سه شنبه: 28/فرو/1403 (الثلاثاء: 7/شوال/1445)

الأمر الثانی:
مراتب الحكم

قد أفاد شیخنا العلّامة&: أنّ للحكم مراتب أربع([1])وقسّمه باعتبارها إلى:

الشأنی: وهو وجود شأنیة الوجود له، واقتضاء وجوده من دون أن یكون بالفعل موجوداً؛ وذلك بأن تكون فی الفعل مصلحةٌ مقتضیةٌ للبعث إلیه، أو مفسدةٌ مقتضیةٌ للزجر عنه.

والإنشائی: وذلك بأن یكون للحكم وجودٌ إنشائیٌ من دون أن یكون له بعث وزجر وترخیص فعلاً؛ وذلك بأن یكون للمولى مثلاً سجلٌّ یسجّل فیها أحكامه الراجعة إلى عبیده ولكن لم یخاطبهم ولم یصل ما كتب فیه إلى مرتبة البعث والزجر.

والفعلی: وهو كونه متوجّهاً إلى العبد وباعثاً وزاجراً من دون أن یكون منجّزاً بحیث یعاقب علیه.

والمنجّز: وهو وجود ذلك له مع تنجّزه فعلاً.

وقد أفاد أخیراً بأنّ للحكم خمس مراتب:

أوّلها: مرتبة الاقتضاء.

ثانیها: مرتبة الإنشاء.

 

ثالثها: مرتبة البعث والزجر، ویعبّر عنه فی هذه المرتبة بالحكم الفعلی ما قبل التنجّز.

رابعها: مرتبة الفعلیة، وهی مرتبة علم المکلّف بالحكم، ویعبّر عنه فی هذه المرتبة بالحكم الفعلی مع التنجّز.

خامسها: مرتبة التنجّز.

هذا، ولكن لنا أن نقول: إنّ الاختلاف فی المرتبة إنّما یتصوّر فی الحقائق المختلفة فی الشدّة والضعف وغیرهما. وبعبارة اُخرى: فیما هو مقولٌ بالتشكیك، وتكون الحقیقة فی جمیع المراتب محفوظةً. وأمّا إذا لم تكن الحقیقة فی جمیع المراتب محفوظةً بل كان کلّ منها حقیقةً خاصّةً، لا یصحّ عدّها من مراتب شیءٍ واحدٍ.

فعلى هذا، وجود المصلحة فی الفعل أو المفسدة، بحیث تكون له شأنیة ترتّب الحكم علیه، لیس من مراتب الحكم والتكلیف.

كما أنّ الإنشاء أیضاً لیس من مراتبه؛ فإنّ الحكم عبارة عن البعث والزجر وهما مفاد قولنا: «إفعل» و«لا تفعل»، ومن الواضح أنّ الحكم الإنشائی ـ بمعنى تسجیله فی السجلّ كما أفاده ـ لیس من مراتب الحكم والتكلیف، لعدم تحقّق حقیقة الحكم وهو البعث والزجر فیه.

وأمّا التنجّز، فهو أیضاً لیس من مراتب الحكم، بل یحصل من تقارن الحكم مع أمر خارج عن حقیقته، وهو وصوله إلى المکلّف.

والّذی ینبغی أن یقال: إنّ الحكم، أی الأمر والنهی، إنّما یقال على إنشائهما لانبعاث المکلّف نحو الفعل وإیجابه لبعثه وتحریكه إلیه أو لزجره عنه. ولكن لا یترتّب علیه انبعاث العبد أو انزجاره عن الفعل الّذی هو روح الحكم إلّا فی صورة علم العبد به. فعلى هذا، تكون للحكم مرتبتان:

أوّلهما: مرتبة الإنشاء، وهی عبارة عن: إنشاء الحكم لینبعث العبد ویتحّرك نحو

 

الفعل، أو ینزجر عنه. وبعبارة اُخرى: هذه المرتبة عبارة عن: إنشاء ما یصلح لأن یكون داعیاً للعبد أو زاجراً له بعد علمه به.

لا نقول: إنّ إنشاءه وبعثه وزجره متوجّهٌ إلى من یعلم به، بل إنّما ینشأ أمره ونهیه مطلقاً، وهو لا یصلح إلّا لانبعاث من علم به.

ثانیتهما: مرتبة الفعلیة وترتّب الانبعاث علیه، وهی فیما إذا حصل العلم به للمكلّف وهو الحكم الإنشائی الفعلی.

لا یقال: لا حاجة لترتّب الانبعاث على الحكم إلى علم المکلّف به، بل یكفی فی ذلك احتمال وجود الأمر.

فإنّه یقال: لیس الانبعاث على هذا أثراً للحكم ومترتّباً علیه، بل هو مترتّب على احتمال وجود الأمر، وهو حاصلٌ ولو لم یكن أمرٌ واقعاً، فلابدّ لوصول الحكم إلى مرتبة الفعلیة من علم العبد به. ولیس معناه أنّ الحكم مقیّدٌ بالعلم؛ لأنّه مستلزم للدور، بل المراد أنّ المولى لا یرید انبعاث العبد بالحكم الّذی أنشأه مطلقاً بل إذا كان عالماً به.

نعم، لا مانع من إیجاب المولى ـ لحفظ المصلحة الكامنة فی المأمور به، أو عدم وقوع العبد فی مفسدة الفعل المنهیّ عنه استصلاحاً لحال العبد ـ الاحتیاط علیه فیما إذا احتمل وجود الأمر أو النهی حتى ینبعث نحو الفعل المأمور به أو ینزجر عن الفعل المنهیّ عنه، أو یعیّن له طریقاً وأمارةً على الحكم لینبعث نحوه، كأن یقول: إذا قام خبر الواحد أو الشهرة على وجوب فعلٍ أو حرمته إعمل به. وإذا كنت متیقّناً فی حكمٍ ثم شككت فیه فابن على بقائه. ویعبّر عن هذه الأحكام بالأحكام الظاهریة الطریقیة الّتی لیست لها مصلحة إلّا مصلحة حفظ الأحكام الواقعیّة، ولیس لها استقلالٌ ونفسیةٌ كالأحكام الواقعیة.

 

ومن هنا یظهر أنّ ما أفاده الشیخ& ـ ولعلّه المرضیّ عند المحقّق الخراسانی فی مبحث الظنّ ـ  من القول بأنّ حجّیة الطرق والأمارات إمّا أن تكون من باب الطریقیة أو من باب الموضوعیة. لیس فی محلّه؛ لأنّ مثل هذه الأحكام الّتی لیست لها نفسیّةٌ ومصلحةٌ إلّا بملاحظة الأحكام الواقعیة لا یتصوّر فیها موضوعیةٌ ومصلحةٌ حتى یصحّ هذا التقسیم.

 

 

 

([1])  الخراسانی، حاشیة کتاب فرائد الاُصول، ص36، 314؛ الخراسانی، كفایة الاُصول، ج2، ص8 .

موضوع: 
نويسنده: 
کليد واژه: