پنجشنبه: 9/فرو/1403 (الخميس: 18/رمضان/1445)

 

الأمر الثانی:
فی ملاك الإطلاق والتقیید

بعدما عرفت معنى الإطلاق والتقیید، فاعلم: أنّ ما هو ملاك الإطلاق والتقیید على ما یظهر من عباراتهم ملاحظة الشیاع والسریان فی المعنى وعدمها. فإذا لوحظ فی الماهیة شیاعها وسریانها فی أفرادها تكون مطلقة. وإذا لوحظت مع ضمّ شیء إلیها تكون مقیّدة.

ولا یخفى ما فیه: فإنّ الشیاع والسریان لازم المعنى وذاتیّ الماهیة، فلا یعقل دلالة اللفظ علیه تارة وعدمها اُخرى.

فما هو الملاك فی إطلاق اللفظ والمعنى لیس إلّا ملاحظة الحاكم معنىً من المعانی تمام موضوع حكمه، بحیث لا یحتاج شموله لجمیع أفراده إلى ضمّ ضمیمة مثل «رقبة» فی قولنا: «أعتق رقبة». والملاك تقییدهما لحاظه مع ضمّ ضمیمة إلیه كقوله: «أعتق رقبة مؤمنة»، فإنّ عتق الرقبة لا یكون تمام موضوع حكمه مطلقاً، بل إذا كانت متّصفة بصفة الإیمان.

وبالجملة: لا ریب فی أنّ المفاهیم الّتی لها شیاع وسریان مثل النكرة كرجل، واسم الجنس نحو الرجل، تارة: تكون فی موضوعیّتها للحكم بحیث یكون شمول الحكم لتمام أفرادها على السواء مثل: «أعتق رقبة»، واُخرى: لا تكون كذلك مثل: «أحلّ الله

 

البیع»، فإنّ هذا الحكم لیس ثابتاً لجمیع أفراد البیع، فبعض أفراده مثل «بیع المجهول» یكون خارجاً عن هذا الحكم ولا یشمله هذا الحكم.

وإنّما الخلاف فی أنّ الملاك والمناط الّذی به یكون تارة نسبة الحكم إلى جمیع أفراده على السواء، واُخرى لا یكون كذلك هل هو أنّ الآمر لاحظ الشیاع والسریان الموجود فی موضوع الحكم ولحاظه هذا هو العلّة لتساوی نسبة جمیع الأفراد إلى الحكم، وعدم لحاظه كذلك سبب لافتراق نسبة الأفراد إلى الحكم، أو أنّ ملاك تساوی الأفراد لحاظ الموضوع مقیّداً بالشیاع والسریان، وملاك عدمه عدم تقیّده بذلك؟

فلا ریب فی عدم كون الوجه الأخیر هو الملاك. لأنّ الماهیّة مع لحاظ الشیاع والسریان ومقیّدة بهذا القید لا یمكن انطباقها على ما فی الخارج.([1])

وأمّا الوجه الأوّل، ففیه: أنّ الشیاع والسریان ذاتیّ لما من شأنه هذا، ولا یعقل أن یكون لحاظ ذلك دخیلاً فی شیاعه وسریانه، فمفهوم رجل یصدق على کلّ فرد من أفراده لوحظ فیه ذلك أم لا.

فالّذی ینبغی أن یقال: إنّ الملاك کلّ الملاك، كما یظهر بعد التأمّل فی كلماتهم([2]) وإعطاء حقّ الدقّة فیها، لیس إلّا أنّ الحاكم ـ سواء كان من الحُكّام العرفیین أو الشرعیین ـ تارة یلاحظ مفهوماً من المفاهیم الّتی لها شیاع وسریان فی موضوع حكمه بحیث كان تمام مركب حكمه هذه الطبیعة لیس إلّا، ولا تكون موضوعیّتها للحكم مقیّدة بقید تكون نسبة تمام أفراد هذه الطبیعة بالنسبة إلى حكمه متساویة، واُخرى لم یلاحظه كذلك بل یلاحظ المعنى مقیّداً بقید ومتخصَّصاً بخصوصیة لا تكون نسبة

 

جمیع أفراد الطبیعة إلى الحكم سواء؛ فالأوّل هو ملاك الإطلاق، والثانی ملاك التقیید. ألا ترى أنّ الفقهاء كما أشرنا إلیه یقولون بتقیید الرقبة المذكورة فی الآیة فی كفّارة قتل الخطأ، وبإطلاقها فی كفّارة الیمین، واختلفوا فی إطلاقها وتقییدها فی الظهار، فهل تجد لهذا منشأً وملاكاً غیر ما ذكرناه أو هل یصحّ أن یقال: إنّ الرقبة المذكورة فی هذه الآیات الكریمة لا تدلّ بذاتها على الشیاع والسریان؟

وأظنّ أنّ ما نسب إلى المشهور من أنّ المطلق ما لوحظ فی معناه الشیاع والـسریان([3]) بمعنى تقیید المعنى بلحاظه كذلك، حتى یكون استعماله فی المقیّد مجازاً من جهة إلغاء هذا القید، وما نسب إلى السلطان+ فی مقام الجواب بأنّ المعنى لیس مقیّداً بقید اللحاظ بل الموضوع له هو الماهیة اللابشرط فلا یكون استعماله فی المقیّد مجازاً.([4])

لیس فی محلّه. بل لعلّ أن یكون مراد المشهور أنّ الشیاع والسریان حیث یكون من ذاتیّات المعانی من غیر دخل لحاظ تقیّده بذلك وعدمه فیه یكون استعمال المطلق فی المقیّد مجازاً؛ لأنّه موجب لإلغاء الشیاع والسریان الّذی یكون فی المعنى، ویصیر من باب استعمال اللفظ الموضوع للجزء فی الكلّ وهو الرقبة المقیّدة بخصوصیة زائدة، فأجاب السلطان+ عنهم بأنّ هذا یتّجه إذا استعمل الرقبة فی الرقبة المؤمنة من غیر ذكر المؤمنة فی الكلام، وأمّا إذا استعمل الرقبة فی معناه الّذی له الشیاع والسریان وبیّن تقیّدها بالإیمان بدالّ آخر كما فی قولنا: «أعتق رقبة مؤمنة» حتى یكون من باب تعدّد الدالّ والمدلول فلا یكون موجباً للمجاز، كما لا یخفى.([5])

 

فتحصل ممّا ذكرنا فی ملاك الإطلاق والتقیید: أنّ اتّصاف المعانی بهما لیس باعتبار نفس ذواتها. وبتعبیر آخر: لا تكون صفة بحال الموصوف، بل صفة بحال متعلّق الموصوف؛ لأنّ المعنى تارة: یؤخذ موضوعاً للحكم ویكون تمام أفراده بالنسبة إلیه فی الموضوعیة على السواء، وتارة: لا یكون كذلك، فالأوّل هو المطلق والثانی المقیّد.

وبعبارة اُخرى: موضوع الحكم إذا كان فی موضوعیته للحكم مطلقاً یتّصف المعنى الّذی لوحظ موضوعاً له بالإطلاق، وإلّا فیتّصف بالتقیّد، فتدبّر.

 


([1]) کما فی الکفایة (الخراسانی، ج1، ص378).

([2]) راجع: الشریف المرتضی، الذریعة إلی اُصول الشـریعة، ج1، ص 275 277؛ الطوسی، العدّة فی اُصول الفقه، ج1، ص329 333.

([3]) قد مرّ تعریفهم فی بدایة البحث بأنّ المطلق ما دلّ علی شائع فی جنسه.

([4]) العاملی، معالم الدین (حاشیه سلطان العلماء)، ص155. ونقله أیضاً فی مطارح الأنظار (الکلانتری الطهرانی، ص217).

([5]) الکلانتری الطهرانی، مطارح الأنظار، ص217.

موضوع: 
نويسنده: