جمعه: 31/فرو/1403 (الجمعة: 10/شوال/1445)

المقام الأوّل: فی المراد من الموضوع وبقائه

قال الشیخ: إنّ المراد بالموضوع معروض المستصحب، مثل زید المعروض للقیام مثلاً.

والمراد ببقائه بقاؤه على النحو الّذی كان فی السابق معروض المستصحب إمّا بتقرّره الذهنی أو بوجوده الخارجی، ففی الشكّ فی قیام زید لابدّ من بقاء زید فی الزمان اللاحق خارجاً كما كان فی السابق وجوده محقّقاً محرزاً. وفی استصحاب وجود زید یكفی تقرّره فی الذهن، فكما كنّا نحكم بوجود زید فی الخارج وكان الموضوع زید المتقرّر فی الذهن إذا شككنا فی بقاء وجوده نحكم علیه بالبقاء.

وبعبارة اُخرى: إذا كان المتیقّن السابق من عوارض شیء خارجیّ كقیام زید وشككنا فی بقاء قیامه یجب فی الحكم ببقاء قیامه بحكم الاستصحاب بقاء زید الّذی

 

هو معروض المستصحب وهو الموضوع. وإذا كان المتیقّن السابق عین أمر خارجی مثل وجود زید وحیاته وشككنا فی بقائه لا یعتبر فی استصحابه بقاؤه لمنافاة الشكّ فی بقائه مع العلم بوجوده، بل یكفی بقاؤه فی الذهن، وإلیك ما أفاده الشیخ بلفظه:

الأوّل: بقاء الموضوع فی الزمان اللاحق والمراد به معروض المستصحب، فإذا اُرید استصحاب قیام زید أو وجوده فلابدّ من تحقّق زید فی الزمان اللاحق على النحو الّذی كان معروضاً فی السابق، سواء كان تحقّقه فی السابق بتقرّره ذهناً أو بوجوده خارجاً، فزید معروض للقیام فی السابق بوصف وجوده الخارجی، وللوجود بوصف تقرّره ذهناً لا وجوده الخارجی. (إلى أن قال:) ثمّ الدلیل على اعتبار هذا الشرط (یعنی بقاء الموضوع) فی جریان الاستصحاب واضح؛ لأنّه لو لم یعلم تحقّقه لاحقاً فإذا اُرید إبقاء المستصحب العارض له المتقوّم به فإمّا أن یبقى فی غیر محلّ وموضع وهو محال، وإمّا أن یبقى فی موضوع غیر الموضوع السابق، ومن المعلوم أنّ هذا لیس إبقاء لنفس ذلك العارض وإنّما هو حكم بحدوث عارض مثله فی موضوع جدید فیخرج عن الاستصحاب بل حدوثه للموضوع الجدید كان مسبوقاً بالعدم فهو المستصحب دون وجوده. انتهى.([1])

والجواب عنه أنّه لا دلیل على لزوم ما ذكر، أی إحراز معروض المستصحب خارجاً.

وأمّا الاستدلال علیه بلزوم انتقال العرض من موضوع إلى موضوع آخر وهو غیر معقول، وأن یكون الحكم بالحدوث لا بالبقاء، أو لزوم كون العرض بدون المعروض وهو محال.

ففیه: أنّ ذلك یتمّ بالنسبة إلى وجود العرض الحقیقی الخارجی، وأمّا بالنسبة إلى وجوده التنزیلی والبنائی التعبدی فلا مانع منه لتوسعة دائرة التعبّد والبناء.

 

هذا، وأمّا صاحب الكفایة فقد أفاد فی هذا الـشرط:([2]) أنّ معنى اعتبار بقاء الموضوع اتّحاد القضیّة المشكوكة مع المتیقّنة موضوعاً، كاتّحادهما حكماً؛ لأنّ بدونه لا یكون الشكّ فی البقاء بل یكون فی الحدوث، ولا یكون رفع الید عن الیقین فی محلّ الشكّ نقض الیقین بالشكّ، بل هذا الاتّحاد لیس شرطاً زائداً على أصل تحقّق موضوع الاستصحاب، فالاستصحاب مركّب من القضیتین المتحدّتین موضوعاً ومحمولاً.

وإنّما الكلام فی أنّ الاتّحاد المذكور هل یكون بنظر العرف أو العقل؟ أو بحسب دلیل الحكم؟

فإن كان بنظر العقل یلزم منه عدم جریان الاستصحاب فی الأحكام فی کلّ مورد شكّ فی بقاء الحكم، لزوال خصوصیة كانت فی الموضوع أو زیادة خصوصیة لم تكن فیه.

وإن كان بحسب لسان الدلیل والجمود علیه یلزم الاقتصار على جریان الاستصحاب بنفس العنوان المذكور فی لسان الدلیل وإن علم كونه مشیراً إلى ما هو الموضوع واقعاً فإذا قال: أكرم هذا القاعد أو النائم، ثم زال عنوان القائم أو القاعد وشكّ فی بقاء الحكم لا یجری استصحاب وجوب إكرامه، لزوال الموضوع المأخوذ فی لسان الدلیل مع أنّه یجری فیه الاستصحاب بلا کلام.

اللّهمّ إلّا أن یقال: إنّ المراد أنّه یعتمد على لسان الدلیل إذا كان استظهار كون العنوان فیه مشیراً مورداً للشكّ، لا ما إذا كان مثل هذا المثال أو مثل: «العنب إذا غلى یحرم».

وبالجملة: فالاعتبار على لسان الدلیل إذا لم یكن بنظر العرف موضوع القضیتین واحداً أو كان مورد الشكّ وإلّا لا ریب فی أنّ المعیار فی تشخیص هذا الاتّحاد هو العرف، لأنّه المنساق من الإطلاق فی المحاورات العرفیة الّتی منها الخطابات الشرعیة، والله هو العالم.

 


([1]) الأنصاری، فرائد الاُصول، ص 399 - 400.

([2]) الخراسانی، كفایة الاُصول، ج2، ص346 - 349.

موضوع: 
نويسنده: