جمعه: 31/فرو/1403 (الجمعة: 10/شوال/1445)

فی المسألة أقوال

نسب إلى المحقّق الخوانساری+ والقمّی+ عدم تنجّزه به مطلقاً،([1]) وجواز المخالفة القطعیة، وسیجیء الكلام فیما فی هذه النسبة.

وذهب الشیخ+ إلى كونه علّة تامّة لعدم جواز المخالفة القطعیة، ومقتضیاً لوجوب الموافقة القطعیة،([2]) بمعنى أنّه لو لم یمنع من اقتضائه مانع وارتكب المخالفة

 

الاحتمالیة وصادف المعصیة استحقّ العقاب، ولكنّ للشارع المنع من اقتضائه بالنسبة إلى الموافقة القطعیة والإذن فی المخالفة الاحتمالیة.

واختار المحقّق الخراسانی+ كونه مقتضیاً مطلقاً، فیجوز أن یمنع الشارع من اقتضائه ویرخّص العبد حتى فی المخالفة القطعیة.([3])

وهنا وجه آخر هو المختار، وهو: كون العلم علّة تامّة لتنجّز التكلیف المعلوم بالإجمال، فلا یجوز الترخیص فی المخالفة وإن كانت احتمالیة.

وأمّا الوجه الثالث من الوجوه المذكورة فی کلام الشیخ+ وهو الفرق بین الشبهة فی الموضوع والشبهة فی الحكم، فیجوز فی الأوّل دون الثانی،([4]) فلم أقف على وجود قائل به، كالوجه الرابع، وهو: الفرق بین كون الحكم المشتبه فی موضوعین واحداً بالنوع كوجوب أحد الشیئین وبین اختلافه كوجوب شیء وحرمة آخر.([5])

وقبل الخوض فی الكلام ینبغی التنبیه على أمر وهو: أنّه لا ریب فی اُصولیة البحث عن حجّیة العلم الإجمالی كالعلم التفصیلی.

ولا اعتناء بما فی بعض الكلمات من أنّ النزاع فی العلم الإجمالی إنّما یكون من المسائل الاُصولیة إن كان مرجعه إلى إثبات الحكم به وعدمه، وأمّا إن كان راجعاً إلى استحقاق العبد للعقاب فی صورة المخالفة، فهو بالمسائل الكلامیة أشبه.

فإنّ المراد من أشبهیته بالمسائل الكلامیة إن كان هو النزاع فی جواز عقابه وعدم قبحه حتى یرجع النزاع إلى ما یصحّ صدوره عنه وما یمتنع.

ففیه: أنّ المبحوث عنه فی الكلام جواز صدور فعل القبیح عن الله تعالى وعدمه ـ

 

فجوّزه الأشعری لإنكاره الحسن والقبح العقلیّین، وأنّ الحسن ما صدر منه والقبیح ما لم یصدر، وأنكره العدلیة ـ ولا یبحث فی علم الكلام عن مصادیق ذلك وخصوصیاته.

وإن كان المراد أنّ النزاع یرجع إلى المباحث المتعلّقة بالمعاد، من جهة انتهاء هذا المبحث إلى البحث عن فعلیة العذاب فی الآخرة وعدمها.

ففیه: أنّ المبحوث عنه فی المعاد لیس إلّا أصل المعاد والجزاء والثواب والعقاب والعذاب، ولا یبحث فیه عن فعلیة العذاب بالنسبة إلى كلّ واحد من المعاصی؛ لأنّ فعلیة العذاب لیس أمراً یمكن الاطّلاع علیه بخصوصیاته.

إذا عرفت ذلك، فاعلم: أنّ الحكم كما ذكرنا سابقاً هو إنشاء الخطاب لیكون باعثاً للعبد وسبباً لتحرّكه، أو زاجراً له وموجباً لانتهائه عن الفعل، ولا تتمّ سببیّته لذلك وعلّیته للانبعاث إلّا فی ظرف وصوله إلى العبد، فما لم یصل إلیه لا یترتّب علیه الانبعاث أو الانزجار، ولا تتحقّق له المرتبة الفعلیة، بل لیس له إلّا الشأنیة والصلاحیة لأن ینبعث العبد به، ویصیر فعلیّاً فی ظرف الوصول. ولیس عدم صیرورته فعلیاً فی ظرف عدم وصوله إلى العبد مع كونه صالحاً لأن یكون باعثاً للعبد لقصور فی ناحیة الحاكم، بل لقصور الخطاب وعدم إمكان صیرورته سبباً للانبعاث فی صورة الجهل، ولذا لا یرید الآمر انبعاث العبد بذلك الخطاب المتكفّل لهذا الحكم إلّا فی صورة وصوله وعلم العبد به، مع كون حكمه مطلقاً وغیر مقیّد بالعلم والجهل؛ فإنّ تقییده بالعلم موجب للدور، وبالجهل تكلیف بالمحال. ولذا لا مانع من أن یوجب المولى الاحتیاط أو ینصب طریقاً له فی صورة الاحتمال حتى ینبعث العبد بأمره هذا بعد وصوله إلیه أیضاً نحو التكلیف الواقعی. ولیس هذا  إلّا من جهة عدم تقیید الحكم بالعلم والجهل؛ لأنّه لو كان مقیّداً بالعلم لما كان مجال للخطاب الثانی رعایة للخطاب الأوّل، كما لا یخفى.

 

لا یقال: لا یتوقّف انبعاث العبد بالأمر على العلم به ووصوله إلیه بل یكفی فی ذلك احتمال الأمر.

فإنّه یقال: إنّ انبعاثه باحتمال الأمر أو تخیّل الأمر لیس انبعاثاً بالأمر؛ فإنّه لا یتحقّق إلّا فی ظرف العلم ووصول الحكم إلى مرتبة الفعلیة لأجل وصوله إلى العبد.

والحاصل: أنّ وصول الحكم إلى العبد موجب لفعلیّته وترتّب الانبعاث علیه، بل لیس فعلیّته غیر وصوله إلیه، فبعد وصول الحكم إلى هذه المرتبة لا مجال لعدم كونه فعلیاً. ولا فرق فی ذلك بین العلم التفصیلی والإجمالی؛ لأنّه على الفرض لیس لفعلیته مانع إلّا عدم وصوله إلى العبد، وبعد وصوله لا مجال لعدم فعلیته وترتّب الانبعاث أو الانزجار علیه، سواء كان المعلوم مجملاً أم لا. فالحكم كمایكون موجباً لتحریك العبد وباعثاً له نحو الفعل إذا علم بالتكلیف تفصیلاً ، كذلك یكون باعثاً له أیضاً إذا علم به إجمالاً.

ولا مجال للقول بعدم إمكان انزجاره به مثلاً من جهة التردّد فی المائع المعلوم حرمته بین المشتبهین. لإمكان انزجاره بتركهما معاً.

نعم، إذا كانت الشبهة بدویة حیث لم یصل الحكم فیها إلى العبد، لایمكن ترتّب الانبعاث أو الانزجار علیه، فلا یكون فعلیاً وإن كان له شأنیة ذلك، كما مرّ.

والحاصل: أنّا إذا فرضنا علم العبد بأنّ المولى بعثه بعثاً أكیداً إلى فعل معیّن، ولا یرضى بتركه هذا الفعل، ولكن متعلّق هذا البعث الأكید والإرادة الحتمیة اشتبه بین شیئین، فالوجدان حاكم بلزوم الإتیان بالمشتبهین تحصیلاً لما هو مطلوب المولى؛ لعدم وجود قصور فی بعثه وخطابه، وإمكان موجبیّته لانبعاث العبد وصلاحیته لتحریكه كما فی العلم التفصیلی.

فلو لم یأت العبد بما هو مطلوب المولى لتركه کلا المشتبهین، وعاقبه المولى على مخالفته هذه وعصیانه وخروجه عن رسم العبودیة لم یكن ظالماً ولا عقابه عقاباً بلا برهان.

 

وكذا إذا ترك ما هو مطلوب المولى من جهة تركه أحد المشتبهین مع إتیانه بالآخر، واتّفق كون ما تركه هو الواجب فللمولى أن یعاقبه على ذلك، لتحقّق عصیانه وخروجه عن رسم العبودیة، فهو عند العقل مستحقّ للعقاب.

فلو فرضنا أنّ أحد عبدیه ترك کلّ واحد من المشتبهین وارتكب المخالفة القطعیة، والآخر لم یترك إلّا واحداً منهما وارتكب المخالفة الاحتمالیة ولكن اتّفق كون المتروك هو الواجب فی البین، فالعقل یحكم باستحقاقهما للعقاب على وزان واحد، من غیر فرق بین من ارتكب المخالفة القطعیة، ومن ارتكب المخالفة الاحتمالیة مع عدم كون الواجب ما أتى به. ولا نعنی بتنجّز التكلیف المعلوم بالإجمال وفعلیته إلّا هذا.

 

([1]) الخوانساری، مشارق الشموس، ص281 - 282؛ القمّی، قوانین الاُصول، ج2، ص25؛ حاشیة المحقّق القمّی على کلام الخوانساری (ص37).

([2]) الأنصاری، فرائد الاُصول، ص21، 240.

([3]) الخراسانی، كفایة الاُصول، ج2، ص35.

([4]) الأنصاری، فرائد الاُصول، ص22.

([5]) الأنصاری، فرائد الاُصول، ص22.

موضوع: 
نويسنده: 
کليد واژه: