چهارشنبه: 5/ارد/1403 (الأربعاء: 15/شوال/1445)

حكم الجاهل بعد إجراء البراءة

وأمّا الكلام فی أحكام العمل بالبراءة قبل الفحص، فاعلم: أنّ السیّد الاُستاذ+ أفاد بأنّ الأحكام المترتّبة على العمل بها قبل الفحص إمّا تلاحظ بالنسبة إلى من لم یبلغ مرتبة الاجتهاد، وإمّا بالنسبة إلى المجتهد.

أمّا المقلّد فتارة: یقع البحث فی تكلیف نفسه. واُخرى: فی حكم یفتی به المفتی إذا استفتاه المقلّد من الواقعة.

أمّا المقلّد نفسه، فلا ریب فی أنّه بعد العمل إذا التفت إلى أنّ له أحكاماً فشكّ لذلك فی صحّة عمله، یجب علیه الرجوع إلى مجتهد یجب الرجوع إلیه فی هذا الحال، أی حال الشكّ والسؤال، فما أفتاه به فیه هو الحجّة له وعلیه.

وأمّا المفتی، فیلاحظ تفاصیل الواقعة، فإن رأى أنّ عمل المقلّد وقع مطابقاً لفتوى من فتواه حجّة فی حقّه حین العمل ومطابقاً لفتوى نفسه، فلا إشكال فی صحّة عمله

 

ظاهراً، فیفتی بصحّته. وأمّا إن اختلفت الفتویان، فإن وقع مخالفاً لرأی من كان رأیه حجّة فی حقّه حین العمل، وموافقاً لرأی من رأیه حجّة حین التذكّر والسؤال، كأن كان رأی الأوّل بطلان الصلاة بلا سورة، وهو أتى بها فاقدة لها، ورأی الثانی عدم وجوب السورة وصحّتها بدونها، فإن كان مستند رأی المفتی الثانی القطع أو الدلیل القاطع الّذی یكون بحیث یقطع به بخطأ الأوّل، فلا ریب فی أنّ الواجب علیه أن یفتی بصحّته، فإنّه یرى عمله مطابقاً للواقع وإن كان مخالفاً لرأی من كان یجب علیه تقلیده حین العمل، فإنّ مخالفة العمل للطریق لا تضرّ بصحّة العمل إذا كان مطابقاً للواقع.

وأمّا إن كان مستند رأی المفتی أصل البراءة من وجوب السورة مثلاً، فلا یجوز له الإفتاء بصحّة العمل؛ فإنّ البراءة إنّما تجری إذا لم تكن حجّة على الحكم، وقول المفتی السابق بالوجوب كان عن حجّة، فلا یجوز للمفتی الّذی یقول بعدم الوجوب بالبراءة الفتوى بالصحّة؛ لأنّ العامل یرى عمله باطلاً مخالفاً للحجّة ومطابقته للواقع مشكوكة.

وهكذا یجری الكلام فی الخبرین المتعارضین المتكافئین على القول بالتخییر الشرعی، فإنّ الحجّة على الحكم ما یختاره المفتی، وما اختاره المفتی الأوّل جزئیة السورة وهو حجّة للمقلّد ویكون عمله السابق مخالفاً للحجّة، وما اختاره المفتی الثانی حجّة له لا تنفى به حجّیة فتوى الأوّل ولا كونها على خلاف الواقع، فلا تؤثّر فی ثبوت عدم الجزئیة فی زمان العمل، لأنّ حجّیة أحد المتعارضین إنّما تكون من زمان اختیاره لا قبله. مضافاً إلى أنّ حجّیة کلّ واحد منهما باختیار هذا المجتهد أحدهما والآخر غیره لا تعارض حجّیة الآخر.

هذا کلّه فی صورة المخالفة مع رأی السابق والموافقة مع اللاحق.

وأمّا صورة المطابقة مع رأی السابق والمخالفة مع اللاحق، فالحكم بالصحّة مبنیّ على القول بالإجزاء. مضافاً إلى كفایة مجرّد موافقة العمل مع الحكم الظاهری وعدم

 

اعتبار البناء علیه فی الإتیان بالعمل، وهذا هو نتیجة التحقیق فی المسألة لظهور أدلّة الاُصول والأمارات على الإجزاء ولو بالموافقة الاتّفاقیة، وقد مرّ البحث عن ذلك فی مبحث الإجزاء.

ثم إنّ ما ذكر، کلّه فی العبادات. وأمّا المعاملات فوقوع المعاملة على طبق الأمر الظاهریّ والحجّة، ككون العقد بالفارسیة سبباً للملكیّة، فی مقام الثبوت ممكن.

وفی مقام الإثبات أیضاً، فمقتـضى أدلّة الاُصول والإطلاقات حصول الملكیة بذلك. إلّا أن یقال بأنّ المعاملات تعتبر وجودات باقیات إلى زمان المفتی اللاحق وبعده، ویكون الوجود البقائی منها كالوجود الحدوثی منها یحتاج فی ترتّب الآثار علیه إلى فتوى المفتی اللاحق. ولكن ذلك وجه ضعیف لا یوافق سماحة الشریعة وقوّة أحكامها.

موضوع: 
نويسنده: