پنجشنبه: 9/فرو/1403 (الخميس: 18/رمضان/1445)

دلیل المجوّزین

عمدة ما استدلّوا على جواز التمسّك بعموم العامّ ما قالوا: بأنّ مصداقیة الفرد المشتبه للعامّ معلومة وبعد ضمّ هذه المقدّمة (وهی اندراج الفرد المشتبه تحت العامّ)

 

بالكبرى الكلّیة المسلّمة وهی: «وجوب إكرام کلّ عالم» نقیم الحجّة على طبق الشكل الأوّل ونقول مثلاً: زید عالم، وكلّ عالم واجب الإكرام، فزید واجب الإكرام. وأمّا فی طرف المخصِّص فلا یمكن ترتیب ذلك؛ لأنّ محمول الصغرى وهو فاسق فی قولنا: «زید فاسق» غیر ثابت، فلا یمكن تشكیل القیاس.([1])

وهذا نظیر ما قاله الشیخ& فی مبحث أصالة البراءة فی الشبهات الموضوعیة من عدم صحّة التمسّك بعموم: «کلّ خمر حرام» لاثبات حرمة هذا المائع المشكوك فی أنّه خمر؛ لأنّ إثبات الحرمة محتاج إلى المقدّمتین إحداهما: كون هذا المائع خمرا، والثانیة: کلّ خمر واجب الاجتناب، مثلاً، فقال فی هذا المورد بجریان البراءة.

وبالجملة: الفرق واضح بین العامّ والخاصّ؛ لأنّ فی طرف العامّ مصداقیة زید مثلاً للعنوان المأخوذ فی العامّ محرز بالوجدان فبعد ضمّه إلى الكبرى المستفادة من العامّ یتمّ القیاس، وأمّا فی طرف الخاصّ لا یثبت صدق العنوان المأخوذ فیه على زید المشكوك فیه بأنّه فاسق أو لا. فتكون الإرادة الجدّیة فی طرف العامّ بالنسبة إلى الفرد المشتبه مطابقاً وموافقاً للإرادة الاستعمالیة كما هو مقتضى الأصل العقلائی وهو أصالة تطابق الإرادة الجدّیة مع الإرادة الاستعمالیة، ولیس لنا دلیل على خلاف مقتضى هذا الأصل، كما لا یخفى.

وقد أجاب المحقّق الخراسانی& عن هذا الاستدلال: بأنّ الخاصّ وإن لم یكن دلیلاً وحجّة فی الفرد المشتبه فعلاً، ولكنه موجب لاختصاص حجّیة العامّ فی غیر عنوان الخاصّ من الأفراد. فعلى هذا، لا یكون «أكرم العلماء» دلیلاً وحجّة إلّا فی العالم غیر الفاسق، فالفرد المشتبه وإن كان مصداقاً للعامّ إلّا أنّه لم یعلم أنّه من مصادیق ما هو حجّة فیه وهو غیر الفاسق، أو من مصادیق ما لم یكن حجّة فیه وهو الفاسق.

 

وبالجملة: العامّ المخصَّص بالمنفصل وإن كان یمتاز عن المتّصل بقیام ظهوره فی العموم كما إذا لم یكن مخصّصاً، إلّا أنّه فی عدم الحجّیة ـ إلّا فی غیر عنوان الخاصّ ـ یكون مثل المتّصل، فیكون الفرد المشكوك غیر معلوم الاندراج تحت إحدى الحجّتین، فلابدّ من الرجوع إلى الأصل.([2])

ولا یخفى علیك: أنّه یوجه هذا الجواب بأنّ فی باب أدلّة الأحكام استفادة الأحكام الكلّیة غیر مرتبط بالمصادیق والجزئیات، ولا دخالة للمصادیق فی حجّیة الدلیل، مثل قوله: «أكرم العلماء» أو «لا تكرم الفسّاق منهم» لوجوب إكرام کلّ عالم، أو حرمة إكرام کلّ فاسق من العلماء، فالدلیل حجّة لثبوت الحكم فی موضوعه الكلّی من غیر احتیاج إلى وجود المصادیق.

وبعبارة اُخرى: حجّیة الأدلّة تكون على نحو الكلّیة وثبوت الحكم للموضوعات الكلّیة، وهذا تمام فی مورده. نعم، فی مقام إثبات الحكم للأشخاص والمصادیق لابدّ من إحراز مصداقیة هذا الشخص لما هو موضوع الحكم حتى یضمّ إلى الكبرى الكلّیة المستفادة من الدلیل وتؤخذ النتیجة بأنّ هذا الشخص محكومٌ بحكم كذائی.

ولذا وقعت منّا المناقشة فی مبحث البراءة مع الشیخ&، حیث إنّه قال فی الرسالة بإجراء البراءة العقلیة والشرعیة فی الشبهات الموضوعیة.

ووجه المناقشة: أنّ العقل حاكم بأنّ وظیفة المولى لیس إلّا الأحكام الكلّیة فبعد إعمال المولى وظیفته تتمّ حجّته على العبد لو لم یأت بما أمره به، سواء كان ذلك من أجل الاشتباه فی الموضوع أو غیره. والسرّ فی ذلك: أنّ ما یتلقّى من الشارع ـ ووظیفته أن یبیّنه لیس إلّا الأحكام الكلیة، ومن الواضح أنّ بیانه هذا حجّة لثبوت الحكم ـ فى الموضوع الكلّی، ولذا لا یصحّ الاعتذار ولا یقبل عذر المكلّف لو خالف أمره فی

 

الشبهة الموضوعیة بالنسبة إلى هذا الحكم، ولا یكون عقاب المولى عبده مع بیان ما هو حجّة لهذا الحكم الكلّی عقاباً بلا بیان ومؤاخذة بلا برهان.

وبالجملة: لا ریب فی أنّ حجّیة قول الشارع «لا تكرم الفسّاق من العلماء» لحرمة إكرام فسّاقهم على النحو الكلّی تمام ولا نحتاج معها إلى إحراز المصداق. فعلى هذا، نقول فی المقام: إنّ «أكرم العلماء»یدلّ على وجوب إكرام کلّ من كان عالماً واقعاً، وقوله: «لا تكرم الفسّاق منهم» یدلّ على عدم وجوب إكرام کلّ من كان منهم فاسقاً، وهذا حجّة على العبد ولو لم یحرز المصداق بعدُ. وأمّا العلم بالمصداق فإنّما یحتاج إلیه فی مقام إثبات الحكم للمصادیق، لا إثبات أصل الحكم. فعلى هذا، یـقصر «لا تكرم الفسّاق» شمول حجّیة العامّ وهو «أكرم العلماء» لکلّ من كان فاسقاً واقعاً ویمنع شموله له، فالعام لا یكون حجّة إلّا لوجوب إكرام غیر الفاسق من العلماء واقعاً. ففی مورد الشكّ فی أنّ هذا فاسق أم لیس بفاسق، لا یصحّ التمسّك بالعامّ؛ لأنّه وإن كان یشمله بظهوره ولكن قد وقع الشكّ فی حجّیته فی مورد هذا الفرد، لأنّه إن كان فاسقاً لا یكون العامّ حجّة له ودلیلاً على وجوب إكرامه، لأنّ المخصِّص قد اختصّ حجّیة العامّ فی غیر الفاسق، كما لا یخفى.

وممّا یدلّ على أنّ حجّیة الدلیل لإثبات الحكم الكلّی تامّة ولا تحتاج إلى إحراز وجود المصداق: ذهابهم إلى جواز التمسّك بالعامّ فی الشبهات المصداقیة إذا كان فی البین أصل موضوعی یحرز به فردیة المشتبه للعامّ.

والحاصل: أنّ أدلّة الأحكام الواقعیة ـ وهی الأحكام المتعلّقة بالموضوعات الواقعیة ـ حجّة فیما یستفاد منها من الأحكام الكلّیة المتعلّقة بالموضوعات الواقعیة، سواء تعلّق بهذه الموضوعات علم العبد أم لا، ولا حاجة فی حجّیتها إلى إحراز الصغریات ومصادیق الموضوعات. فأدلّة هذه الأحكام حجّة فیما یستفاد منها كان المصداق

 

معلوماً أو مشكوكاً. وفائدة حجّیتها كذلك إنّما هی استفادة حكم الصغریات فی موارد وجود الاُصول الموضوعیة، كما إذا شكّ فی فسق زید بعد عدالته، فإنّ مقتضـى دلیل: «لا تنقض... إلخ» الحكم بعدالته وترتیب آثارها. فلو لم تكن أدلّة الأحكام الواقعیة حجّة لإثبات الحكم الكلّی لا فائدة فی إحراز المصداق بالأصل، وتجری قاعدة قبح العقاب بلا بیان.

فبناءً على هذا، إذا قال المولى: «أكرم العلماء» لا إشكال فی تعلّق إرادته الاستعمالیة بوجوب إكرام کلّ من كان عالماً واقعاً، والأصل (وهو بناء العقلاء) یقتـضی توافق الإرادة الاستعمالیة مع الجدّیة، ولازم هذا حجیة قوله: «أكرم العلماء» لوجوب إكرام کلّ من كان عالماً واقعاً.

ثم إذا ورد من المولى دلیل مخصّص لهذه الكلّیة ـ المستفادة من إكرام العلماء ـ ومبیّن لأنّ الإرادة الاستعمالیة لیست طبقاً للإرادة الجدّیة، كما إذا قال: «لا تكرم الفسّاق منهم» فلازمه قصر حجّیة دلیل العامّ على کلّ من كان عالماً غیر فاسق واقعاً. لأنّ دلیل «لا تكرم الفسّاق منهم» مثل دلیل العامّ یفید عدم وجوب إكرام الفاسق الواقعی منهم على النحو الكلّی، وهو حجّة فی ذلك، لأنّ العقلاء یحملون الكلام الصادر من الحكیم على أنّ مراده الاستعمالی هو عین مراده الجدّی، فإذا شكّ فی فسق شخص لا یصحّ التمسّك بعموم «أكرم العلماء» لوجوب إكرامه؛ لأنّ حجّیته قد اختصّت بوجوب إكرام کلّ من كان من العلماء غیر فاسق واقعاً.

لا یقال: إنّ مقتضى الأصل المذكور ـ وهو تطابق الإرادتین ـ فی هذا المورد ـ الّذی شمول العموم له معلوم وشمول المخصِّص مشكوك ـ جواز التمسّك بالعامّ.

لأنّه یقال: إن اُرید بذلك جواز التمسّك بالعامّ لإثبات وجوب إكرام هذا الشخص واقعاً من جهة الأصل المذكور.

 

فلا یصحّ؛ لأنّه بعد أن أفاد دلیل المخصِّص عدم تطابق الإرادة الاستعمالیة مع الإرادة الجدیة إلّا إذا كان العالم غیر فاسق واقعاً لا مجال للتمسّك بهذا الأصل، ولیس بناء العرف والعقلاء على ذلك.

وإن اُرید جواز التمسّك بالعامّ لإثبات وجوب الإكرام ظاهراً، بمعنى أنّه وإن أفاد دلیل المخصّص عدم تطابق الإرادتین فی العامّ إلّا كذلك، ولكنّ العقلاء فی هذه الموارد یتمسّكون بالعامّ لإثبات الحكم للمشكوك، وهو حجّة ظاهراً.

ففیه: أنّ هذا غیر معقول بالنسبة إلى دلیل واحد، إذ الحكم الظاهری متأخّر عن الواقعی برتبتین، لأنّ الموضوع فی الحكم الظاهری هو الشكّ فی الحكم الواقعی، فلا یمكن ملاحظتهما معاً، فلا یكون العامّ حجّة لإثبات وجوب الإكرام ظاهراً فی هذا المورد.

 

([1]) النهاوندی، تشریح الاُصول، ص261؛ الکلانتری الطهرانی، مطارح الأنظار، ص194.

([2]) الخراسانی، کفایة الاُصول، ج1، ص342-343.

موضوع: 
نويسنده: 
کليد واژه: