جمعه: 10/فرو/1403 (الجمعة: 19/رمضان/1445)

بیان آخر لتصحیح جواز التمسّك والجواب عنه

لا یخفى علیك: أنّه ربما یقال لتصحیح جواز التمسّك بالعامّ فی الشبهة المصداقیة: بأنّ قول القائل: «أكرم العلماء» یدلّ على وجوب إكرام كلّ فرد من العلماء بعمومه الأفرادی، وعلى وجوب إكرام کلّ فرد من أفراد العلماء فی جمیع الحالات الّتی تفرض له ومن جملتها كونه: مشكوك العدالة والفسق، ومعلوم العدالة، أو الفسق بإطلاقه الأحوالی، فقوله: «لا تكرم الفسّاق منهم» یدلّ على خروج معلوم الفسق من العلماء، وأمّا الباقی فلا یعلم خروجه، فمقتضى أصالة العموم والإطلاق بقاء الفرد المشكوك تحت الحكم.

وفیه: أنّه إن اُرید بذلك أنّ لازم الإطلاق الأحوالی كون کلّ فرد موضوعاً للحكم فی حال كونه معلوم العدالة، وفی حال كونه متّصفاً بالصفة الكذائیة، وفی حال كونه مشكوك الفسق، حتى یكون کلّ واحد من هذه الحالات جزءاً للموضوع لكی یدلّ العامّ بإطلاقه الأحوالی على وجوب إكرام هذا الفرد فی حال كونه مشكوك الفسق ظاهراً؛ لأنّ الحكم الّذی اُخذ فی موضوعه الشكّ فی الواقع یكون ظاهریاً لا محالة.

 

فنقول: إنّه توهّم نشأ من الاشتباه فی معنى الإطلاق؛ وذلك لأنّ معنى الإطلاق لیس إلّا كون الموضوع المذكور فی القضیّة تامّاً فی موضوعیته للحكم من غیر دخل شیء آخر فیه، بمعنى أنّه كلّما وجد هذا الموضوع فحكمه لیس إلّا هذا، ولا دخالة للحالات فی سرایة الحكم إلى الفرد، فزید واجب الإكرام فی حال عدالته لكن بما أنّه عالم، وفی حال آخر من حالاته أیضاً بما أنّه عالم. وكذلك إذا قال: «أعتق رقبة» فمعنى الإطلاق فیه كون عتق الرقبة تمام الموضوع للحكم، فعتق هذه الرقبة مثلاً فی هذه الحالة مسقط للتكلیف لكن لا بما أنّه مقیّد بهذه الحالة ومتّصف بهذه الصفة بل بما أنّه عتق الرقبة فقط، وهكذا عتق هذه الرقبة فی حالة اُخرى وهكذا فی سائر الحالات. فعلى هذا، لا یكون العالم الّذی شكّ فی فسقه واجب الإكرام إلّا بما أنّه عالم لا بما أنّه عالم مشكوك الفسق، فلا یمكن أن یكون الفرد المشكوك فسقه محكوماً بحكم العامّ ظاهراً.

وإن اُرید أنّ الخاصّ إنّما یكون مخرِجاً لبعض الأفراد دون الحالات، فلا تكرم الفساق إنّما یخرَج به من تحت العامّ من كان معلوم الفسق من العلماء، وأمّا من شكّ فی فسقه منهم فیثبت وجوب إكرامه بالإطلاق الأحوالی؛ لأنّ أصالة تطابق الإرادتین إنّما اُخذت منّا لأجل دلیل المخصِّص بالنسبة إلى الأفراد المعلومة الفسق وأمّا فی مورد مشكوك الفسق فحجّیتهما باقیة على حالها.

فنقول: بعدما ذكرنا من أنّ مفاد دلیل المخصِّص هو عدم وجوب إكرام الفاسق الواقعی من العلماء، وأنّ لازمه قصر حجّیة العامّ فی وجوب إكرام العالم على غیر الفاسق الواقعی؛ لا یبقى مجال لهذا البیان، لأنّ مقتضى دلیل التخصیص عدم وجود أصالة التطابق بین الإرادتین إلّا فی العالم غیر الفاسق الواقعی، فما لم یعلم عدالته وفسقه لا یشمله العامّ بما أنّه حجّة.

وبعبارة اُخرى: التمسّك بالإطلاق الأحوالی فرع كون الفرد تحت عموم العامّ وهو العالم غیر الفاسق الواقعی، وكون هذا الفرد تحت هذا العموم مشكوك.

 

وملخّص الكلام: أنّ قوله: «أكرم العلماء» یدلّ بضمیمة أصالة تطابق الإرادة الجدّیة مع الاستعمالیة على أنّ مراده الجدّی إنّما یكون إكرام کلّ فرد من العلماء، فإذا ورد: «لا تكرم الفسّاق منهم» لا یبقى مجال لإجراء هذا الأصل مطلقاً، ولا یبقى هذا الأصل على حاله محفوظاً إلّا فی کلّ من كان عالماً غیر فاسق بحسب الواقع. فعلیه إذا شكّ فی فسق عالم، لا یصحّ التمسّك بعموم أكرم العلماء على وجوب إكرامه؛ لأنّه إنّما دلّ على وجوب إكرام العلماء إذا كانوا بحسب الواقع غیر متّصفین بالفسق، وهذا الفرد لا یعلم كونه كذلك.

لا یقال: هذا صحیح، ولكن هذا الفرد حیث لا یشمله دلیل المخصِّص ولا یكون حجّة على عدم وجوب إكرامه فیشمله العامّ؛ لأنّ كونه تحت العامّ لیس محلّ الإنكار، وتخصیصه بهذا الفرد منتفٍ بالأصل، فلا یكون مانعاً فیه من التمسّك بعموم العامّ.

فإنّه یقال: بعدما عرفت من أنّ دلیل المخصص قد قصّر حجّیة العامّ واختصّها بکلّ ما هو فرد للعالم غیر الفاسق بحسب الواقع، لا یبقى مجال للقول بشمول العامّ لهذا الفرد، وأنّه حجّة لوجوب إكرامه.

وإن قلت: إنّ العامّ یشمله بما هو مشكوك الحال وفی مقام الظاهر.

فنقول: لا یمكن أن یكون مبیّناً لحكمین یكون أحدهما متقدّماً على الآخر والآخر متأخّراً عنه.

موضوع: 
نويسنده: