سه شنبه: 28/فرو/1403 (الثلاثاء: 7/شوال/1445)

معنى الصحّة والفساد([1])

إنّ کلّ موجود إذا وجد، إمّا یوجد على نحو یترقّب وجوده وینطبق علیه عنوان ذلك الموجود المترقّب وجوده أم لا.

فإن كان تحقّقه فی الخارج أو غیره من الوعاء المناسب له على نحو یكون ذلك الموجود هو الموجود المترقّب وجوده یتّصف ذلك الموجود بصفة الصحّة وتترتّب علیه آثار الوجود المعنون بعنوان الصلاة أو الصوم أو النبات أو الإنسان مثلاً، ویقال: إنّه صحیح من جهة انطباق العنوان المترقّب وجود معنونه على ذلك الموجود.

وإن لم یكن نحو تحقّقه هكذا: بل كان على نحو لا یصدق علیه ذلك العنوان ووجد على خلاف ما یترقّب أن یوجد یتّصف بالفساد. ولكن لا من جهة نفس ذاته، فإنّ ما وجد بحسب نفس ذاته تامّاً تترتّب علیه آثاره المخصوصة، بل من جهة عدم انطباق ذلك العنوان علیه، وتحققه على خلاف ما یترقّب أن یوجد.

وبالجملة: فما وجد لا یتصف بالفساد من جهة نفس ذاته ولا یكون ناقصاً من حیث ذاته؛ فإنّ القراءة قراءة و السورة سورة والتسبیح تسبیح وكذلك الركوع والسجود كلها بحسب ذاتها تامّة تترتّب علیها آثارها المخصوصة بها ولا نقص ولا فساد فیها بحسب هذا.

ولكن لا یكون هذا ملاك الصحّة كما یوهمه ما فی الكفایة؛([2]) فإنّه على ما ذكرناه

 

تكون الصحّة أخصّ من التمامیة الّتی هى عبارة عن منشأیّة الشیء لترتّب آثاره علیه، فربما یكون الشیء تماماً وتترتّب علیه آثاره ولا یكون صحیحاً من جهة أنّه وجد على خلاف ما یترقّب أن یوجد ولا ینطبق علیه عنوان الشـیء المترقّب وجوده. ولكن لا یمكن أن یكون الشیء صحیحاً ولا یكون تماماً ولا تترتّب آثاره علیه.

وهكذا الكلام فی جانب الفساد؛ فإنّه أیضاً یكون أخصّ من التمامیة فربما یكون الشیء تامّاً ولا یكون فاسداً من جهة أنّه وجد على نحو ینطبق علیه عنوان الموجود المترقّب وجوده. وربما یكون الشیء تامّاً تترتّب علیه آثاره الخاصّة به ویكون فاسدا لتحقّقه على خلاف ما یترقّب أن یوجد وعدم انطباق عنوان الموجود المترقّب وجوده علیه، هذا.

ولا بأس بأن یقال بأنّ التقابل الواقع بین الصحّة والفساد قریب من تقابل العدم والملكة. ثم إنّ الموجود الّذی یوجد فی الخارج أو فی وعاء آخر إمّا أن یكون من الموجودات الّتی توجد تارة على نحو یترقّب وجودها، واُخرى لا على هذا النحو بل یوجد على خلاف ما یترقّب أن یوجد؛ وإمّا أن لا یكون من هذا القبیل بل یكون بحیث كلّما یتحقّق فی وعائه المناسب له یترتّب علیه أثره وینطبق علیه عنوان ما یترقّب وجوده ولا ینفكّ عنه ذلك، وهذا كإتلاف مال الغیر والملاقاة مع النجاسة وغیرهما، فما یكون من هذا القسم لا یتصور فیه النزاع ولا یكون محلّا للاختلاف.

إذا عرفت ذلك، فاعلم: أنّ اتّصاف الأشیاء بالصحّة والفساد، تارة: یكون على نحو یكون معلوماً عند الكلّ. وبعبارة اُخرى: تارة یكون الـشیء بحیث كلّما وجد یعرف کلّ واحد من العقلاء بأنّه وجد على نحو یترقّب وجوده أم لا. وهذا یكون لمعلومیة کلّ ما له دخل فی وجود هذا الشیء على هذا النحو عندهم، ومعلومیة ما لیس له هذه الدخالة.

 

واُخرى: لا یكون الشیء ممّا یعلم حاله ووجوده على هذا النحو، فلا یعرف الانطباق وترتّب الآثار إلّا من كان عالماً به. وهذا كالأدویة والمعاجین المخصوصة، فإنّ ترتّب أثر كذائیّ خاصّ على معجون الموجود الخاصّ ممّا لا یعلمه إلّا من كان عالماً بالطبّ، كما أنّ عدم ترتّب هذا الأثر علیه لا یكون معلوماً إلّا عنده. ومن هذا القبیل تكون المعاملات والعبادات والإیقاعات؛ فإنّه لا یعلم ما له دخل فی ترتّب الأثر واعتبار الملكیة مثلاً فی البیع وغیره إلّا العالم به وهو الشارع.

فلو تعلّق النهی بما كان من قبیل القسم الأوّل یكون النهی عنه دالّا على الحرمة والمبغوضیة ولا دلالة فیه على فساده أصلاً. كما لو نهى المولى عبده عن لبس الحریر والذهب أو لباس آخر، فلا یُعقل أن تكون لنهیه هذا دلالة على فساد لبس الحریر أو فساد ما یترتّب علیه من الأثر وهو الزینة.

وأمّا إذا تعلّق النهی بما كان من القسم الثانی یكون النهی المتعلّق به دالّا على الفساد وإرشاداً بعدم تمامیته وترتّب الأثر المقصود علیه. وهذا كنهی الطبیب المریض بأن لا یزید شیئاً على الدواء الخاصّ المركّب من الأجزاء الخاصّة أو لا ینقص منه شیئاً. ومثل نهی الشارع عن كثیر من المعاملات، كنهیه عن بیع الغرر، وبیع المنابذة، والملامسة، وبیع الكلب، أو نهیه عن لبس الحریر فی الصلاة.

ولا یخفى علیك: أنّ النهی الدالّ على الحرمة مستلزم للفساد إذا كان متعلّقه أمراً عبادیاً.([3]) بل مطلق الحرمة والمبغوضیة، سواء كان دلیلهما لفظیاً أو لبّیاً، مستلزمة لفساد المحرم والمبغوض إذا كان المحرم أمراً عبادیاً؛ لأنّ لمقرّبیة العمل دخلاً فی صحّة المأتیّ به إذا كان عبادیاً، ولا یمكن أن یكون فعل المبغوض والمبعِّد عن المولى مقرّباً، قلنا بجواز الاجتماع أو امتناعه.

 


([1]) راجع: الغزالی، المستصفی من علم الاُصول، ج1، ص178-179؛ الفخر الرازی، المحصول فی علم اُصول الفقه، ج2، ص291؛ النملة، إتحاف ذوی البصائر بشرح روضة الناظر، ج1، ص572 وما بعدها؛ الأصفهانی، الفصول الغرویة، ص140؛ الکلانتری الطهرانی، مطارح الأنظار، ص159؛ الخراسانی، کفایة الاُصول، ج1، ص287.

([2]) الخراسانی، کفایة الاُصول، ج1، ص287.

([3]) الکلانتری الطهرانی، مطارح الأنظار، ص162، فی الهدایة الثانیة من القول فی اقتضاء النهی للفساد.

موضوع: 
نويسنده: