پنجشنبه: 6/ارد/1403 (الخميس: 16/شوال/1445)

التنبیه الحادی عشر: مقتضى الأصل عند الشكّ فی تقدّم الحدوث وتأخّره

لا إشكال فی جریان الاستصحاب إذا كان الشكّ فی أصل تحقّق حكم أو موضوع، كنجاسة هذا الشیء، أو موت زید.

وأمّا إذا كان الشكّ فی تقدّمه وتأخّره، كما إذا علم بانتقاض الیقین ـ بوجود شیء أو عدمه ـ فی زمان مثل یوم الجمعة وشكّ فی أنّ انتقاضه حدث قبل ذلك الزمان مثل یوم الخمیس بعد الیقین بعدم انتقاضه قبله، فهل تترتّب علیه آثاره فی یوم الشكّ فی انتقاضه أی یوم الخمیس أو لا؟

وهذا الّذی یعبّر عنه بأصالة تأخّر الحادث، أی مقتضى الأصل تأخّر حدوث ما انتقض به الیقین.

إذا عرفت ذلك: فنقول: إنّ التأخّر والتقدّم إن لوحظا بالنسبة إلى أجزاء الزمان، كما إذا علم بوجود أمر مثل موت زید یوم الجمعة وشكّ فی وقوع موته یوم الخمیس، ففی مثله یجری الاستصحاب لإثبات الآثار المترتّبة على عدم موته فی زمان الشكّ فی موته، فیقال: إنّ الأصل بقاء حیاته أو عدم موته إلى یوم الخمیس، وذلك لتحقّق أركان الاستصحاب من الیقین السابق والشكّ اللاحق.

ولا دافع لذلك إلّا توهّم اعتبار كون زمان احتمال الانتقاض حالاً لا ماضیاً ولا مستقبلاً، فیقال: إنّ الاستصحاب یجری فی مثل الشكّ فی مثل بقاء زید المتیقّن وجوده فی السابق، فإنّ هنا زمان احتمال الانتقاض حال، بخلاف المثال المذكور إذ زمان وقوع الانتقاض المحتمل ماضٍ.

 

ویدفع هذا التوهّم بإطلاق أخبار الباب وصدق نقض الیقین بالشكّ ـ بالبناء على خلاف الحالة السابقة ـ فی المثالین على السواء.

نعم، لا تترتّب آثار عنوان حدوث موته یوم الجمعة باستصحاب عدم موته إلى یوم الخمیس إلّا على القول بالأصل المثبت، لأنّ اللازم العقلی لعدم موته إلى یوم الخمیس هو حدوث موته یوم الجمعة.

اللّهمّ إلّا أن یقال: بخفاء الواسطة، أو عدم التفكیك بین تنزیل عدم تحقّق موته إلى یوم الخمیس وحدوثه یوم الجمعة.

أو یقال: بأنّ حدوث موت زید یوم الجمعة مركّب من عدم موته إلى یوم الخمیس وحیاته فی یوم الجمعة، فالأوّل محرز بالأصل والثانی بالوجدان.

وهكذا یجری الكلام فی عدم ترتیب آثار عنوان تأخّر موته عن یوم الخمیس.

هذا إذا لوحظ التقدّم والتأخّر بالنسبة إلى نفس الزمان.

وأمّا إذا لوحظ تقدّم حدوث شیء أو تأخّره بالنسبة إلى حادث آخر هو أیضاً معلوم الحدوث وشكّ فی تقدّمه علیه أو تأخّره عنه، وذلك كما إذا علم بموت متوارثین وشكّ فی المتقدّم منهما والمتأخّر. فإذا كان الأثر للوجود الخاصّ لأحدهما من التقدّم والتأخّر والتقارن، لا للآخر ولا له بنحو آخر كتحقّقه فی زمان الآخر، أو على نحو خاصّ على نحو مفاد كان التامّة، فشككنا مثلاً فی موت زید المتقدّم على موت عمرو، ففی مثله یجری استصحاب عدم موته الخاصّ فی الزمان المتقدّم على زمان موت عمرو فإنّه كان قبل موت عمرو مسبوقاً بالعدم.

وأمّا إذا كان الأثر مترتّباً على وجوده إذا كان متّصفاً بوصف خاصّ من التأخّر أو التقدّم على نحو كان الناقصة، فاستصحاب عدم وجوده وإن كان یجری لكونه مسبوقاً بالعدم ولكن لا یجری استصحاب عدم كونه متّصفاً بالوصف الخاصّ لعدم حالة

 

سابقة له من وجوده مع هذا الوصف أو بدونه، لأنّه لم یثبت له وجود فی زمان حتى یشكّ فی اتّصافه فى ذلك الزمان بهذا الوصف فیستصحب عدمه، بل هو حدث إمّا متقدّماً أو متأخّراً.

وبعبارة اُخرى: إذا كان موضوع الأثر أمراً واحداً كوجود خاصّ مثل الموت فی الزمان المتقدّم على زمان الآخر یجری استصحاب عدمه لوجود الحالة السابقة فیه. وإذا كان أمرین: أحدهما أصل وجود الموضوع، وثانیهما كونه متّصفاً بوصف خاصّ فلا یجری فیه، لأنّه لم تكن لكونه موصوفاً بهذا الوصف حالة سابقة حتى یستصحب.

ولا یخفى: أنّ ما ذكر یكون بقطع النظر عن المعارضة، فإذا كان للحادث الآخر أیضاً أثر متقدّم على الآخر أو متأخّر عنه لا یجری الاستصحاب؛ لمكان المعارضة بینه وبین الاستصحاب الجاری فی الطرف الآخر.

وأمّا إذا كان الأثر لعدم الحادث متقدّماً أو متأخّراً على الآخر فلا یخلو إمّا أن یكون الأثر للعدم بوصف كونه فی زمان الآخر بأن یكون هنا أمران أحدهما عدم الحادث، والثانی اتّصاف هذا العدم بكونه فی زمان الآخر على نحو مفاد لیس الناقصة.

وإمّا أن یكون للعدم الخاصّ أی العدم فی زمان الآخر، لا موصوفاً بكونه فی زمان الآخر على نحو مفاد لیس التامّة.

فعلى الأوّل، لا یجری الاستصحاب أیضاً لا للمعارضة بل لعدم الحالة السابقة كما قلنا به فی الوجودی. إلّا أنّ الظاهر وجود الفرق بین ما ذكر فی الوجودی والعدمی، فإنّ فی الوجودی إنّما لا یجرى الأصل لعدم الحالة السابقة، لأنّه لم یكن له زمان كان متّصفاً فیه بالوصف الكذائی أو غیر متّصف به، فهو إذا وجد وجد متّصفاً به أو غیر متّصف به، فلیس له قبل الحدوث بحسب هذا الوصف وجوداً أو عدماً حالة سابقة. وذلك بخلاف العدمی، فإنّ مثل عدم موت الأب زمان موت ابنه له حالة سابقة وهی

 

عدم موت الأب قبل موت ابنه، فیجری استصحاب حالته السابقة إلى زمان موت الإبن. إلّا أن یعتبر فیه ما یختلّ به الحالة السابقة، كأن یقال باعتبار الأثر لعدم موت الأب متّصفاً بكونه فی زمان حدوث موت الابن، ومن المعلوم أنّه لیست لذلك حالة سابقة، فلا یجری فیه الاستصحاب. وهذا مراد المحقّق الخراسانی+ بقوله: «بأن یكون الأثر للحادث المتّصف بالعدم فی زمان حدوث الآخر»،([1]) فتدبّر.

وعلى الثانی، أی على أن یكون الأثر للعدم الخاصّ، أی العدم فی زمان الآخر على نحو مفاد لیس التامّة، إنّما لا یجری الأصل من جهة عدم إحراز موضوعه وهو ما إذا كان زمان الشكّ متّصلاً بزمان الیقین، كما إذا كنّا على یقین بالطهارة وشككنا فی بقائها.

وأمّا إذا شككنا فی الطهارة بعد الیقین بالحدث فلا ریب فی عدم صحّة إجراء الأصل فی الطهارة، لفصل زمان الیقین بالحدث بین الیقین بها والشكّ فیها. وكذا إذا كان وقوع الفصل بین زمان الیقین والشكّ مشكوكاً فیه لم یحرز اتّصال زمانهما فإنّه یكون من الشبهة المصداقیة لعموم قوله×: «لا تنقض الیقین بالشكّ».

ونوضح ذلك فی مثال، فنفرض فی موت الوالد الكافر وإسلام ولده: أنّهما متیقّن العدم یوم الخمیس، وحدوث أحدهما لا على التعیین یوم الجمعة والآخر یوم السبت، فشككنا فی أنّ إسلام الولد هل وقع قبل موت الوالد حتى یرث الولد منه تمام تركته أم وقع بعده؟ فلا یجری استصحاب عدم إسلامه إلى زمان موت الوالد. وذلك لأنّ زمان الشكّ فی إسلامه زمان موت والده، فاتّصال زمان الشكّ فی إسلامه، أی زمان موت والده، بزمان الیقین بعدم إسلامه مشكوك؛ لاحتمال وقوع إسلامه یوم الجمعة وفصل زمان الیقین بإسلامه بین زمان الیقین بعدمه وزمان الشكّ فی إسلامه، فیكون التمسّك بقوله×: «لا تنقض الیقین بالشكّ» لإثبات عدم إسلام الولد إلى زمان موت والده

 

من التمسّك بعموم العامّ فی الشبهة المصداقیة، لعدم إحراز اتّصال زمان الشكّ فی عدم إسلام الولد بزمان الیقین به.

وأیضاً قد مثّل لذلك السیّد الاُستاذ+ ـ كما حكى المقرّر ـ بهذا المثال وإلیك عین عبارة المقرّر عنه: «أنّا نفرض فی موت الوارثین ـ اللذین ماتا متعاقبین ـ ثلاث ساعات مثلاً: الساعة الاُولى زمان الیقین بعدم حدوث موتهما، الساعة الثانیة زمان حدوث الموت لأحدهما، والثالثة زمان حدوث موت الآخر. ونفرض أیضاً زمان الشكّ هو الساعة الّتی مات فیها الآخر مثلاً، وتلك الساعة الّتی تكون زمان الشكّ على المفروض مردّدة بین الثانیة والثالثة. فإن كانت هی الثانیة یكون زمان الشكّ متّصلاً بزمان الیقین وهو الساعة الاُولى، وعلى هذا الفرض لا مانع عن استصحاب عدم حدوث الموت لزید مثلاً لاتّصال زمان الشكّ بزمان الیقین. وإن كانت هی الثالثة یكون زمان الشكّ منفصلاً عن زمان الیقین، وعلى هذا الفرض لا یبقى مجال لجریان الاستصحاب لعدم حدوث الموت لزید إلى الساعة الثالثة الّتی تكون فی هذا الفرض زمان الشكّ، لأنّ الاستصحاب عبارة عن الحكم ببقاء المستصحب فی زمان الشكّ، وفی المفروض لا یكون الحكم بالبقاء، بل إنّما یكون الحكم بالحدوث، لأنّ المستصحب ـ وهو عدم موت زید فی المثال ـ قد انتقض وارتفع فی الساعة الثانیة وبعد ارتفاعه لا معنى للحكم ببقائه إلى الثالثة، وذلك هو السرّ فی اشتراط اتّصال زمان الشكّ بزمان الیقین».([2])

ولا یخفى علیك: أنّ فی مثل المثالین المذكورین یكون الموضوع ـ للخطابات والأخبار الواردة فی الاستصحاب وحرمة نقض الیقین بالشكّ ووجوب إبقاء ما كان على ما كان ـ مشكوكاً فیه.

ثم إنّ هنا مثالاً آخر، فیه، إشكال عدم إحراز اتّصال زمان الشكّ بالیقین، وهو فی

 

الحادثین المتضادّین كالطهارة والحدث أو الخبث، بأن نفرض ثلاث ساعات: الساعة الاُولى والثانیة تكونان زمان الیقین بثبوتهما مع الشكّ فی المتقدّم والمتأخّر، والساعة الثالثة زمان الشكّ فی بقائهما، فإنّ فیه لا یجری استصحاب بقاء الطهارة، لأنّ زمان الشكّ فی بقائها غیر معلوم الاتّصال بزمان الیقین بها لإمكان تقدّم الطهارة على الحدث أو الخبث. نعم، على فرض تأخّرها عنه یكون الاتّصال المعتبر حاصلاً إلّا أنّه مشكوك فیه. وهكذا لا یجری استصحاب الحدث لنحو ما ذكر.([3])

وقد ردّه المقرّر الفاضل ذیل الصفحة وهو بتقریب منّا: أنّ فی مثال المتوارثین زمان الشكّ فی کلّ منهما زمان حدوث الآخر، ولذا لا یمكن إحراز اتّصال زمان الشكّ فیه بزمان الیقین بعدمه لإمكان حدوثه فی الساعة الثانیة أو فی یوم الجمعة ووقوع نقض الیقین بعدمه بالیقین بحدوثه.

وفی مثال المتضادّین لا معنى للشكّ فی بقاء أحدهما فی زمان حدوث الآخر لاستحالة اجتماع الضدّین، فلا معنى لاعتبار الشكّ فیهما بالإضافة إلى زمان حدوث الآخر للتضادّ بینهما، فاعتبار الشكّ فی کلّ منهما یكون باعتبار الشكّ فیهما بالإضافة إلى أجزاء الزمان فیكون زمان الشكّ متّصلاً بزمان الیقین، وإنّما لا یجری الاستصحاب لوقوع المعارضة بین الأصلین.([4])

ثم إنّ هذا کلّه فی مجهولی التاریخ وأمّا إذا كان أحدهما معلوم التاریخ والآخر مجهولاً فیجری فیه أیضاً ما ذكر فی مجهولی التاریخ، فیجری استصحاب عدم وجود ما شكّ فی وجوده بنحو خاصّ من التقدّم أو التأخّر أو التقارن، دون الآخر ودونه بنحو

 

آخر على نحو مفاد كان التامّة، لأنّ استصحابه كذلك یكون بلا معارض إذا كان الأثر مترتّباً على وجوده كذلك. بخلاف ما إذا كان الأثر مترتّباً على وجود کلّ منهما أو لكلّ أنحاء وجوده، فإنّه لا یتّجه استصحاب العدم فی کلّ من الطرفین أو الأطراف لوقوع المعارضة بین الاستصحابین. ولا یجری إذا كان على نحو مفاد كان الناقصة لعدم الحالة السابقة على التفصیل الّذی مرّ.

وأمّا إذا كان الأثر مترتّباً على عدم الحادث فی زمان الآخر على نحو مفاد لیس التامّة، فیجری استصحاب عدمه فی مجهول التاریخ منهما لاتّصال زمان شكّه بزمان یقینه، دون معلوم التاریخ. بخلاف ما إذا كان على مفاد لیس الناقصة، فإنّه لا یجری فیه الاستصحاب لعدم الیقین بالاتّصاف سابقاً،  والله هو العالم.

 

([1]) الخراسانی، كفایة الاُصول، ج2، ص335.

([2]) الحجّتی البروجردی، الحاشیة على كفایة الاُصول، ج2، ص428- 429.

([3]) الحجّتی البروجردی، الحاشیة على كفایة الاُصول، ج2، ص429 - 430.

([4]) وإن شئت الوقوف بتمام مرامه فراجع: الحجّتی البروجردی، الحاشیة علی کفایة الاُصول، ج2، ص430 - 431.

موضوع: 
نويسنده: