سه شنبه: 28/فرو/1403 (الثلاثاء: 7/شوال/1445)

التنبیه الثالث: نقاشٌ مع صاحب المعالم+ والشیخ الأنصاری+

لا یخفى علیك: أنّ ما ذكرناه فی تقریر دلیل الانسداد مناسبٌ لما ذكره صاحب المعالم+، فإنّه فی مقام ذكر أدلّة حجّیة خبر الواحد جعل الدلیل الرابع منها دلیل الانسداد.([1]) فإنّه لا یستفاد منه أكثر من حجّیة الخبر وإن كان یظهر من بعض عباراته كون الظنّ مرجعاً، فإنّه أفاد فی ما إذا دار الأمر بین الأخذ بالخبر المفید للظنّ والأخذ بالظنّ الأقوى منه بلزوم الأخذ بالظنّ الأقوى.

 

ولكنّه ظهر لك ممّا فصّلناه ـ من عدم كون الأحكام فعلیة مطلقاً بل ومع قیام الطریق القطعی إلیها، وأنّه لا تفاوت فی انسداد باب العلم بین زماننا وعصـر النبیّ والأئمّة^ والأعصار المتقدّمة على عصرهم لو لم نقل بانفتاحه فی زماننا بالنسبة إلى الأزمنة السابقة لسهولة العثور على الروایات بسبب جمعها مع الترتیب والتنظیم فی الكتب المدوّنه بعدما لم تكن كذلك وكانت متفرّقة عند الرواة ـ : أنّ الشارع أراد فعلیّة أحكامه وانتفاع عبیده منها من طریق النقل الموجب للظن النوعی ـ المعتبر عند العقلاء الاتّكال علیه ـ لا مطلق النقل ولو لم یكن ناقله موثّقاً، أو ضابطاً، أو ولو كان ناقله ممّن یحصل له العلم والظنّ بما لم یحصل لغالب الناس، ولا مطلق الظنّ ولو كان حاصلاً من الاستحسانات والقیاسات والجفر والرمل والرؤیا، بل الظنّ الموجب للظنّ النوعی الّذی لا یعدّ العامل به عاملاً بغیر العلم بل یعدّ أنّه عامل بالعلم، كما اُطلق العلم على مثل هذا الظنّ فی سورة الأنعام: ﴿أَمْ تَقُولُونَ عَلَى الله مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾؛([2]) وفی آیة اُخرى: ﴿أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ﴾؛([3]) فإنّ المراد بالعلم القابل للإخراج والعلم المأثور هو النقل المعتبر.

وممّا ذكرنا یظهر ما فی کلام الشیخ+ من أجوبته الثلاثة عن كون نتیجة دلیل الانسداد الكشف.([4])

أمّا وجهه الأوّل، وهو: أنّ المقدّمات المذكورة لا تستلزم جعل الظنّ ـ مطلقاً أو بشـرط حصوله من أسباب خاصّة ـ حجّةً من قبل الشارع، لجواز أن لا یجعل الشارع طریقاً للامتثال.

 

ففیه: أنّه إن أراد ـ بجواز أن لا یجعل الشارع طریقاً للامتثال ـ جعل الطریق تأسیساً، فهو مسلّمٌ. وإن أراد جوازه حتّى إمضاءً، فممنوعٌ.

وأمّا الوجه الثانی، وهو: أنّه على مبنى الكشف لا یجب أن یكون الظنّ حجّة بجعل الشارع، بل من الممكن جعله طریقاً آخر غیر مفیدٍ للظنّ فمن أین ثبت جعل الظنّ حجّة من قبله؟

ففیه: أنّه بعد القطع بعدم جعله طریقاً غیر هذه الطرق المتعارفة، لا مجال للاعتناء بهذا الاحتمال.

وأمّا الوجه الثالث، وهو: أنّ تعیین بعض الظنّون من بینها، كالظنّ الحاصل من النقل، لا یتمّ إلّا بضمیمة الإجماع، مع أنّ هذا خلاف تسمیة هذا الدلیل بالدلیل العقلی.

وفیه: أنّه لیس فی هذا كثیر إشكالٍ، فبعد تمامیة الدلیل سمّه ما شئت.

والحاصل: أنّ نتیجة دلیل الانسداد هی: كون النقل الّذی یعتمد علیه العقلاء مرجعاً فی إحراز الأحكام، كما مرّ ذكره فی التنبیه الثانی. والقول برجوع هذا الدلیل أیضاً إلى بناء العقلاء قریبٌ جدّاً. نعم، یوجد فرقٌ بینهما وهو أنّ فی تقریر دلیل العقل لا تذكر مقدّمة انسداد باب العلم إلى الأحكام، لكونها مركوزة فی أذهان العقلاء وابتناء حكمهم على حجّیة خبر العادل علیها، وفی دلیل الانسداد یصـرّحون بتلك المقدمة، وهذا لا یمنع من رجوع هذا الدلیل إلى بناء العقلاء. فلا مانع من أن نقول برجوع جمیع الأدلّة إلى بناء العقلاء. أمّا الآیات من أنّ واحدة منها لا تدلّ على حجّیته تأسیساً. وهكذا حال الأخبار. وأمّا الإجماع، فقد ظهر أنّ الإجماع القولی لیس فی البین، وأنّ ما هو فی البین هو الإجماع العملی واستقرار طریقتهم على العمل بالخبر، ولا ریب فی أنّ ذلك لیس بما أنّهم مسلمون أو فقهاء بل بما أنّهم عقلاء، كما هو دأب أهل سائر الفرق والمذاهب.

 

 

([1]) العاملی، معالم الدین، ص192.

([2]) البقرة، 80 .

([3]) الأحقاف، 4.

([4]) الأنصاری، فرائد الاُصول، ص140.

موضوع: 
نويسنده: