پنجشنبه: 9/فرو/1403 (الخميس: 18/رمضان/1445)

الأمر الرابع:
فی اعتبارات الماهیة وتقسیمها

لا یخفى عدم ارتباط ما نحن فیه بما ذكره علماء المعقول من اعتبارات الماهیة([1]) فی المباحث المتعلّقة بها، ولكن حیث أشار المحقّق الخراسانی+ وغیره من الاُصولیّین إلیها، وإلى الإشكال المذكور فی كتب المعقول وهو: دخول المقسم فی الأقسام، فلا بأس ببیان ما هو الحقّ فی المقام وإن كان خارجاً عمّا نحن بصدده، فنقول:

إعلم: أنّ أهل المعقول فی مقام تعیین الماهیة الّتی یحمل علیها الكلّی أفادوا بأنّ الماهیّة قد تعتبر وتلاحظ بشرط أن یكون معها شیء، وهی الماهیة المخلوطة وبـشرط شیء.

وقد تعتبر بشرط عدم اقترانها مع شیء، وهی الماهیة المجرّدة وبـشرط لا. وحیث اعتبر تجرّدها عمّا عداها فلا وجود لها حتى فی الذهن.

لا یقال: إذا كان كذلك، أی لا وجود لها حتى فی الذهن، فكیف تكون من الاعتبارات الذهنیة؟

لأنّه یقال: هذا نظیر شبهة المعدوم المطلق، والمجهول المطلق، وبیانه: أنّ المعدوم

 

المطلق إذا كان یمتنع الحكم علیه، فكیف یحكم علیه بامتناع الحكم علیه مع أنّ الحكم متوقّف على تصوّر الموضوع والمحمول، وكلّ ما یتصوّر فی الذهن فهو موجود ولابدّ أن یحكم علیه بالإمكان لا بالامتناع؟ وهكذا المجهول المطلق؛ إذ لا یمكن أن یخبر عنه، فكیف یخبر عنه بعدم إمكان الإخبار عنه؟

والجواب: أنّ الحاكم فی حكمه على المعدوم المطلق بامتناع الحكم علیه، والمخبِر فی إخباره عن المجهول المطلق بعدم إمكان الإخبار عنه یكون غافلاً عن تقرّره فی الذهن وتحقّقه فی عالم الذهن، ویشیر بسبب هذا الّذی فی ذهنه ـ وله نورانیة ضعیفة ـ إلى ما یكون ظلمة بحتاً وعدماً صرفاً.

والإشكال المتوهّم فی المقام إنّما یكون نظیر هذا الإشكال، ببیان: أنّ الماهیة المعتبرة فیها عدم وجود شیء معها إذا لم یمكن تحقّقها لا فی عالم الخارج ولا فی عالم الذهن كیف تصیر ملحوظة ومعتبرة مع أنّ اعتبارها لا یمكن إلّا بوجودها فی الذهن؟

وجوابه: أنّ المعتبِر یعتبر الماهیة بشرط لا ویشیر بسبب ما تصوّره ولاحظه إلى الماهیّة الّتی لا یحكم علیها ویكون غافلاً حین الاعتبار عن تقرّرها فی الذهن وتحقّقها فیه.

وقد تعتبر الماهیة مطلقة ومن غیر تقیّدها بقید عدم شیء معها أو وجود شیء معها، وهذه الماهیة المطلقة واللابشرط، وهی الّتی یحمل علیه الكلّی الطبیعی ویعرضها.

وقد اختلفوا فی وجودها وعدمها، فذهب بعضهم: إلى عدم إمكان وجودها.

وذهب أكثرهم: إلى أنّها موجودة؛ لأنّ الماهیة المخلوطة وبـشرط شیء إذا كانت موجودة فی الخارج فلابدّ أن تكون هذه أیضا كذلك، فإنّ الماهیة اللابشرط یجتمع مع ألف شرط، فهى موجودة مع بشرط شیء.

ولا یخفى علیك: أنّه لا یكون واحد من هذه الأقسام مقیّداً باللحاظ والاعتبار وإلّا یمتنع وجوده إلّا فی الذهن.

 

وقد اُشكل على تقسیم الماهیة بهذه الأقسام بلزوم دخول المقسم فی الأقسام؛ لأنّ المقسم لیس إلّا ذات الماهیّة لا بشرط وجود شیء معها ولا بـشرط عدم وجود شیء معها وهذه لیست إلّا الماهیة الّتی اعتبرت عدم تقییدها باقتران شیء معها وعدمه.

وأجاب بعضهم عن هذا الإشكال:([2]) بأنّ المقسم إنّما هو ذات الماهیة لا بـشرط الاقتران ولا بشرط عدم الاقتران، والقسم هو الماهیة المقیّدة بقید عدم تقیّدها بلحوق شیء إلیها وعدم لحوق شیء بها. فعلى هذا، یكون المعروض للكلّی هو الماهیّة اللابشرط المقسمی([3]) دون القسمی.

ولكنّ الحقّ فی مقام الجواب أن یقال: إنّ هذا التقسیم كما یستفاد من عبائرهم مثل قولهم: «إنّ الماهیة تعتبر، أو تلاحظ، أو اعتبارات الماهیة» إنّما یكون راجعاً إلى اعتبار الماهیّة، فالمقسم هو اعتبار الماهیة ولحاظها، فلا یكون داخلاً فی الأقسام. وعلى هذا الجواب یكون المعروض للكلّی وما یحمل علیه، هو الماهیة اللابشرط القسمی.([4])

فتلخّص ممّا ذكر أنّ أهل المعقول فی مقام تعیین الماهیة الّتی یحمل علیها الكلّی أفادوا بأنّ الماهیة تارة: تعتبر بشرط لا، وهذه لا یمكن أن یحمل علیها الكلّی. واُخرى: تعتبر بشرط وجود شیء معها، فهذه أیضاً لا یمكن حمل الكلّی الطبیعی علیها. وثالثة: تعتبر لا بشرط أی بدون تقیّدها بالمتشخّص وعدمه، فهذه هی الماهیة الّتی یعرضهاالكلّی وتسمّى بالكلّی الطبیعی.

 

 

([1]) انظر ما ذکروه من اعتبارات الماهیّة فی شرح الإشارات، قسم المنطق، ص43 وما یلیها؛ کشف المراد، الفصل الثانی من المقصد الأوّل فی الماهیة ولواحقها؛ نهایة المرام فی علم الکلام بتحقیقنا (العلّامة الحلّی، ج1، ص164 166).

([2]) السبزواری، شرح المنظومة، قسم الحکمة، ص97؛ الکلانتری الطهرانی، مطارح الأنظار، ص216؛ النائینی، فوائد الاُصول، ج 2، ص569.

([3]) ذهب إلیه السبزواری فی شرح المنظومة، قسم المنطق، ص21 22، وقسم الحکمة، ص97.

([4]) کما ذهب إلیه المحقّق الطوسی فی التجرید.

موضوع: 
نويسنده: