پنجشنبه: 9/فرو/1403 (الخميس: 18/رمضان/1445)

التنبیه الرابع: فی استصحاب الاُمور المتدرّجة

لا شبهة فی جریان الاستصحاب فی الاُمور القارّة وهی الاُمور الّتی تجتمع أجزاؤها بعضها مع بعض فی الوجود.

وأمّا التدریجیة، وهی: ما لیس كذلك كالزمان والزمانیات مثل: الحركة والتكلّم، وما اُخذ الزمان قیداً له كالصوم المقیّد بالنهار.([1])

فإن كان الأمر التدریجی نفس الزمان أو من الزمانیات كالحركة والتكلّم، فكما أفاد فی الكفایة:([2]) الظاهر جریان الاستصحاب فیه وإن كان ینـصرم وجودها ولا یتحقّق منه جزء إلّا بعد انصرام الجزء الأوّل ولكن ما لم یتخلّل عدم فی البین لا تنثلم أركان

 

الاستصحاب به، كنفس الزمان. بل وإن تخلّل العدم ولا یخلّ بالاتّصال العرفی والوحدة العرفیة مثل التكلّم. لصدق النقض والبقاء فیه عرفاً.

مضافاً([3]) إلى أنّه لو فرض فی الاستصحاب بقاء المستصحب بالدقّة العقلیة یمكن تحقّقه فی الحركة فی الأین بالحركة القطعیة، أی: الحركة بین المبدأ والمنتهى وإن لم یتحقّق فی الحركة التوسطیة، وهی: كون الشیء فی کلّ آن فی حدّ أو مكان.

ثم لا یخفى علیك: عدم مجیء الاستصحاب فی الزمان بحدّ أنّه الزمان؛ لعدم تعلّق الحكم الشرعی به. وإنّما یتعلّق به بتقطیعه بقطعات خاصّة فی عالم الاعتبار كالیوم والساعة والشهر والسنة والقرن وغیرها. فالشهر مثلاً یكون محدوداً بحدوده یتحقّق القطع بوجوده والشكّ فی بقائه، فیحكم ببقائه بالاستصحاب مطلقاً وإن كان الشكّ فی المقتضی أو فی خصوص الشكّ فی الرافع.

هذا، ولا یخفى علیك: أنّه لا فرق فی استصحاب الأمر التدریجی بین أن یكون استصحاب الشخص، أو الأمر الكلّی. ففی الشكّ فی أنّ السورة الّتی شرع فیها تمّت أو بقیت منها شیء، یجوز فیه استصحاب الشخص واستصحاب الکلّی، وهو القسم الأوّل. وفی الشكّ فی أنّ ما شرع فیها كان سورة الكوثر مثلاً أو سورة الإنسان یكون

 

من القسم الثانی من استصحاب الكلّی. وإذا شكّ فی أنّه شرع فی سورة اُخرى مع القطع بإتمامه السورة الّتی كانت بیده، فهو من القسم الثالث.

وأمّا ما اُخذ الزمان قیداً له كالصوم المقیّد به، فإن كان الشكّ فی بقاء حكمه من جهة الشكّ فی بقاء قیده مثل النهار الّذی قیّد به الصوم، یستصحب قیده ویحكم ببقاء النهار، أو یستصحب نفس المقیّد.([4])

وإن كان الشكّ من جهة اُخرى كما إذا شكّ فی الحكم من جهة أن تقیّد موضوعه بقید خاصّ تمام المطلوب، أو من باب تعدّد المطلوب؟ فیجری الاستصحاب فیه فی خصوص ما اُخذ الزمان ظرفاً لثبوته لا قیداً له مقوّماً لموضوعه.

أمّا الأوّل، فلتحقّق أركان الاستصحاب بالنسبة إلیه.

وأمّا الثانی، فلعدم تحقّقها، فإنّ ما علم بثبوته هو المقیّد بالزمان الخاصّ، وما شكّ فی ثبوته هو غیره. وإن شئت قلت: ما علم بثبوته قد ارتفع، وما وقع الشكّ فی ثبوته كان متیقّن العدم، فیستصحب عدمه.

فإن قلت: فیما إذا كان الزمان ظرفاً للموضوع لا مجال للقول بعدم دخل الزمان فیه رأساً وإلّا فلا وجه لأخذه ظرفاً له، فإذا كان للزمان فیه دخل مّا فلا مجال لاستصحابه، بل لابدّ من استصحاب عدمه.

قلت: بالنظر الدقّی العقلی كذلك، ولكنّ العرف المعتبر نظره یرى الموضوع واحداً فی الزمانین، ولا یرى الزمان من مقوّمات الموضوع.

لا یقال: على هذا یتعارض الاستصحابان: استصحاب الثبوت واستصحاب العدم، استصحاب الثبوت لوحدة الموضوع بنظر العرف، واستصحاب

 

العدم لتعدّد الموضوع بنظر العقل.

فإنّه یقال: الاعتبار فی وحدة الموضوع وتعدّده شرعاً بالنظر العرفی دون العقلی، فلا عبرة بالدقّة العقلیة، فلیس هنا إلّا استصحاب واحد وهو استصحاب الثبوت دون استصحاب العدم، لعدم الدلیل على اعتباره.

وهذا بخلاف ما إذا اُخذ الزمان قیداً، فإنّ الفعل المقیّد بزمان خاصّ غیر الفعل فی زمان آخر. اللّهمّ إلّا أن یكون بحسبه متّحداً عرفاً، كما إذا كان الشكّ فی بقاء حكم المقیّد من جهة كونه بنحو التعدّد المطلوبی فإنّه لا یبعد فیه دعوى اتّحاد الموضوع وصحّة استصحاب الحكم.

 

([1]) وكالوقوف بعرفات المقیّد بما بین الزوال والغروب، والوقوف بمزدلفة، والصلوات الیومیة المقیّدة بأوقاتها، وغیر ذلك من المتدرّجات بعرض الزمان.

([2]) الخراسانی، كفایة الاُصول، ج2، ص315.

([3]) هذا حلّ آخر من المحقّق الخراسانی لرفع الإشكال عن الاستصحاب فی الزمانیّات بأنّا نستصحب فی مواردها بقاء الشیء بحركته بین المبدأ والمنتهى فهذا أمر بسیط قارّ قابل للاستصحاب، فیستصحب مثلاً كون الشمس وبقائها بین المبدأ (المشرق) والمنتهى (المغرب) فیما نشكّ فی بقاء وقت الصلاة ولكنّه+ خطأ فی التعبیر عن الحركتین فسمّى التوسّطیة بالقطعیة وبالعكس، وقد تفطّن بذلك سماحة الاُستاذ دام ظلّه العالی كما یأتی فی الصفحة 54 وهو یطابق ما نرى من تعریفهما فی تعریفات الجرجانی حیث عرفهما بـ : «الحركة بمعنى التوسّط وهی: أن یكون الجسم واصلاً إلى حدّ من حدود المسافة فی کلّ آن لا یكون ذلك الجسم واصلاً إلى ذلك الحدّ قبل ذلك الآن وبعده. والحركة بمعنى القطع إنّما تحصل عند وجود الجسم المتحرّك إلى المنتهى لأنّها هی الأمر الممتدّ من أوّل المسافة إلى آخرها».

([4]) أی الإمساك المقیّد بكونه فی النهار، فیستصحب كونه فی النهار، كما قال به فی الكفایة (الخراسانی، ج2، ص317)، وتأمّل فیه.

موضوع: 
نويسنده: