پنجشنبه: 9/فرو/1403 (الخميس: 18/رمضان/1445)

الأمر الثانی: أصالة الحظر

إنّ الأصل فی الأفعال غیر الضروریة قبل الـشرع هو الحظر، وحیث إنّ مدرك ذهاب القائلین بالحظر إلى هذا القول حكم العقل بقبح التصرّف فیما هو ملكٌ للغیر وتحت سلطانه بدون إذنه، فیستكشف من قاعدة الملازمة حكم الشـرع على تحریمه

 

أیضاً. فالانتفاع من الأعیان الخارجیة لا یجوز إلّا بإذن الله تعالى، فإنّ کلّ ما فی دار التحقّق والوجود ملكٌ له وهو مالكه، فالانتفاع من الأعیان الخارجیة تصرّفٌ فی ملكه وسلطانه، وهو بلا إذنٍ منه قبیحٌ عقلاً وظلمٌ، فیكون حراماً شرعاً للقاعدة المذكورة. وبعد ذلك لا مجال للقول بعدم استحقاق العقاب وعدم تنجّز التكلیف المحتمل وإباحة ارتكاب محتمل الحرمة عقلاً وشرعاً، فإنّه إنّما یتمّ إذا لم یكن فی البین منجّزٌ للتكلیف غیر احتماله. فلا منافاة بین القول بعدم تنجّز التكلیف بمجرّد الاحتمال وبین الحكم بتنجّز محتمل الحرمة لهذه القاعدة.

وفیه: أنّه وإن وقع الاختلاف بین العلماء فی أنّ الأصل فی الأفعال قبل الشـرع هل هو الحظر أو الإباحة (وغرضهم من قبل الشـرع لیس قبل شرع الإسلام أو شریعةٍ اُخرى، بل غرضهم قبل أن یصدر من الشارع بالنسبة إلیه تكلیفٌ وحكمٌ من الأحكام الخمسة)، وقد ذهبت معتزلة بغداد، وابن أبی هریرة من الشافعیة، وجماعة من قدماء الإمامیة إلى الحظر، ولكن لیس لهم على ذلك حجّة قاطعة فإنّهم استدلّوا ـ كما ذكر ـ بأنّ التصـرّف فی الأعیان الخارجیة تصرّفٌ فی ملكه سبحانه وهو قبیحٌ وحرامٌ عقلاً وشرعاً. ومن یرى منهم تعمیم ذلك الحظر بالنسبة إلى جمیع أفعال المکلّف یقول: إنّ العبد أیضاً ملكٌ لخالقه وما اُوتی من نعمة البصر والید واللسان وغیرها من الأعضاء والقوى الظاهرة والباطنة ملكٌ له فلا یحسن صرفها بدون إذنه ویستقبح العقل التصرّف فیه، وهكذا حال الشرع لقاعدة الملازمة.

ولكن لنا أن ننكر أصل حكم العقل بالحظر بالملاك المذكور بالنسبة إلى العبید ومولاهم الحقیقی، فإنّ التصرّف فی ملك الغیر إنّما یحكم علیه بالقبح لو كان منطبقاً مع عنوان من العناوین المقبحة العقلیة كالظلم، وإلّا فلیس کلّ تصرّفٍ فی ملك الغیر قبیحاً وحراماً عقلیاً. نعم، إذا كان ذلك التصرّف خلاف غرض المولى ومزاحماً مع سلطانه ومالكیته یصیر قبیحاً بملاك وقوعه تحت عنوان الظلم.

 

وأمّا إذا لم یكن كذلك، كتصرّفات العباد غیر المنافیة لمالكیة مالك السماوات والأرضین وسلطانه فلا یكون قبیحاً وظلماً. ویؤیّد ذلك قوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زینَةَ الله الَّتی أَخْرَجَ لِعبَادِهِ وَالطیِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ([1]) وغیرها من الآیات، فإنّ هذه الآیة لیست فی مقام إنكار تحریم زینة الله الّتی أخرجها لعباده من جانب الشـرع، أو إنشاء حكم الحلّیة وجواز الانتفاع عمّا أخرجه لعباده. بل هی فی مقام بیان عدم وجود مناطٍ ودلیلٍ من العقل والشرع على ذلك، وتوبیخ من یحرم على نفسه ما أخرجه لعباده من غیر دلیلٍ عقلیٍ ولا شرعیٍ، وأنّ الأفعال والانتفاع ممّا أخرجه لعباده بحسب الطبع الأوّلی لیس حراماً، ولا یكون المنتفع منه مع عدم صدور حكم حرمته من الشـرع مستوجباً للتقبیح عند العقل. وإلّا فلو كان ذلك عند العقل قبیحاً لصحّ الجواب عن الاستفهام المذكور فی الآیة بأنّ العقل حاكمٌ بقبح التصرّف فی ملك الله‏ تعالى من غیر إذنٍ منه. 

 

([1]) الأعراف، 32.

موضوع: 
نويسنده: 
کليد واژه: