جمعه: 31/فرو/1403 (الجمعة: 10/شوال/1445)

الأمر الثانى: فی المراد من المرفوع

إعلم: أنّه بعد ما لا یمكن بالضرورة إسناد الرفع إلى المذكورات حقیقةً وإخباراً عن الواقع، لاستلزامه الكذب والإخبار عمّا هو خلاف الواقع، فلابدّ أن یكون إسناده إلیها إمّا بتقدیر المؤاخذة؛([1]) حتى یكون المرفوع المؤاخذة، والرفع مسنداً إلیها.

وإمّا بلحاظ رفع المؤاخذة علیها وكونها مرفوعةً من باب نفی ما یقتضیه إثبات أمرٍ بنفی ذلك الأمر. وبعبارة اُخرى: رفع المؤاخذة برفع ما یمكن المؤاخذة علیه، لیكون مصحّح نفی المذكورات عدم المؤاخذة علیها.

وإمّا بلحاظ نفی الأثر الظاهر لكلٍّ منها، أو تمام الآثار المترتبة على کلّ منها، بنفی المؤثّر بلحاظ نفی الأثر، فیكون إخباراً عن عدم تأثیر المؤثّر فی إیجاد أثره، أو عدم كونه مؤثّراً مطلقاً.

وإذا لم یكن المتكلّم جالساً على كرسیّ التشریع یكون کلامه محمولاً على الإخبار والرفع التكوینی وظاهراً فیه. وإذا كان شارعاً یكون کلامه على الصور الثلاث

 

الأخیرة ظاهراً فی التشریع، وعلى الصورة الاُولى یكون ظاهرا فی الإخبار عن الرفع التكوینی. فاحتمالها مرجوح جدّاً لا یعبأ به. بل فی الصورة الاُولى من الصور الثلاث إذا كان رفع المذكورات بلحاظ رفع المؤاخذة عنها أیضاً یكون ظاهراً فی الإخبار عن الرفع التكوینی لا الإنشاء والتشریع.

فإن قلت: إنّ ما ینبغی أن یكون مرفوعاً من قبل الشارع وإن كان هو الحكم الشرعی، إلّا أنّ لازم رفعه رفع المؤاخذة، فأخبر عن وجود الملزوم بوجود اللازم، فلا ینافی استفادة الرفع التشریعی من الحدیث الشریف كون المراد من رفع المذكورات رفع المؤاخذة عنها.

قلت: هذا لا یستقیم؛ لأنّه إذا كان الغرض والمراد الأصلی الإخبار عن وجود الملزوم فكیف یكون المراد وجود اللازم؟ ولماذا لم یخبر عنه بلا واسطة اللازم؟

اللّهمّ إلّا أن یقال: إنّ الكلام جرى مجازاً، فاُرید الملزوم بالإخبار عن وجود اللازم.

وفیه: منع الظهور، كما لا یخفى.

هذا مضافاً إلى أنّ إسناد الرفع إلى هذه المذكورات، كما أفاده الشیخ+، بلحاظ رفع المؤاخذة لا یستقیم بالنسبة إلى جمیعها؛ فإنّ رفع المؤاخذة بالنسبة إلى الثلاثة الأخیرة (الحسد والطیرة والوسوسة فی التفكّر فی الخلق) یصحّ بلحاظ رفع واحدة منها فی عالم التشـریع وفرضها كأن لم تكن، فلا یتعلّق بها حكمٌ یكون العبد مأخوذا بمخالفته، وقد كان فیها اقتضاء جعل الحكم والمؤاخذة علیه. وبعبارةٍ اُخرى: رفع المؤاخذة علیها بلحاظ رفعها وعدم لحاظها موضوعاً لحكمٍ فی عالم التشریع مع وجود اقتضاء ذلك فیه.

وأمّا «ما لا یطیقون»، فلا یصحّ تعلّق الرفع به بلحاظ رفع المؤاخذة، لعدم صحّة المؤاخذة على ما لا یطیق ـ فعلاً كان كما فی الواجبات، أو تركاً كما فی المحرّمات ـ فلابدّ من أن یكون رفعه بلحاظ رفع حكمه لا المؤاخذة.

 

وأمّا النسیان،([2]) والخطأ،([3]) وما اضطرّوا إلیه، وما استكرهوا علیه، فلا مانع من كون المراد من رفعها رفع المؤاخذة والعقوبة علیها. كما لا مانع من كون المراد من رفعها عدم ترتّب أثرها الظاهر، أو آثارها الظاهرة علیها.

وعلى هذا، لا یتمّ إطلاق القول بأنّ رفع المذكورات فی الحدیث یكون بلحاظ رفع المواخذة علیها، لعدم تمامیة ذلك فی بعضها، کـ «ما لا یطیقون».

وأمّا إن كان المراد رفع أظهر الآثار، فهو بالنسبة إلى الثلاثة الأخیرة وإن كان هو «الحرمة»، وبالنسبة إلى ما «لا یطیقون» «الإلزام»، لكن لیس لما اضطرّوا إلیه وما استكرهوا علیه أثرٌ خاصٌ ظاهرٌ، بل یختلف بالنسبة إلى الموارد الّتی ینطبق علیها عنوان الاضطرار والإكراه، فلیس لهما أثرٌ ظاهرٌ بهما، بخلاف الحسد، والطیرة، والوسوسة، وما لا یطیقون.

 

([1]) الأنصاری، فرائد الاُصول، ص195 - 196.

([2]) النسیان: الذهول عمّا یعلم، كحرمة شیءٍ أو وجوبه، أو كون شیءٍ مال الغیر، أو خمراً.

([3]) الخطأ: الجزم على خلاف الواقع.

موضوع: 
نويسنده: 
کليد واژه: