جمعه: 31/فرو/1403 (الجمعة: 10/شوال/1445)

والكلام فیها یقع فی جهات

الاُولى: فی تقریب الاستدلال بها وهو ما ذكر فی مقام الاستدلال بالصحیح السابق وأنّ المراد من الحدیث بیان القاعدة الكلّیة الارتكازیة ودرج المورد المذكور فیه فی تلك القاعدة، فلا حاجة إلى تكراره.

الثانیة: أنّه جاء فی المورد الأوّل من الروایة: «قلت: فإن ظننت أنّه أصابه ولم أتیقن ذلك فنظرت فلم أر شیئاً ثم صلیت فرأیت فیه»؟ قال×: «تغسله ولا تعید الصلاة»، قلت: «لم ذلك»؟ قال×: «لأنّك كنت على یقین من طهارتك فشككت فلیس ینبغی لك أن تنقض الیقین بالشك أبداً»، وهذه الفقرة تحتمل إحدى القاعدتین إمّا الاستصحاب وإمّا قاعدة الیقین.

بیان ذلك: أنّه معتبر فی الاستصحاب تعدّد زمان المتیقّن وزمان المشكوك بمعنى لزوم كون زمان المشكوك متأخّراً عن زمان المتیقّن وإن كان نفس زمان الیقین والشكّ متّحداً، فإذا كان المراد من قوله×: «لأنّك كنت على یقین من طهارتك» الیقین السابق على ظنّ إصابة النجاسة یكون قوله×: «فلیس ینبغی لك...» دلیلاً للاستصحاب.

ومن جانب آخر: یعتبر فى قاعدة الیقین اتّحاد زمان المتیقّن مع زمان المشكوك وإن كان زمان الیقین والشكّ فیهما متعدّداً. وبعبارة اُخرى: یعتبر فیها اتّحاد المتیقّن والمشكوك زماناً واختلاف الیقین والشكّ فیهما زماناً.

 

وبعبارة ثالثة: فی قاعده الیقین لا یتعدّد المتیقّن والمشكوك بتعلّق الیقین بالمتیقّن فی زمان والشكّ بالمشكوك فی زمان آخر، بخلاف قاعدة الاستصحاب حیث یتعدّد المتیقّن والمشكوك بتعلّق الیقین بالمتیقّن فی زمان وتعلّق الشكّ بالمشكوك فی زمان آخر.

فالفقرة المذكورة من الحدیث تنطبق على قاعدة الیقین إن كان المراد من قوله×: «لأنّك كنت على یقین من طهارتك» الیقین الحاصل بالفحص بعد الظنّ بالإصابة.

فعلى كون الفقرة ناظرة إلى قاعدة الاستصحاب لا یزول ـ برؤیة الدم بعد الصلاة ـ الیقین السابق على ظنّ إصابة النجاسة، بخلاف ما إذا كان المستفاد منها قاعدة الیقین، فالیقین الحاصل بالفحص بعد الظنّ بالإصابة یزول برؤیة الدم بعد الصلاة لا محالة.

وكیف كان لا ریب فی ظهور الفقرة فی الاستصحاب. واحتمال كونها ناظرة إلى قاعدة الیقین وكون الیقین فی قوله×: «لأنّك كنت على یقین من طهارتك» الیقین الحاصل بالفحص، ضعیف جدّاً.

الجهة الثالثة: قد استشكل الشیخ على الاستدلال بالفقرة لحجّیة الاستصحاب، وحاصله: أنّ مفاده عدم جواز نقض الیقین بالشكّ كما هو الظاهر من قوله× فیها: «لأنّك كنت على یقین من طهارتك ثمّ شككت فلیس ینبغی لك أن تنقض الیقین بالشكّ أبداً»، مع أنّ إعادة الصلاة بعد العلم بعدم وقوعها مع الطهارة الـمشروطة بها لیس نقضاً للیقین بالشكّ، بل هی عین نقض الیقین بالیقین، فكیف یعلّل عدم وجوب الإعادة بأنّها نقض للیقین بالشكّ. نعم، یصحّ أن یعلّل به جواز الدخول فی الصلاة لأنّه یلزم من عدم جوازه نقض الیقین بالشكّ، كما لا یخفى.([1])

واُجیب: بأنّه من الممكن أن یكون الإمام× أراد بیان ما هو شرط للصلاة فی حال

 

الشكّ فی الطهارة وأشار بقوله×: «لأنّك كنت...» أنّ الشـرط فی حال الشكّ إحراز الطهارة لا نفسها ووجودها الواقعی، فیجب أن یعمل به وهو مجزٍ عمّا هو علیه، وترك العمل به قبل كشف الخلاف، نقض للیقین بالشكّ. وبعبارة اُخرى: أنّه كان فی حال العمل واجداً لما هو الشرط أی إحراز الطهارة والیقین بإجزاء ما أتى به، وبعد الانكشاف یشكّ فی وجوب الإعادة ولا یجوز له نقض الیقین بالإجزاء وعدم وجوب الإعادة بالشكّ فیه، والمفروض أنّه لا ینكشف بانكشاف عدم كونه مع الطهارة عدم كونه مع ما هو الشـرط فی الصلاة، لأنّ الـشرط فیها هو إحراز الطهارة لا نفسها ووجودها الواقعی.([2])

فإن قلت: على هذا الفرض إذا كانت الطهارة المستصحبة لیست مـشروطة بها الصلاة فلیست هی بحكم شرعی ولا موضوعاً لحكم شرعی فما هو الوجه فی صحّة هذا الاستصحاب وتسمیته به على خلاف الاصطلاح؟

قلت: یمكن الجواب عن ذلك بأنّ مقتضى الأدلّة الأوّلیة اشتراط الصلاة بالطهارة الواقعیة، والاكتفاء بإحرازها فی حال الشكّ یكون بدلالة مثل هذه الروایة والجمع بینها وبین الأدلّة الأوّلیة. ففی الحقیقة الطهارة بنفسها هی الشرط الواقعیّ الاقتضائی غیر فعلی حتى فی حال الشكّ، ولكن لا یمنع ذلك من استصحابها فی ذلك الحال والحكم بعدم وجوب الإعادة بعد كشف الخلاف لكفایة إحرازها ولكون الشـرط فی هذا الحال أعمّ من الواقع وإحرازه، وإنّما اكتفی بالإحراز فی مورد الشكّ لأجل التوسعة على المکلّفین وكثرة الابتلاء بالنجاسة والله هو العالم.

هذا إذا كان التعلیل فی الحدیث الشریف بلحاظ حال الفراغ من الصلاة، وعلیه یكون الاستصحاب ملحوظاً بنحو الموضوعیة.

 

ویمكن أن یقال: إنّ التعلیل كان بلحاظ حال الصلاة لأنّه فی حال الصلاة یكون مأموراً بعدم الإعادة ومقتضى حرمة النقض فی حال الصلاة مع كون الأمر الظاهری مقتضیاً للإجزاء هو عدم وجوب الإعادة.

والقول بوجوب الإعادة بعد كشف الخلاف مستلزم لرفع الید عن حرمة نقض الیقین بالشكّ الثابتة فی حال الصلاة الّتی دلّ دلیلها على الإجزاء مطلقاً. فراجع فی ذلك إن شئت ما ذكرناه فی بحث الإجزاء.

فإن قلت: إنّه لا فائدة لاستصحاب الطهارة بعد كفایة عدم العلم بالنجاسة فی صحّة الصلاة.

قلت: یمكن أن یقال: إنّ ما تحقّق فیه الإجماع كفایة عدم سبق العلم بالنجاسة إذا أتى بالصلاة فی حال الغفلة وعدم الالتفات، وأمّا إذا التفت فلابدّ من إحراز الطهارة علماً أو ما هو قائم مقامه شرعاً، والمفروض فی السؤال هو صورة الالتفات، والله هو العالم بالصواب.

الجهة الرابعة: اعلم: أنّه إن تفصّی عن الإشكال المذكور فی الجهة الثالثة بما ذكرنا فیها فهو، وأمّا إن بقی الإشكال على حاله فلا یوجب ذلك إشكالاً فی دلالة الروایة على حجّیة الاستصحاب؛ لأنّ أمرها دائر بین دلالتها على قاعدة الاستصحاب دون الیقین، أو على قاعدة الیقین فإن كان مدلولها الأوّل فهو، وإن كان الثانی فتدلّ على الاستصحاب بالأولویة والفحوى، لأنّ الیقین لمّا یكون حجّة فی قاعدة الیقین مع سریان الشكّ إلیه ولا یجوز رفع الید عنه بالشكّ الساری إلیه، فكیف أنت بالیقین الثابت فی حال الشكّ فی المتیقّن! فتدبّر.

 

([1]) الأنصاری، فرائد الاُصول، ص331.

([2]) الخراسانی، كفایة الاُصول، ج2، ص290 - 292.

موضوع: 
نويسنده: