الإطاعة وتوقّفها على قصد الامتثال، كما عرفت تفصیله فی مبحث التعبّدی والتوصّلی.([3]) وأمّا فیما نحن فیه حیث إنّ الأمر الغیری ترشّحی لا یكاد یترشّح إلّا إلى ما هو مقدّمة للواجب، والمقدّمة كما هو الفرض لا تكون إلّا الطهارة مع قصد الامتثال، فلابدّ من تعلّق الأمر الترشّحیّ الغیری بالمقدّمة، وهی نفس العمل مع قصد الامتثال والتقرّب.

ولایمكن التفصّی عن هذا الإشكال بما تفصّى به المحقّق الخراسانی(قدّس سرّه) هناك.([4])

وهذا مراد صاحب الكفایة فیما نحن فیه بقوله: «هذا مضافاً إلى أنّ الأمر الغیری لا شبهة فی كونه توصّلیاً... إلخ».([5])

وغرضه أنّ الأمر التعبّدیّ النفسی على ما عرفت سابقاً ـ فی التعبّدی والتوصّلی ـ هو الأمر المتعلّق بما هو أوسع من الغرض، وهذا بخلاف الغیری فإنّه لا یتعلّق إلّا بما هو محصّل لذی المقدّمة، فلا یكون إلّا توصّلیاً صرفاً. فلا یفید ذلك الجواب فی ما نحن فیه. (ویأتی نظیر هذا الإشكال على المحقّق الخراسانی(قدّس سرّه) فی توجیه الصوم فی السفر والإحرام قبل المیقات إذا تعلّق النذر بهما، فی ذیل البحث فی الشبهة المصداقیة).

 

والّذی ینبغی أن یقال فی الجواب: إنّ إتیان المقدّمات بقصد الامتثال وحصول التقرّب بها لا یكون موقوفاً على الأمر بالمقدّمات، بل إذا أراد المكلّف إتیان ذی المقدّمة بقصد الامتثال والتقرّب تتولّد من تلك الإرادة إرادة ما هو مقدّمته، فیأتی بها لأجل حصول ذیها، وهذا المقدار كافٍ فی تحقّق الامتثال وحصول التقرّب.

فلو فرضنا أنّ المكلّف أراد إتیان المقدّمة لكن لا لغرض شهویّ ونفسانیّ بل من جهة أنّه أراد إتیان ذی المقدّمة مع كون إرادته لإتیانه متولّدة من أمر المولى كفى ذلك فی الامتثال واستحقّ بذلك الثواب كما یستحقّ بإتیان ذیها.

فلو قام شخص من نومه فی اللیل مع شدّة البرد وتوضّأ من ماء بارد لصلاة اللیل وأدركه الموت قبل الصلاة، وقام شخص آخر فی مكان آخر لا تكون برودته بهذه المثابة وتوضّأ وأتى بها، أیجوز عند العقل أن یقال بأنّ الثانی امتثل ولكنّ الأوّل لم یمتثل؟ وهل یجوّز العقل أن یکافئ المولی ویشكر عمل الثانی دون الأوّل؟ هذا.

ولو لم نقل بذلك وقلنا بعدم استحقاق الثواب فالتقرّب والامتثال حاصل على کلّ حال؛ لأنّه لا یتوقّف على ترتّب الثواب. فعلى هذا، لا مانع من إتیان المقدّمة بقصد التقرّب والامتثال من غیر تعلّق أمر بها. مع أنّه لو قلنا بتعلّق الأمر بها من جهة مقدّمیتها فلا یتحقّق الامتثال بقصد ذلك الأمر بل إنّما یتحقّق لو أراد فعل ذیها ممتثلاً.

نعم، یمكن أن یكون لبعض المقدّمات كالطهارة أمر مخصوص من جهة نفسها، أو أوامر متعدّدة من جهة كونها مقدّمة لواجبات متعدّدة أو مستحبّات مختلفة، فلا مانع من حصول التقرّب والامتثال بقصد الأمر المتعلّق بنفسها أو بسبب قصد الأمر المتعلّق بذیها وإرادتها المتولّدة من إرادة ذیها.

ومن هنا یظهر الجواب عن الإشكال الثانی وهو لزوم الدور، فإنّ المكلّف إذا أتى بالمقدّمة وكانت إرادته لفعلها متولّدة من إرادة ذیها وهذه متولّدة من إرادة امتثال

 

الأمر كفى ذلك فی تحقّق التقرّب وحصول الامتثال. هذا مضافاً إلى أنّنا فی مبحث التعبّدی والتوصّلی قد أجبنا عن هذا الإشكال([6]) بعون الله‏ المتعال.

 

([1]) الکلانتری الطهرانی، مطارح الأنظار، ص70.

([2]) الکلانتری الطهرانی، مطارح الأنظار، ص60.

([3]) تقدّم فی الصفحة 120 ومایلیها. و‌انظر الجواب أیضاً فی الکفایة (الخراسانی، ج1، ص109 – 110).

([4]) الخراسانی، کفایة الاُصول، ج1، ص107.

([5]) الخراسانی، کفایة الاُصول، ج1، ص177.

([6]) تقدّم فی الصفحة 116.

موضوع: 
نويسنده: