جمعه: 10/فرو/1403 (الجمعة: 19/رمضان/1445)

الأمر الرابع: قصد التوصّل أو الموصلیّة فی وجوب المقدّمة

هل یعتبر قصد التوصّل بالمقدّمة فی وجوبها؟ وهل الواجب منها خصوص الموصلة؟

لا یخفى: أنّ وجوب المقدّمة بناءً على القول بالملازمة غیر مشروط بإرادة فعل ذیها وإن كان یظهر من صاحب المعالم+ اشتراط وجوبها بإرادة ذیها.([1])

وذلك لأنّ وجوب المقدّمة لا یكون إلّا وجوباً ظلّیاً رشحیّاً ولا یتصوّر بناءً على الملازمة وجوب ذی المقدّمة من غیر تعلّق الوجوب إلى مقدّمته، فكما لا یمكن وجود

 

ذی الظلّ مع عدم الظلّ، كذلك لا یمكن وجوب ذی المقدّمة مع عدم وجوب المقدّمة فالمقدّمة، تابعة لذیها فی الإطلاق والاشتراط من دون تقیید آخر لها، وهذا واضح لا یحتاج إلى إطالة الكلام. إنّما وقع الخلاف بینهم فی متعلّق وجوب المقدّمة وأنّ الواجب هل هو المقدّمة الّتی اُرید بإتیانها التوصّل إلى ذیها فلو لم یقصد من إتیانها هذا لما وقعت على صفة الوجوب، أو أنّ الوجوب تعلّق بمقدّمة یترتّب علیها ذو المقدّمة، فلو لم یترتّب علیها كشف عن عدم وقوعها على صفة الوجوب وعدم كونها متعلّقة له، أو لا یكون شیء منهما معتبراً فی تعلّق الوجوب بها؟ وجوه، بل أقوال:

أوّلها: ما هو المنسوب إلى الشیخ الأنصاری+ والمحكیّ عن تقریرات بحثه.([2])

وثانیها: مختار صاحب الفصول&.([3])

وثالثها: مختار الكفایة،([4]) وغیرها.

وهناك وجه آخر كما فی الفصول وهو: كون متعلّق الوجوب وما یقع متّصفاً بالوجوب خصوص ما قصد به التوصّل إلى ذی المقدّمة مع موصلیته إلى ذی المقدّمة.([5])

ولا یخفى علیك: أنّ الوجه الأوّل وإن كان قد نسب إلى الشیخ& كما توهّم فی الكفایة،([6]) ولكن هذا التوهّم إنّما نشأ من عدم التامّل التامّ فی كلام صاحب التقریرات؛ فإنّ ما ذكره فی هذا المقام (بنحو إن قلت وقلت) صریح فی أنّ مراد الشیخ&: توقّف حصول التقرّب بالمقدمة على قصد التوصّل بسببها إلى ذی المقدّمة.

وهذا كلام متین وقد بیّنا وجهه سابقاً. فالمقدّمة إن كانت ممّا لها مطلوبیة ونفسیة

 

ومصلحة ذاتیة كالوضوء والغسل یحصل التقرّب بفعلها تارة بإرادة أمرها الـنفسیّ. وتارة اُخرى بإرادة التوصّل بسبب فعلها إلى ذیها وإن لم تكن ممّا لها مطلوبیة نفسیّة، فلا یمكن التقرّب بها إلّا بإرادة التوصل بسبب فعلها إلى ذیها. فعلى هذا، یسقط ما أورده المحقّق الخراسانی& فی الكفایة على الشیخ+.([7])

وأمّا الكلام فی أصل المطلب، فلا یكون محتاجاً إلى بیان؛ لأنّ عدم توقّف اتصاف المقدّمة بالوجوب على قصد التوصّل أوضح من أن یخفى، ولا ینبغی توهّم اعتباره لأحد بعد فرض كون المقدّمة ما یتوقّف علیها وجود ذی المقدّمة، وأنّ توقّفه علیها لا یكون إلّا بذات المقدّمة من غیر دخل لهذا القصد وعدمه فیه. فالحقّ ما ذهب إلیه وأوضحه فی الكفایة.

وأمّا الوجه الثانی، وهو: أنّ المقدّمة لا تقع واجبة إلّا إذا ترتّب علیها ذو المقدّمة، ولا تقع على صفة الوجوب لو لم یترتّب علیها ذو المقدّمة. ولیس معنى ذلك أنّ الوجوب الغیری المتعلّق بالمقدّمة مشروط بترتّب ذی المقدّمة علیها، بل معناه أنّ الوجوب مطلق ولكنّ المقدّمة لا تقع على صفة الوجوب إلّا إذا كانت موصلة وترتّب علیها ذیها.

وقد بنى على ذلك فی الفصول وجوب المقدّمة المحرّمة الّتی توقّف علیها واجب أهمّ لو ترتّب ذلك الواجب علیها، بخلاف ما لو لم یترتّب علیها ذو المقدّمة فتكون المقدّمة باقیة على حالها من الحرمة. فلو أتى بهذه المقدّمة بزعم ترتّب ذیها علیها فاتّفق

 

عدم ترتّبه علیها فقد ارتكب فعلاً محرّماً، ولكن حیث زعم انطباق الواجب علیها یكون معذوراً ولا یعاقب علیه. كما أنّه لو لم یرتكب المقدّمة مع علمه بتوقف ذیها علیها وظهر فیما بعد أنّه لو فعلها أیضاً لما ترتّب ذو المقدّمة علیها، فلیس علیه شیء. نعم، هو متجرٍّ بتركه فعلاً قَطَع بوجوبه.([8])

وفیه: أنّه إن اُرید بالموصلیة أنّ للمقدّمة فردین، أحدهما: ما یترتّب علیه ذو المقدّمة وتكون موصلة إلیه. والآخر: ما لیس كذلك. وقد تعلّق الوجوب المطلق بالأوّل لا بنحو أن تكون الموصلیة قیداً له ویكون متعلّق الأمر مركباً من نفس المقدّمة وموصلیّتها، بل الموصلیّة لا تكون إلّا عنواناً یشار بها إلى ذلك الفرد، فهذا یرجع إلى أنّ المقدّمة الّتی تعلّق بها الوجوب من قبل ذی المقدّمة لیس إلّا ما یلزم من وجوده وجود ذی المقدّمة ومن عدمه عدمه، وهذا تفصیل بین السبب وغیره أی بین الأفعال التولیدیة وغیرها، وقد تقدّم فساد ذلك التفصیل.([9])

وإن اُرید بالموصلیّة أنّ الوجوب تعلّق بجمیع أفراد المقدّمة لكن بقید كونها موصلة وترتّب ذی المقدّمة علیها، حتى یكون متعلّق الوجوب: المقدّمة المقیّدة بالموصلیّة، فلازم هذا أنّه لو كان لواجب نفسی آلاف من المقدّمات أن یترشّح منه إلى جمیع تلك المقدّمات مع قید الموصلیّة آلاف من الوجوبات الغیریة، وحیث إنّ هذا القید لا یحصل إلّا فی ظرف إتیان المكلّف بذی المقدّمة یلزم أن یتعلّق من هذه المقدّمات بعدد

 

جمیعها وجوب غیریّ مقدّمیّ بذی المقدّمة، فیصیر ذو المقدّمة مقدّمة لما تكون مقدّمة له ومتوقّفاً على ما یكون متوقّفاً علیه، وهذا دور محال.

 

([1]) العاملی، معالم الدین، ص74 (مبحث الضدّ).

([2]) الکلانتری الطهرانی، مطارح الأنظار، ص72.

([3]) الأصفهانی، الفصول الغرویة، ص81.

([4]) الخراسانی، کفایة الاُصول، ج1، ص182.

([5]) الأصفهانی، الفصول الغرویة، ص81.

([6]) الخراسانی، کفایة الاُصول، ج1، ص181 182.

([7]) لا یخفی، أنّ صاحب التقریرات قد استفاد ممّا ذکر فی المقام إباحة المقدّمة المحرّمة الـمنحصرة لو قصد بفعلها التوصّل إلی ذیها، وبقاء حرمتها علی حالها لو لم یقصد بفعلها التوصّل إلی ذیها، وهذا کما تری موافق لما استفاده المحقّق الخراسانی من التقریرات. ولکنّ الحقّ بعد ملاحظة جمیع ما ذکر فی المقام ما حقّقه سیّدنا الاُستاذ دام ظلّه العالی. ویمکن أن یکون ذلك التفریع من قبیل سهو القلم، فراجع التقریرات. [منه دام ظلّه العالی].

([8]) الأصفهانی، الفصول الغرویة، ص81.

([9]) تقدّم فی الصفحة 165 ـ 166 وما یلیها. ویمکن أن یقال بعدم رجوع هذا إلی التفصیل بین السبب وغیره، فإنّ السبب کما تقدّم علی اصطلاح الاُصولیین هو المقتـضی المؤثّر فی الوجود أی التامّة، والمراد بموصلیّة المقدّمة لیس هذا المعنی، بل المراد وقوعها فی طریق التوصّل إلی ذی المقدّمة وکونها من أجزاء العلّة التامّة الّتی ترتّب علیها المعلول. [منه دام ظلّه العالی].

موضوع: 
نويسنده: