شنبه: 1/ارد/1403 (السبت: 11/شوال/1445)

الفصل التاسع:
تعقب العامّ بضمیر راجع إلى بعض أفراده

لا یخفى علیك: أنّ من المباحث المذكورة فی الاُصول البحث فی تعقّب العامّ بضمیر یرجع إلى بعض أفراده هل یوجب ذلك تخصیص العامّ أم لا؟

ومنشأ البحث قوله تعالى: ﴿وَالْـمُطَلَّقاتُ یَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا یَحِلُّ لَـهُنَّ أَنْ یَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ الله فی أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ یُؤمِنَّ بِالله وَالْیَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فی ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحاً وَلَـهُنَّ مِثْلُ الَّذی عَلَیْهِنَّ بِالْـمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَیْهِنَّ دَرَجَةٌ وَالله‏ُ عَزِیزٌ حَكیمٌ([1]) من جهة اختصاص حكم جواز الرجوع بالمطلقة رجعیّاً دون غیرها، فیدور الأمر بین أن یكون المراد من المطلقات العموم، وكان الضمیر المذكور فی «بعولتهنّ» راجعاً إلى بعض المطلقات؛ أو كان المراد من «المطلقات» الرجعیات خاصّة، حتى یكون الضمیر راجعاً إلیها؛ أو یقال بعدم جواز التمسّك بالعموم فی المقام من جهة إجماله لوجود ما یصلح للقرینیة؟

إذا عرفت ذلك، فاعلم: أنّ المحقّق الخراسانی+ أفاد فی المقام: بأنّ الأمر دائر بین أن یتصرّف فی العامّ ویقال بإرادة خصوص ما اُرید من الضمیر وارتكاب خلاف الظاهر فی جانب العامّ؛ وبین إبقاء العامّ على حاله وارتكاب خلاف الظاهر فی ناحیة

 

الضمیر بإرجاعه إلى بعض ما هو المراد من مرجعه؛ أو إرجاعه إلى تمام ما هو المراد من مرجعه توسّعاً فی الإسناد بإسناد الحكم المسند إلى البعض حقیقة وإلى الكل توسّعاً، نحو «قتلوا بنو فلانٍ فلاناً» فإنّ القتل لا یصدر إلّا من أحدهم، ولكن اُسند إلى الجمیع لفرضهم وجوداً واحداً.

وهذا الوجه موجب لارتكاب خلاف الظاهر فی ناحیة هیئة «بُعُولَتُهُنَّ»؛ لأنّها تدلّ على أنّ بعل کلّ منهنّ أحقّ بردهنّ، وحیث إنّ بناء العقلاء على حجّیة أصالة الظهور لیس إلّا فیما إذا كان الشكّ فی المراد، وأمّا إذا كان الشكّ فی كیفیّة الإرادة والاستعمال مع معلومیة المراد فلم یعلم بناءً منهم على حجّیتها، فلا یصحّ التمسّك بها لإثبات استعمال الضمیر فی تمام أفراد المرجع، حتى یقع التعارض بینها وأصالة الظهور الّتی تكون فی طرف العامّ، فیبقى أصالة الظهور فی طرف العامّ سلیمة عن المعارض.

ثم أفاد بأنّ هذا ـ یعنی التمسّك بأصالة العموم ـ إنّما یصحّ إذا انعقد للعامّ ظهور فی العموم بأن لا یكتنف الكلام بما یوجب إجماله كاكتناف الكلام بالضمیر فیما نحن فیه، وإلّا فیحكم علیه بالإجمال، فلابدّ من الرجوع إلى ما تقتضیه الاُصول العملیة.([2])

وفیه أوّلاً: أنّ احتمال رجوع الضمیر إلى بعض أفراد المطلقات مع إرادة العموم منه ممّا لا ینبغی الالتفات إلیه. وكذلك الاحتمال الثالث، أعنی رجوع الضمیر إلى تمام ما اُرید من لفظ المطلقات على نحو المجاز فی الإسناد لا المجاز فی الكلمة.

أمّا الاحتمال الثانی، وهو: أن یكون الضمیر مستعملاً مجازاً فی بعض ما اُرید من المرجع، فنقول: قد ذكرنا فی أوّل الكتاب عند البحث عن المبهمات بأنّ كلّها موضوعة للإشارة لا لمفهوم الإشارة([3]) وما وضع له هذا اللفظ بل لما یشیر به وتوجد به الإشارة،

 

سواء فی ذلك أسماء الإشارة والموصولات والضمائر، وذلك إنّما یكون من جهة أنّ ذكر ما یشار إلیه وما یرجع إلیه الضمیر یوجب تطویل الكلام فوضعوا هذه الألفاظ للإشارة إلیه إذا كان فیما یشار إلیه جهة تعیّن تصحّ الإشارة إلیه من هذه الجهة، فوضعوا لفظ هذا وهذه وغیرهما للإشارة إلى من كان تعیّنه حضوره، وضمیر الخطاب ك«أنت» و«أنتم» لأن یشیر به إلى من كان جهة تعیّنه طرفیّته للكلام والخطاب؛ وكذلك «أنا» للمتكلّم لأنّ جهة تعیّنه وأوضح ما به یمكن الإشارة إلیه هو كونه متكلّماً؛ ووضعوا ضمیر الغائب ك «هو» و«هی» و«هنّ» للإشارة إلى ما تكون جهة تعیّنه كونه مذكوراً فی السابق.

فعلى هذا، إذا استعمل الضمیر لابدّ وأن یكون مرجعه مذكوراً فی الكلام ولا یمكن استعماله وإرادة ما لم یكن مذكوراً فی الكلام منه، ففیما نحن فیه لا یصحّ احتمال أن یكون الضمیر راجعاً إلى بعض العامّ مع إرادة العموم منه.

وأمّا الاحتمال الثالث، ففیه: أنّ إسناد الشـیء المسند إلى البعض حقیقة إلى الكلّ توسّعاً، بأن یفرض المجموع وجوداً واحداً على أن یكون المجاز فی الإسناد، صحیح إذا كان الكلّ ملحوظاً شیئاً واحداً كما ذكر وبنحو العامّ المجموعی، وأمّا إذا لم یكن كذلك واُرید الكلّ بنحو العامّ الاستغراقی، كما هو الحال فی «بُعُولَتُهُنَّ» لأنّ کلّ واحد من البعولة یكون موضوعاً للحكم فلا معنى لإسناد حكم جواز الرجوع فی كلّ واحد من المطلّقات إلى الجمیع، ولیس هذا من قبیل قولهم: «بنو فلانٍ قتلوا فلاناً» إذا قتله رجل منهم.

وثانیاً: ما أفاده من أنّ الكلام إذا كان مكتنفاً بما یوجب إجماله فلا مجال للتمسّك بأصالة العموم ولابدّ من الرجوع إلى الأصل العملی.

لیس فی محلّه؛ لأنّ الكلام یصیر مجملاً إذا كان مكتنفاً بقرینة متّصلة تدلّ على إرادة خلاف ظاهر الكلام، لا ما إذا كانت القرینة منفصلة، كما فیما نحن فیه فإنّ قوله تعالى:

 

﴿وَالْـمُطَلَّقَاتِ﴾ إلى قوله تعالى: ﴿بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِن‏﴾([4]) لیس فیه ما یصلح لإجمال ظهور العامّ؛ لأنّ الظاهر أنّ «المطلّقات» استعمل فی العموم وضمیر ﴿بُعُولَتُهُنَّ﴾ یكون راجعاً إلیه إلّا أنّه قد علم من الخارج كون المراد من قوله تعالى: ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ ﴾ خصوص الرجعیات.

هذا، والّذی ینبغی أن یقال فی المقام: ـ بعدما ذكرنا سابقاً من أنّ الأصل تطابق الإرادة الجدّیة مع الاستعمالیة فی کلّ مورد شكّ فیه إلّا إذا ثبت خلافه ـ إنّ مقتضى هذا الأصل إرادة العموم من «المطلّقات»، وكون ضمیر «بُعُولَتُهُنَّ» راجعاً إلى «المطلّقات» ویراد منه بالإرادة الاستعمالیة جمیع المطلّقات. لكن بسبب القرینة الخارجیة لا مجال للتمسّك بالأصل المذكور بالنسبة إلى الضمیر إلّا فی الرجعیات. والله تعالى أعلم.

 

 

 

([1]) البقرة، 228.

([2]) الخراسانی، کفایة الاُصول، ج1، ص362 363.

([3]) کما توهّمه جماعة علی ما نقل فی حاشیة السیّد الشریف علی المطوّل (ص70).

([4]). البقرة،  228.

موضوع: 
نويسنده: