شنبه: 1/ارد/1403 (السبت: 11/شوال/1445)

أدلّة وجوب المقدّمة ونقدها

أمّا الوجوه الّتی ذكروها لإثبات الملازمة بین وجوب ذی المقدّمة والمقدّمة، وأنّه یتولّد من الطلب النفسیّ طلب غیریّ متعلّق بالمقدّمة، وأنّ الأمر كما یبعث المكلّف نحو ذی المقدّمة یبعثه نحو المقدّمة، فهی كثیرة ربما تتجاوز عشرین دلیلاً، ذكر أكثرها المحقّق السبزواری.([1])

منها: الدلیل المشهور بینهم عن أبی الحسین البصری،([2]) وهو قیاس اقترانی شرطی.

بیانه: لو لم تجب المقدّمة لجاز تركها، وحینئذٍ فإن بقی الواجب على وجوبه لزم التكلیف بما لا یطاق، وإلّا خرج الواجب المطلق عن كونه واجباً مطلقاً؛ ینتج أنّه لو لم تجب المقدّمة یلزم إمّا التكلیف بما لایطاق، أو خروج الواجب المطلق عن كونه واجباً مطلقاً، واللازمان باطلان فالملزوم مثلهما.([3])

ولا یخفى بطلان هذا الدلیل، فإنّه إن أراد ممّا هو الأوسط فی القیاس وهو قوله: «وحینئذٍ» جواز ترك المقدّمة الّذی هو التالی فی الـشرطیة الاُولى، فالملازمة بینه وبین التالی فی الشرطیة الثانیة ممنوعة؛ لأنّه لا یلزم من بقاء ذی المقدّمة على وجوبه التكلیف

 

بما لا یطاق. وإن أراد منه ترك المقدّمة أی فحین ترك المقدّمة إمّا أن یبقى الواجب... الخ، فبطلان القیاس من جهة عدم تكرر الأوسط واضح.

ومنها: ما استدلّ به المحقّق الخراسانی& من إرجاعه وجوب المقدّمة إلى الوجدان؛([4]) فإنّه شاهد على أنّ الإنسان إذا أراد شیئاً له مقدّمات أراد تلك المقدّمات لو التفت إلیها. ولذلك یصحّ من المولى أن یقول: ادخل السوق واشتر اللحم، فیجعل المقدّمة فی قالب الطلب، ومن الواضح أنّ ملاك الأمر بدخول السوق لیس إلّا مقدّمیته لشراء اللحم. فكما أنّ دخول السوق یكون متعلّقاً لطلبه وإرادته لكونه مقدّمة لشراء اللحم، فلیكن كذلك حال کلّ مقدّمة من مقدّمات الواجب من غیر فرق بینها، فكلّها متعلّقة لطلبه، لوجود هذا الملاك فی الجمیع.([5])

وفیه: أنّ البعث إلى دخول السوق بعث إلى شراء اللحم حقیقة، ولا یكون للدخول صفة المطلوبیة أصلاً. فلو سئل المولى عن عدد مطلوباته فی ما إذا بعث عبده نحو فعل تكون له مقدّمات كثیرة؟ لأجاب عن وحدة مطلوبه وأنّ المبعوث إلیه لیس إلّا الفعل المذكور ومطلوبه النفسی.

ومنها: استدلال بعض المعاصرین([6]) بأنّه كما تتولّد من الإرادة التكوینیة المتعلّقة بفعل إرادات اُخر متعلّقة بمقدّماته، كذلك تتولّد من الإرادة التشـریعیة ـ وهی إرادة صدور الفعل من العبد باختیاره ـ إرادات متعلّقة بصدور مقدّمات هذا الفعل منه.

وفیه: أنّه فرق بین الإرادة التكوینیة والإرادة التشریعیة؛ فإنّه لا یعقل صدور الفعل فی الاُولى إلّا بذلك، وأمّا فی الثانیة فیمكن أن یرید المولى ذلك الفعل من دون توجّه إلى

 

مقدّماته، وینشأ الطلب لأجل حدوث إرادة الفعل فی العبد، ثم إذا أراد العبد إتیان الفعل تتولد من إرادته هذه إرادات اُخر متعلّقة بمقدمات الفعل.

ثم إنّه قد ظهر من جمیع ما ذكرناه أنّ القول بعدم وجوب المقدّمة لیس ببعید عن الصواب.

نعم، لو اُرید من الوجوب حكومة العقل بلزوم إتیان المقدّمة لمكان توقّف ذیها علیها، فهو مسلّم، لكن أین هو من وجوبها الشرعی! ومع ذلك كله، لا مضایقة من موافقة القائل بالوجوب لو أراد منه وجوباً ترشّحیاً طریقیّاً تطفّلیّاً بحیث لا یكون له امتثال ولا عصیان ولا أثر آخر، بل كان واجباً بوجوب ذی المقدّمة بالعرض.

والحاصل: إنّ المقدّمة باعتبار عدم ترتّب أثر على وجوبها، غیر واجبة. وباعتبار أنّ الطلب المتعلّق بالشیء یستتبع الطلب المتعلّق بمقدّماته بالعرض، واجبة.

وأمّا لو أراد من وجوبها كون الوجوب المتعلّق بها وجوباً وطلباً وبعثاً فی مقابل الطلب والبعث المتعلّق بالواجب النفسی، بحیث لو سألنا المولى عن عدد مطلوباته یعدّ کلّ واحدة من المقدّمات مطلوباً على حدة، فهو ممنوع جدّاً.

 

([1]) فی رسالته المکتوبة فی مسألة مقدّمة الواجب. وقد ذکر المجدّد الشیرازی+ هذه الأدلّة فی تقریراته (فی مبحث مقدّمة الواجب)، فراجع.

([2]) هو محمّد بن علیّ بن الطیّب، أبو الحسین المتکلّم، صاحب التصانیف علی مذهب المعتزلة، له کتاب «المعتمد فی الاُصول»، بصریّ سکن بغداد، ودرّس فیها علم الکلام إلی حین وفاته، ومات ببغداد فی یوم الثلاثاء الخامس من شهر ربیع الآخر عامّ 436ق. ودفن فی مقبرة الشونیزی. (راجع: الخطیب البغدادی، تاریخ بغداد، ج3، ص314 315؛ ابن خلّکان، وفیات الأعیان، ج4، ص271).

([3]) راجع: البصری، المعتمد فی اُصول الدین، ج1، ص95؛ الفخر الرازی، المحصول فی علم اُصول الفقه، ج2، 190؛ المحقّق الحلّی، معارج الاُصول، ص73 74؛ الآمدی، الاحکام فی اُصول الأحکام، ج1، ص97؛ الخراسانی، کفایة الاُصول، ج1، ص201.

([4]) واستدلّ به المجدّد الشیرازی+، وأسنده إلی أساتذته، فی تقریراته، ج2، ص393.

([5]) النراقی، مناهج الأحکام والاُصول، ص50؛ الخراسانی، کفایة الاُصول، ج1، ص200.

([6]) یقصد به المحقّق النائینی& فی فوائد الاُصول، ج1، ص284.

موضوع: 
نويسنده: