چهارشنبه: 29/فرو/1403 (الأربعاء: 8/شوال/1445)

هنا اُمورٌ ینبغی التنبیه علیها:

التنبیه الأوّل: دوران الأمر بین المطلق والمشروط

إنّه قد وقع الاختلاف فی الشكّ فی شرطیة شیءٍ للمأمور به، فاختار الشیخ+([1]) جریان البراءة فیه مطلقاً عقلاً ونقلاً، وسواءٌ كان الشرط منتزعاً عن ذات المشـروط باعتبار بعض الحالات الذاتیة أو الصفات العارضیة، كالإنسانیة للحیوان، والإیمان للرقبة؛ أو كان منتزعاً من شیءٍ مغایرٍ للمقیّد، كالصلاة المقیّدة بالطهارة المنتزعة عمّا یوجبها من الوضوء والغسل والتیمّم.

واختار بعضهم عدم جریان البراءة العقلیة فیه مطلقاً، كعدم جریان النقلیة منها فی الأوّل، وجریانها فی الثانی، وهو مختار المحقّق الخراسانی.([2])

أمّا عدم جریان البراءة العقلیة، فإنّ المقام أولى بعدم جریانها فیه من الشكّ فی الجزئیة؛ لأنّه نظیر المتباینین، ولا یمكن أن یكون المطلق أی الصلاة اللا بـشرط عن الطهارة أو الحیوان اللا بـشرط عن الإنسانیة متّصفاً باللزوم والمقدّمیة للصلاة المشـروطة بالطهارة وللحیوان المقیّد بالإنسانیة، فإنّ الأجزاء التحلیلیة لا تتّصف باللزوم من باب المقدّمة، فالصلاة المتضمّنة للطهارة المشروطة بها هی عین وجودها لا

 

مقدّمتها، وكذلك الحیوان المقیّد بوجوده للإنسان، أو الرقبة المقیّدة بقید الإیمان هو عین وجود الحیوان وعین وجود الرقبة.

وبالجملة: لا تجری فی المقام البراءة العقلیة.

وأمّا النقلیة، فتجری فی خصوص ما كان قید المأمور به منتزعاً عن أمرٍ خارجٍ عنه، كالطهارة المنتزعة من أسبابها، فیقال مثلاً: إنّ شرطیة الطهارة ـ الّتی تنتزع من الوضوء ـ ممّا لا یعلم، فهی مرفوعة برفع منشأ انتزاعها. بل یمكن رفعها أوّلاً، وبه یرفع وجوب منشأ انتزاعها.

وكیف كان، فقد عرفت فی ما حكینا قبل ذلك عن هامش الكفایة أنّ المحقّق الخراسانی عدل عمّا أفاد فی متن الكتاب من جریان البراءة النقلیة فی دوران الأمر بین الأقلّ والأكثر فی الأجزاء، وقال: لا مجال للنقل فی ما هو مورد لحكم العقل بالاحتیاط... إلخ.([3])

هذا، ولا یخفى علیك: أنّ ما ذكره المحقّق الخراسانی فی وجه عدم جریان البراءة العقلیة([4]) إنّما یرد على الشیخ لو كان مبناه فی جریانها انحلال العلم الإجمالی بالتفصیلی، وأمّا إذا كان دلیله هناك ما أشرنا إلیه ـ فی الشكّ فی الجزئیة ـ من أنّ وجوب الأقلّ بالوجوب الضمنی الانبساطی الشامل لجمیع الأجزاء معلومٌ تفصیلاً والزائد علیه مشكوكٌ مرفوعٌ بالأصل، فهنا یجری هذا الدلیل أیضاً، فیقال: إنّ العقل كما هو هناك حاكمٌ بقبح العقاب على ترك الجزء المشكوك، لعدم تنجّز الأمر به لعدم تعلّق العلم به وحاكم بتنجّز الأقلّ؛ فهنا أیضاً هو حاكمٌ بقبح العقاب على ترك الخصوصیة والقید المشكوك اعتباره فی المأمور به بعد إتیانه بما هو فاقد لتلك الخصوصیة. وهذه

 

الخصوصیة وإن كانت تنتزع عن الذات وهی عینها ـ ولیست كالجزء المشكوك الّتی هی غیر سائر الأجزاء حقیقةً ـ إلّا أنّ العقل یرى تقیید المأمور به بهذا الأمر الانتزاعی وملاحظته كذلك مساوقٌ لملاحظته غیره، فهو بهذا اللحاظ یكون مأموراً به ویقع الشكّ فی كونه مأموراً به وتقیید المأموربه به؛ فلهذا تجری بالنسبة إلیه قاعدة العقاب بلا بیان إن لم یعلم به، ویصحّ العقاب على إتیان المقیّد (بالفتح) به فاقداً له.

وبناءً على ذلك إذا تعلّق الأمر بمطلقٍ وشكّ فی تقییده بأمرٍ، سواءٌ كان التقید منتزعاً عن نفس الذات أو عن أمرٍ خارجٍ عن الذات، فالعقل مستقلٌّ بلزوم الإتیان بالمطلق وعدم جواز تركه رأساً، كما هو مستقلّ بعدم جواز العقاب على ترك الإتیان به فی ضمن الخاصّ. وهذا ما یستفاد من کلام الشیخ+، فراجع وتأمّل فی کلامه زید فی علوّ مقامه. وعلى هذا المبنى تجری فی نفی وجوب القید المشكوك البراءة العقلیة كالنقلیة، والله‏ هو الموفّق للصواب.

 

([1]) الأنصاری، فرائد الاُصول، ص284.

([2]) الخراسانی، كفایة الاُصول، ج2،  ص238.

([3]) انظر: الخراسانی، کفایة الاُصول، ج2، ص126، الهامش1.

([4]) الخراسانی، كفایة الاُصول، ج2، ص238.

موضوع: 
نويسنده: