چهارشنبه: 5/ارد/1403 (الأربعاء: 15/شوال/1445)

التفصیل بین الشكّ فی المقتضی والرافع

ثم إنّه قد وقع الكلام بینهم فی مقدار شمول هذه الروایة وغیرها من الروایات، فمثل الشیخ الأنصاری اختار عدم شمولها لما یكون منشأ الشكّ فی البقاء الشكّ فی اقتضاء المقتضی للبقاء، مثل الشكّ فی بقاء السراج من جهة الشكّ فی استعداده للبقاء. بخلاف ما إذا كان ذلك معلوماً وشكّ فی حدوث الرافع مثل هبوب الریاح، أو فی رافعیة الموجود. فاختار اختصاصها بهذا وعدم جریانها فی الشكّ المسبّب عن الشكّ فی اقتضاء المقتضی.([1])

 

واختار صاحب الكفایة شمولها مطلقاً سواء كان الشكّ مسبّباً عن الشكّ فی استعداد المقتضی، أو فی حدوث الرافع أو فی مانعیة الموجود.([2])

وجه القول الأوّل: أنّ الیقین والشكّ إذا كانا متعلّقین بأمر فی زمان واحد یصحّ النهی عن نقض الیقین بالشكّ، كما هو كذلك فی الشكّ الساری. وأمّا إذا اختلف زمانهما وتعلّق الیقین بأمر فی زمان ثمّ شكّ فی بقائه فی زمان متأخّر عنه فلا یصحّ النهی عن نقض الیقین بذلك الشكّ، فإنّه لم یكن للشاكّ یقین حتى لا ینقضه بالشكّ، وبالنسبة إلى الزمان المتقدّم فالیقین به على حاله لم یعرض بالنسبة إلیه شكّ حتى ینهى عن نقض الیقین به بالشكّ، ففی الاستصحاب لا نقض للیقین المتقدّم حتى ینهى عنه بالشكّ المتأخّر عنه.

وبعبارة اُخرى: الیقین السابق لم یعرضه الشكّ والشكّ المتأخّر لم یعرض الیقین. فعلى هذا، حیث لا یصحّ إسناد النقض إلى الیقین لأنّ الیقین السابق فی ظرف وجوده لا ینقض بالشكّ اللاحق، بل كما قلنا یصحّ النهی عن نقض الیقین بالشكّ إذا كانا متّحدین زماناً، فلابدّ وأن یكون النقض مسنداً إلى المتیقّن ویكون المتیقّن ما هو مستحكم ومستمرّ بذاته حتى یستحسن النهی عن نقضه بالشكّ فی حدوث الرافع له، فلا یشمل الشكّ فی اقتضاء المقتضی لأنّ النهی عن نقض الیقین فیه بالشكّ كأنّه بلا موضوع.

وجه القول الثانی: أنّه لا وجه للعدول عن ظاهر اللفظ الدالّ على إسناد النقض إلى الیقین، وحمل الحقیقة على المجاز، لأنّ الیقین أمر بنفسه متقن متین محكم وإن كان متعلّقه لم یكن بمبرم.

والإشكال بأنّه یشترط فی إسناد نقض الیقین إلى الشكّ اتّحاد زمانهما وفی

 

الاستصحاب یكون الأمر بالعكس ویجب تعدّد زمانهما فلا ینقض الیقین فی الزمان المتقدّم المتعلّق بأمر بالشكّ فی بقائه فی الزمان المتأخّر.

یمكن أن یجاب عنه أنّ ذلك یصحّ بغضّ النظر عن لحاظ الزمان بالنسبة إلى الیقین والشكّ فهما قد تعلّقا بأمر واحد أی وجود المتیقّن وإن كان الیقین تعلّق بوجوده الحدوثی والشكّ بوجوده البقائی ولكن ذلك لا ینفی تعلّقهما بذات وجود الشـیء، وبهذا اللحاظ یصحّ فی العرف أن یقال: لا تنقض یقینك بذات شیء بالشكّ فی ذاته.

هذا، ولكن السیّد الاُستاذ+ بعد ما بیّن وجه القولین أفاد بأنّ الصحیحة ظاهرة فی حجّیة الاستصحاب بالنسبة الى الشكّ فى الرافع ـ لا بالوجه الّذی أشرنا إلیه بل ـ لأنّ ما اُخذ فی الصحیحة موضوعاً للاستصحاب والحكم بعدم نقض الیقین بالشكّ فیه هو الرافع.

وبعبارة اُخرى: موضوع الكلام فی الصحیحة الشكّ فی الرافع لا الشكّ فی أصل وجود المستصحب، وذلك لأنّ قوله×: «وإلّا» یستفاد منه وإن لا یستیقن أنّه قد نام أی شكّ فی حدوث الناقض فلا یجب علیه الوضوء، أی لا ینقض یقینه بعدم حدوث الناقض بالشكّ فیه؛ لا أنّه لا ینقض یقینه بالطهارة والوضوء الّتی فیها اقتضاء الدوام والاستمرار بالشكّ فیها.

وبعبارة اُخرى: الشكّ المفروض فی الصحیحة شكّ فی الناقض لا المنقوض فلا یشمل الشكّ فی اقتضاء المقتضی.

ولعلّ الاختلاف وقع بین مثل الشیخ وصاحب الكفایة لأنّهما اعتبرا الشكّ الواقع فی الحدیث، الشكّ فی الوضوء، فیجیء فیه ما ذكراه، دون الشكّ فی النوم.

وحاصل الكلام أنّ ما تدلّ علیه الصحیحة حكم الشكّ فی الرافع والناقض وأنّ الشكّ فیه لا یوجب رفع الید عن الیقین السابق بوجوده، ولا تدلّ على أزید من

 

ذلك كما إذا كان الشكّ فی البقاء ناشئاً عن الشكّ فی اقتضاء المستصحب للبقاء وعدمه، فتدبّر.

ولا یخفى علیك: أنّ ما ذكر هو الّذی یساعده الاعتبار، فإنّ للشك احتمالین، أحدهما: متعلّق بالوجود والآخر بالعدم، واحتمال العدم هو الّذی یكون ناقضاً للوجود وترتیب الأثر علیه یكون نقضاً ویكون النهی عن النقض وارداً علیه وهو احتمال الناقض، وأمّا احتمال وجوده فهو مؤكّد للبقاء، لا یكون ترتّب الأثر علیه نقضاً حتى یرد علیه النهی.

لا یقال: إنّ الشكّ فی الروایة اعتبر مضافاً إلى الوضوء لا الناقض.

فإنّه یقال: هذا الاحتمال فی حدّ نفسه لیس ببعید إلّا أنّه خلاف ظاهر الروایة، فتأمّل.

 

([1]) الأنصاری، فرائد الاُصول، ص361.

([2]) الخراسانی، كفایة الاُصول، ج2، ص285.

موضوع: 
نويسنده: