پنجشنبه: 9/فرو/1403 (الخميس: 18/رمضان/1445)

الفرع الثانی: رفع النسیان لا ینفی وجوب القضاء

إذا نسی واجباً لیس له قضاء ولا یترتب على تركه ـ شرعاً ـ أمرٌ آخر كالكفّارة، فلا یشمله حدیث الرفع، لما قلنا من أنّ المستفاد منه الرفع التـشریعی ولا یدلّ على رفع المؤاخذة، لأنّها وعدمها من الاُمور التكوینیة.  وأمّا إن كان تركه موجباً لوجوب القضاء أو كان ذلك مشكوكاً فیه، ففی دلالة رفع النسیان فی الحدیث على عدم وجوب القضاء إشكالٌ. والأقوى عدم شموله؛ لأنّه متوقّفٌ على دلالته على جعل الترك والعدم كالوجود، وهو متوقّفٌ على صحّة تعلّق الرفع بالعدم وهو غیر معقولٍ، لأنّ العدم لیس شیئا حتى یرفع، فلا یتعلّق الرفع إلّا بالأمر الموجود دون المعدوم، فالعدم لا یكون رافعاً ولا مرفوعاً ولا یؤثّر ولا یتأثّر ولا یحصّل ولا یحصّل.

لا یقال: إنّ معنى رفع العدم تشریعاً ـ بهذه القرینة العقلیة ـ رفع حكمه الشرعی.

فإنّه یقال: لیس العدم موضوعاً لحكمٍ حتى یصحّ رفعه بلسان رفع موضوعه، وثبوت القضاء مترتّبٌ على فوت الوجود.

هذا مضافاً إلى أنّه لو قلنا بشمول حدیث الرفع لأمثال هذا المورد، فلا یشمل قضاء الصلاة لخروجه عن تحته بما ورد بالخصوص على وجوب قضاء الصلاة إذا فاتت بالنسیان والنوم وغیرهما، هذا.

وربما یقال لوجه منع شمول الحدیث لما إذا كان الترك موجباً للقضاء: إنّ معنى رفع النسیان والخطأ وتنزیلهما منزلة العدم هو: أنّ الفعل الصادر على أحد الوجهین یكون كأن لم یصدر على هذا الوجه.

وهذا المعنى بظاهره فاسدٌ، لاستلزامه ترتیب آثار العمد على الفعل الصادر عن الخطأ والنسیان، وذلك ینافی الامتنان والتوسعة، فلابدّ وأن یكون المراد من رفع الخطأ والنسیان رفع الفعل الصادر عن الخطأ أو النسیان كـشرب الخمر ـ والعیاذ بالله ـ ، یعنی جعل الفعل كالعدم وكأنّه لم یصدر من هذا الشخص.

 

فیوافق مفاده مفاد رفع ما استكرهوا علیه وما اضطرّوا إلیه وما لا یطیقونه، فإنّ المرفوع فی هذه الثلاثة هو الفعل الّذی وقع عن الإكراه والاضطرار.

ثم إنّ الأحكام وضعیةً كانت أو تكلیفیةً إمّا أن تكون مترتّبةً على الفعل بلحاظ صرف الوجود أو بلحاظ مطلق الوجود، فإن كانت مترتّبةً علیه بلحاظ مطلق الوجود كشـرب الخمر، فلا ریب فی سقوط الحكم بمجرّد النسیان أو الخطأ كما أنّه باقٍ على تنجّزه بالنسبة إلى سائر أفراده. وأمّا إن كانت مترتّبةً علیه بلحاظ صرف الوجود، ففی شمول حدیث الرفع له إشكالٌ، فإنّ المنسیّ لیس محكوماً بحكمٍ حتى یرفع ویكون المراد من رفعه رفع حكمه، بل المتعلّق للوجوب صرف الوجود وفرد الكلّی وهو لم یـصر منسیّا، ولیس المنسـیّ شیئاً حتى یكون محكوماً بحكمٍ ویكون المراد من رفعه رفع حكمه.

وحاصل ما ذكر: أنّ الأحكام الوجوبیة حیث تكون مترتّبةً على موضوعاتها بلسان صرف الوجود، فلا ترفع بنسیانها فیما إذا لم یكن النسیان مستوعباً لتمام الوقت، وكذلك إن لم یكن مستوعباً لتمامه لأنّ المنسیّ لیس محكوماً بحكمٍ حتى یراد برفعه رفعه. فیختصّ رفع النسیان والخطأ بالأحكام التحریمیة.([1])

 


([1]) أقول: لعلّ ما ذكر لیس وافیاً بمراد السیّد الاُستاذ ولا بعض الأعلام الّذی حكى عنه فی مجلس الدرس، والله هو العالم بمرادهما.

وكیف كان، فقد أجاب السیّد الاُستاذ عنه بأنّ الأحكام الوجوبیة أیضاً ترتفع بالنسیان والخطأ كالأحكام التحریمیة، فكما أنّ فیما لا یطیقون لیس المرفوع أمراً وجودیاً، فإنّ ما لا طاقة للمكلّف به لم یوجد ومع ذلك هو مرفوعٌ برفع حكمه، فلیكن المنسیّ كذلك فهو مرفوعٌ برفع حكمه أیضاً. هذا مضافاً إلى أنّ النسیان الذی یکون علة لترك الواجب یتعلّق بنفس الواجب، والنسیان الّذی یكون علّة لفعل الحرام یتعلّق بحكمه أو سببه. وبعبارة اُخرى: المنسیّ فی الأوّل نفس الواجب، وفی الثانی حكمه، فلو كان ممّا لابدّ للمناقشة فیه فلیناقش فی الثانی.

نعم، لا یبعد دعوى اختصاص ذلك بالأحكام التحریمیة بالنسبة إلى الإكراه والاضطرار لمناسبة الحكم والموضوع. أقول: یمكن أن یقال بالفرق بین ما لا یطیقون والنسیان، فإنّ فی الأوّل لا یمكن أن یكون المرفوع أمراً وجودیاً بخلاف النسیان، فإنّ المنسیّ فی الأحكام التحریمیة وجودیّ ولا یلزم معه لغویة الرفع وما ذكره+ من الفرق كأنّه لیس بفارقٍ، والله هو العالم. [منه دام ظلّه العالی].

موضوع: 
نويسنده: