شنبه: 1/ارد/1403 (السبت: 11/شوال/1445)

الفصل الثانی عشر:
جواز تخصیص الكتاب بخبر الواحد

الحقّ جواز التمسّك بخبر الواحد المعتبر بالخصوص لتخصیص الكتاب، وإن كان ربما یستدلّ لعدم الجواز بوجوه ذكرها فی الكفایة.([1])

أحدها: كون الكتاب قطعیّ السند والخبر ظنیّ السند، ولا یعقل صحّة القول بتخصیص ما هو القطعیّ بالظنیّ.([2])

وثانیها: عدم دلالة دلیل حجّیة الخبر إلّا فیما لم یكن مخالفاً للكتاب، لأنّ مدرك حجّیته لیس إلّا الإجماع، والقدر المتیقّن منه ما لم یكن مخالفاً للكتاب.([3])

وثالثها: لزوم جواز إثبات النسخ بخبر الواحد أیضاً؛ لأنّ النسخ قسم من التخصیص، فإنّه یخصّص العموم ـ فی دلالته على جمیع الأزمان ـ ببعض الأزمنة، والخاصّ یخصّصه ببعض الأفراد ویوجب التـصرّف فیه بالنسبة إلى العموم الأفرادی.([4])

 

رابعها: الأخبار الدالّة على وجوب طرح الخبر المخالف للقرآن.([5]) وهی كما یظهر من تتبّع مواردها على وجوه:

الأوّل: مایدلّ على طرح الخبر الّذی لم یكن له شاهد أو شاهدان من كتاب الله تعالى.([6])

وهذا بظاهره مخالف لحجّیة الخبر مطلقاً ولو لم یكن فی مقابله عموم الكتاب؛ لأنّ ظاهره عدم وجود مقتضی الحجّیة فی الخبر بنفسه، وعند ضمّ شاهد أو شاهدین من كتاب الله تعالى فالحجّة إنّما یكون كتاب الله‏ تعالى لا الخبر.

الثانی: الأخبار الواردة لعلاج الخبرین المتعارضین ووجوب الأخذ بما كان موافقاً للكتاب وطرح المخالف.([7])

الثالث: ما یدلّ على عدم صدور خبر مخالف للكتاب عنهم^.([8])

الرابع: ما یدلّ على لزوم عرض الأخبار على الكتاب، فإن وافقته یجب أخذها، وإلّا یجب طرحها.([9])

واستدلّ لجواز التمسّك بخبر الواحد فی مقابل عموم الكتاب بالسیرة المستمرّة من

 

زمان الأئمة^ إلى زماننا هذا من جمیع العلماء والأصحاب على العمل بأخبار الآحاد فی قبال عمومات الكتاب. ولو قلنا بعدم جواز ذلك لانسدّ باب الفقه والاستنباط فی جلّ الأحكام، ولزم تعطیل عمدة الأحكام؛ لأنّه ما من روایة إلّا وفی قبالها عموم من الكتاب وإن كان من قبیل قوله تعالى: ﴿خَلَقَ لَكُمْ مَا فِی الْأَرْضِ جَمِیعاً﴾.([10])

وأمّا الجواب عن الوجوه الّتی تمسّكوا بها لإثبات عدم الجواز، فیرد على الأوّل: أنّ الكتاب وإن كان سنده قطعیاً إلّا أنّ دلالته لا تكون قطعیة، فلابدّ من فهم المرادات منه من إعمال الاُصول العقلائیة، كأصالة تطابق الإرادة الاستعمالیة مع الجدّیة، وهذه الاُصول إنّما تجری إذا لم تكن على خلافه قرینة وإلّا فیعمل بالقرینة، وخبر الواحد المعتبر قرینة على عدم تطابق الإرادة الاستعمالیة مع الجدّیة فی عموم الكتاب.

وكون سنده ظنّیاً لا یكون مانعاً من قرینیته بعد دلالة الدلیل على حجّیته وإلغاء احتمال الخلاف بالنسبة إلیه، فهو لا یكون إلّا كالخبر المقطوع الصدور.

ویرد على الثانی: أنّ دلیل حجّیة خبر الواحد لیس الإجماع حتى یقال بقیامه على ما لم یكن مخالفاً للكتاب ولو كانت مخالفته على نحو العموم والخصوص، بل دلیل حجّیته بناء العقلاء وطریقتهم على الأخذ بالخبر الموثّق، والشارع قد أمضى ذلك، كما حقّقنا فی محلّه بأنّ حجّیته لیست تأسیسیة، بل الشارع قرّر وأمضى هذه السیرة المستمرّة العقلائیة الّتی یحتجّ بها المولى على عبده لو خالف أمره الّذی أخبره به مخبر موثّق مثلاً.

ویرد على الثالث (وهو لزوم جواز إثبات النسخ بخبر الواحد لو قلنا بجواز تخصیص العامّ به):

بأنّ الفارق قیام الإجماع على عدم جواز النسخ به؛ وإن لم یثبت هذا الإجماع فلا مانع من الالتزام به.

 

ویرد على الرابع (وهو دلالة كثیر من الأخبار على وجوب طرح كلّ خبر مخالف للكتاب): بأنّ الطائفة الاُولى من هذه الأخبار لو فرضنا حجّیتها، فهی مع عدم تجاوزها من حدیثین معارضة بأخبار كثیرة دالّة على وجوب الأخذ بالروایات، وإمضاء الشارع بناءَ العقلاء واستقرار سیرتهم على الأخذ بما أخبر به المخبر الموثّق؛ لأنّ هذه الطائفة إنّما تدلّ على عدم حجّیة الخبر مطلقاً إلّا إذا كان له شاهد أو شاهدان من كتاب الله.

وأمّا الطائفة الثانیة، فلا ربط لها بمحلّ الكلام؛ لأنّها واردة لأجل علاج التعارض الواقع بین الخبرین.

وأمّا الطائفة الثالثة، فمضافاً إلى إمكان أن یكون المراد بالمخالف ما كان مبایناً، یحتمل قویّاً أن یكون راجعاً إلى الأخبار المرویّة عنهم فی اُصول الدین.

وأمّا الطائفة الرابعة، فلیس دلالتها أزید من لزوم طرح روایة لا توافق الكتاب ولا تلائمه، وأمّا الروایة الّتی تكون بینها وبین الكتاب ملائمة ولو كانت على نحو العموم والخصوص، فلا یجب طرحها.

والحاصل: أنّه بعد العلم باستقرار سیرة جمیع المسلمین وأصحاب الأئمّة^ فی جمیع أبواب الفقة على الأخذ بخبر الواحد ولو كان على خلافه عموم الكتاب لا مجال للتمسّك بهذه الروایات، فلابدّ من طرحها أو حملها على ما لا ینافی ذلك.

 

 

([1]) الخراسانی، کفایة الاُصول، ج1، ص366 367.

([2]) الطوسی، العدّة فی اُصول الفقه، ج1، ص344؛ شرح العضدی علی مختـصر ابن الحاجب (ص247)؛ العاملی، معالم الدین، ص141.

([3]) الطوسی، العدّة فی اُصول الفقه، ج1، ص344 345.

([4]) الطوسی، العدّة فی اُصول الفقه، ج1، ص345؛ العاملی، معالم الدین، ص141.

([5]) الطوسی، العدّة فی اُصول الفقه، ج1، ص350.

([6]) الکلینی ، الکافی، ج1، ص69، ح2؛ ج2، ص222، ح4؛ البرقی، المحاسن، ج1، ص225، ح145؛ الحرّ العاملی، وسائل الشیعة، کتاب القضاء، أبواب صفات القاضی، ج27، ص110، ب9، ح11.

([7]) الکلینی، الکافی، ج1، ص67 ـ 68، ح10، باب اختلاف الحدیث؛ الصدوق، عیون أخبار الرضا7، ج2، ص20، ح45؛ الحرّ العاملی، وسائل الشیعة، کتاب القضاء، أبواب صفات القاضی، ج27، ص112 ـ 115، ب9، ح19، 21.

([8]) الکلینی، الکافی، ج1، ص69، ح5؛ العیّاشی، تفسیر، ج1، ص9، ح7؛ الطوسی، التبیان فی تفسیر القرآن، ج1، ص5؛ الحرّ العاملی، وسائل الشیعة، کتاب القضاء، أبواب صفات القاضی، ج27، ص106 ـ 134، ب9.

([9]) راجع: ابن إدریس الحلّی، مستطرفات السرائر، ص69، ح17؛ البروجردی، جامع أحادیث الشیعة، ج1، ص66، أبواب المقدمات، ب6.

([10]) البقرة، 29.

موضوع: 
نويسنده: