شنبه: 1/ارد/1403 (السبت: 11/شوال/1445)

صحیحة زرارة الثالثة

ومنها: صحیحة ثالثة لزرارة: «وإذا لم یدر فی ثلاث هو أو فی أربع وقد أحرز

 

الثلاث، قام فأضاف إلیها اُخرى ولا شیء علیه، ولا ینقض الیقین بالشكّ، ولا یُدخِل الشكّ فی الیقین، ولا یُخلِّط أحدَهما بالآخر، ولكنّه ینقض الشكّ بالیقین ویُتِمُّ على الیقین فیبنی علیه، ولا یعتدّ بالشكّ فی حال من الحالات».([1])

والاستدلال بها یبتنی على كون المراد من الیقین الیقین بعدم الإتیان بالرابعة، ومن الشكّ الشكّ فی إتیانها.

وفیه:([2]) أنّ ذلك خلاف مذهب الإمامیة الحقّ من وجوب الإتیان بالركعة المفصولة لا المتّصلة.

وما كتبه المقرّر الفاضل: بأنّه خلاف ظاهر الروایة، فإنّ الظاهر منها لزوم الإتیان بالعمل على نحو یحصل الیقین بالامتثال وعدم الاعتداد بالشكّ فی الامتثال وفی مفروض السؤال یحصل العلم بالفراغ بالبناء على الرابعة وإتمام الصلاة ثم الإتیان بركعة مفصولة وبه یحصل الفراغ، فأین هذا من الاستصحاب؟([3])

ففیه: أنّه لم لا یحصل العلم بالفراغ بعد الإتیان بركعة متّصلة سیّما بمعونة دلالة الدلیل؟ فالإشكال کلّه یرجع إلى أنّه على المذهب الحقّ لا یحصل بذلك الفراغ، ولیس الإتیان بالركعة المتّصلة علاجاً للواقعة وإلّا فمقتضـى الاستصحاب عدم الإتیان بالرابعة وبقاء اشتغال الذمّة بها.

وهل یمكن الذبّ عن هذا الإشكال بأن یقال: إنّ أصل ترك الإتیان بالركعة الرابعة مفصولة أو متّصلة خلاف الاستصحاب، والإتیان بها كذلك واجب بحكم

 

الاستصحاب، والروایة مطلقة فی كونها مفصولة أو متّصلة فتقیّد بما دلّ على لزوم كونها مفصولة.

وأمّا الإشكال فی الاستدلال بالروایة بأنّها من الأخبار الخاصّة الدالّة على خصوص ما وردت فیها، فلا یستفاد منها العموم، وإلغاء خصوصیة المورد فیها غیر واضح.

فیرد بأنّ إلغاء الخصوصیة یكون بمناسبة ورود الحكم بالاستصحاب فی موارد متعدّدة مختلفة، وانطباق قضیة: «لا تنقض الیقین بالشكّ» على غیر مورد، بل دلالة نفس القضیّة على عموم مفادها وعدم اختصاصها بمورد دون مورد.

ومنها: ما رواه الخصال عن محمد بن مسلم عن أبی عبد الله×، قال: «قال أمیر المؤمنین صلوات الله وسلامه علیه: من كان على یقین فشكّ فلیمض على یقینه، فإنّ الشكّ لا ینقض الیقین».([4])

واحتمل ظهورها فی قاعدة الیقین لظهوره فی اختلاف زمان الیقین والشكّ الّذی هو فی قاعدة الیقین، فلا یمكن اجتماعهما فی زمان واحد.

ودعوى تداول هذا التعبیر بالنسبة إلى الاستصحاب، لا یجعله ظاهراً فی الاستصحاب.

وقوله×: «فلیمض على یقینه» لیس ظاهراً فی الیقین الفعلی لو لم نقل بكونه ظاهراً فی الیقین السابق الزائل بالشكّ الساری. ویمكن دعوى ظهوره فی عدم رفع الید عن الیقین مطلقاً سواء زال بالشكّ أو كان باقیاً، فعلى کلّ حال یدلّ على الاستصحاب.

ومنها: خبر الصفّار عن علیّ بن محمد القاسانی، قال: كتبت إلیه ـ وأنا بالمدینة ـ عن الیوم الّذی یشكّ فیه من رمضان، هل یصام أم لا؟ فكتب×: «الیقین لا یدخله الشكّ، صم للرؤیة وأفطر للرؤیة».([5])

 

وتقریب دلالته على الاستصحاب أنّ المراد من الیقین فیه الیقین بشعبان ومن الشكّ الشكّ فی زواله بدخول شهر رمضان.

لا یقال: إنّ ذلك موقوف على كون شهر شعبان عنواناً واحداً وشیئاً فارداً یصدق علیه أنّه كان متیقّناً وشكّ فی بقائه، وأمّا إذا لم یكن كذلك فلیس فی البین یقین سابق متعلّق بیوم شكّ فیه أنّه من شعبان أو شهر رمضان.

فإنّه یقال: لا یبعد دعوى كون شعبان عند العرف عنواناً واحداً تعلّق به الیقین وشكّ فی بقائه.

اللّهمّ إلّا أن یدّعى أنّ الرجوع إلى الأخبار الواردة فی یوم الشكّ یوجب القطع بأنّ المراد بالیقین هو الیقین بدخول شهر رمضان، وأنّه لا یجب الصوم والإمساك إلّا إذا حصل الیقین بدخول شهر رمضان فراجع فی ذلك جامع أحادیث الشیعة.([6]) ولكن حكی عن السیّد الأصفهانی أنّه قال: إنّی راجعت الأخبار المنقولة فی ذاك الباب فما وجدت فی شیء منها شاهداً على كون متعلّق الیقین هو دخول شهر رمضان.

ومنها: قوله× فی موثّقة عمّار: «كلّ شیء طاهر حتى تعلّم أنّه قذر...».([7])

وقوله×: «الماء کلّه طاهر حتى تعلم أنّه قذر».([8])

وقوله×: «كل شیء فیه حلال وحرام فهو لك حلال، حتى تعرف الحرام بعینه».([9])

 

إعلم: أنّهم قد اختلفوا فی مدلول هذه الأخبار، فمنهم من قال: بدلالتها على الاستصحاب بكون مدلول المغیّى الحكم الواقعی كالحلّیة الواقعیة أو الطهارة الواقعیة، ومدلول الغایة استمرار الحكم إلى حصول العلم بطروّ ضدّه أو نقیضه، لا تحدید الموضوع.

ومنهم من قال: إنّ مفادها تأسیس القاعدتین الطهارة والحلّیة فی ما شكّ فی طهارته أو حلّیّته من غیر لحاظ الطهارة أو الحلّیّة السابقة، ودلالتها على ذلك تكون بالمغیّى والغایة جمیعاً، والغایة تدلّ على تحدید الموضوع.

والقول الثالث: أن تكون فی مقام تأسیس القاعدتین والاستصحاب جمیعاً أیضاً بمجموع الغایة والمغیّى.

والقول الأوّل مختار صاحب الكفایة. والثانی مختار الشیخ والسیّد الاُستاذ+.

ولا یخفى علیك: عدم صحّة القول الثالث عقلاً، لأنّه یوجب استعمال اللفظ فی المعنیین والجمع بین اللحاظین؛ فإنّ المقصود بالقاعدتین هو إثبات الطهارة والحلّیّة لمشكوك الطهارة أو الحلّیّة، والاستصحاب استمرار الحكم الواقعی والطهارة الثابتة للموضوع بعنوانه الأوّلی، ولا جامع بین الاستصحاب وبین القاعدة الّتی موضوعها الشكّ فی الحكم الواقعی. ولا یمكن اجتماع ثبوت الطهارة سابقاً باعتبار الاستصحاب، وعدم ثبوتها باعتبار الموضوع للقاعدة للزوم اجتماع النقیضین. وعلى ذلك یدور الأمر بین كون مفاد الأخبار القاعدتین أو الاستصحاب.

وأفاد السیّد الاُستاذ+ أنّ الأخبار ظاهرة فی القاعدتین، لأنّ الأخبار ظاهرة فی تقیید أصل الحكم لا استمرارها. وبعبارة اُخرى: إنّها ظاهرة فی تحدید الموضوع.

وذلك لأنّ إرادة الاستصحاب منها تحتاج إلى إضمار لفظ الاستمرار ولحاظ الثبوت واقعاً. ولأنّ الظاهر من الروایات أنّها بجمیعها من صدرها وذیلها تكون لبیان حكم واحد لا أن یكون الصدر دالّا على حكم والذیل دالّا على حكم آخر، فتدبّر.

 

تذنیب:

لا یخفى علیك أن فی قوله×: «حتى تعلم أنّه قذر» احتمالان، أحدهما: أن یكون «قذر» فیه فعل الماضی. ثانیهما: أن یكون صفة مشبهة على وزن «فعل» بكـسر العین كخشن.

ویقوّی الأوّل قوله× فی ذیل الروایة: «فإذا علمت فقد قذر، وما لم تعلم لیس علیك» وعلى ذلك، فالروایة تختصّ بالشبهة الموضوعیة إذا كان الشكّ فی القذارة العرضیة وأمّا الشبهات الحكمیة أو الموضوعیة الّتی یكون الشكّ فیها فی نجاسة الشیء أو طهارته بالذات كالمائع المردّد بین البول والماء لا یشملها الحدیث، لدلالة قوله×: «حتى تعلم أنّه قذر» بنحو الفعل الماضی على الشكّ فی عروض النجاسة.

 

([1]) الکلینی، الكافی، ج3، ص 351 - 352، ح3؛ الحرّ العاملی، وسائل الشیعة، ج8، ص216-217، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع فی الصلاة، ب1، ح3؛ الطوسی، تهذیب الأحکام، كتاب الصلاة، باب أحكام السهو فی الصلاة وما یجب منه إعادة الصلاة، ج2، ص186، ح740/41.

([2]) انظر الإشكال من الشیخ الأنصاری+ فی فرائد الاصول (ص331).

([3]) الحجّتی البروجردی، الحاشیة على كفایة الاُصول، ج2، ص362.

([4]) الصدوق، الخصال، ص619.

([5]) الطوسی، تهذیب الأحكام، ج4، ص159، ح445/17، ب41، باب علامة أوّل شهر رمضان وآخره.

([6]) البروجردی، جامع أحادیث الشیعة، ج2، ص384، ب12، من أبواب ما ینقض الوضوء وما لا ینقض.

([7]) المحدّث النوری، مستدرك الوسائل، ج2، ص583، ح4، باب 30، من أبواب النجاسات؛ الصدوق، المقنع، ص15؛ الصدوق، الهدایة، ص65، ب11، مع اختلاف یسیر.

([8]) الکلینی، الكافی، ج3، ص1، ح2 3، باب طهور الماء؛ الحرّ العاملی، وسائل الشیعة، ج1، ص134، أبواب الماء المطلق، ب1، ح5، باختلاف یسیر.

([9]) الکلینی، الكافی، ج5، ص313، ح39 -40، مثله باب النوادر من كتاب المعیشة؛ الطوسی، تهذیب الأحکام، ج7، ص226، ح988 و989 ؛ ج9، ص79/ح337؛ الحرّ العاملی، وسائل الشیعة، ج17، ص88-89، أبواب ما یكتسب به، ب4، ح1 و4 مثله.

موضوع: 
نويسنده: