چهارشنبه: 5/ارد/1403 (الأربعاء: 15/شوال/1445)

المقام الثانی: مقتضى الدلیل فی المتعارضین

مقتضى دلالة الدلیل من الأخبار أو الإجماع على عدم سقوطهما عن الحجّیة ـ مع قطع النظر عن الدلیل الدالّ على تعیین أحدهما أو التخییر بینهما ـ هو تعیّن ما فیه رجحان على الآخر، والظنّ بكونه هو الحجّة الواقعیة أو كون مؤدّاه هو الواقع، وذلك للقطع بكونه حجّة تخییراً أو تعییناً، فالمتیقّن حجّیة الراجح، بخلاف غیره فإنّه محكوم بعدم الحجّیة بالأصل.

وأمّا مع ملاحظة الأخبار العلاجیة، فقد وقع الاختلاف بینهم على قولین:

أحدهما: التخییر مطلقاً وإن كان أحدهما راجحاً. وهو ما ذهب إلیه بعض القدماء مثل شیخنا الكلینی+ صاحب الكافی الشریف فی ظاهر كتابه، وصاحب الكفایة من المتأخّرین.

ثانیهما: التعیین والأخذ بالراجح.

ومنشأ الاختلاف اختلاف ظاهر الأخبار، فإن بعضها یدلّ على التخییر، وبعضها ظاهر فی وجوب الأخذ بالراجح. فمن قال بالتخییر حمل ما یدلّ على التعیین على الاستحباب. وبعبارة اُخرى: نظر إلى ما یدلّ على التخییر بأنّه ظاهر فی تساوی عدلیه ونصّ فی جواز الاكتفاء بأیّهما شاء، وإلى ما یدلّ على التعیین وأنّه نصّ فی رجحانه على الطرف الآخر وظاهر فی تعیینه دون الآخر، فبنصّ هذا رفع الید عن ظاهر الأوّل وبنصّ الأوّل رفع الید عن ظاهر الثانی.

ولكن هذا بعید عن ذهن العرف. ویمكن أن یكون المستند لمثل الشیخ الكلینی+ أمراً آخر لم یصل إلینا.

وأمّا وجه الذهاب إلى القول بالتعیین والأخذ بالراجح، فهو الجمع بین الطائفتین

 

بالإطلاق والتقیید، وتقیید إطلاق أخبار التخییر بما یدلّ على التعیین عند وجود الرجحان، فالنتیجة التخییر عند فقدان الراجح والتعیین فی صورة وجوده، وهذا جمع عرفی.

وبعد ذلك کلّه، لابدّ من ذكر الأخبار الواردة فی علاج المتعارضین والنظر فیهما، فنقول بحول الله تعالى وقوّته:([1])

من هذه الأخبار ما دلّ على التخییر على الإطلاق كخبر الحسن بن جهم عن الرضا× قال×: قلت للرضا×: تجیئنا عنكم الأحادیث مختلفة؟

قال×: «ما جاءك عنّا فقسه على كتاب الله عزّ وجلّ وأحادیثنا فإن كان یشبههما فهو منّا، وإن لم یشبههما فلیس منّا».

قلت یجیئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحدیثین مختلفین فلا نعلم أیّهما الحقّ؟

فقال×: «إذا لم تعلم فموسع علیك بأیّهما أخذت».([2])

وخبر الحارث بن المغیرة عن أبی عبد الله‏× قال: «إذا سمعت من أصحابك الحدیث وكلّهم ثقة، فموسّع علیك حتى‏ترى القائم فتردّه علیه».([3])

ومكاتبة عبد الله بن محمّد الّتی رواها الشیخ عن أحمد بن محمّد([4]) عن العبّاس بن

 

معروف([5]) عن علیّ بن مهزیار([6]) قال: قرأت فی كتاب لعبد الله‏ بن محمّد([7]) إلى أبی الحسن× اختلف أصحابنا فی روایاتهم عن أبی عبد الله× فی ركعتی الفجر فی السفر، فروى بعضهم: أن صلّهما فی المحمل، وروى بعضهم: أن لا تصلّهما إلّا على الأرض، فأعلمنی كیف تصنع أنت لأقتدی بك فی ذلك؟ فوقع×: «موسّع علیك بأیّةٍ عملت».([8])

ومكاتبة محمّد بن عبد الله‏ الحمیری([9]) إلى مولانا الحجّة× فی مسألة القیام من التشهّد الأوّل إلى الركعة الثالثة: هل یجب علیه أن یكبّر؟ فإنّ بعض أصحابنا قال: لا یجب التكبیر ویجزیه أن یقول: بحول الله وقوته أقوم وأقعد؟

الجواب: «إنّ فیه حدیثین: أمّا أحدهما، فإنّه إذا انتقل من حالة إلى حالة اُخرى فعلیه التكبیر. وأمّا الآخر، فإنّه روی أنّه إذا رفع رأسه من السجدة الثانیة فكبّر ثم جلس ثم قام فلیس علیه فی القیام بعد القعود تكبیر، وكذلك فی التشهّد الأوّل یجری هذا المجرى. وبأیّهما أخذت من جهة التسلیم كان صواباً».([10])

أقول: قد یقال بضعف سند خبر الحسن بن جهم بالإرسال، ولكن لا كلام فی دلالته.

وخبر الحارث بن المغیرة أیضاً ضعیف السند بالإرسال. وقیل فی دلالته: إنّه یدلّ على حجّیة أخبار الثقة إلى ظهور الحجّة×، ولا دلالة له على حكم المتعارضین.

ولكن الظاهر من الخبر كونه ناظراً إلى صورة تعارض الحدیثین. لأنّ حجّیة خبر الثقة

 

لیست مغیّاة برؤیة القائم#. نعم، یمكن أن یقال: إنّ القدر المتیقّن منه صورة تكافؤ الحدیثین ودوران الأمر بین المحذورین وعدم إمكان الاحتیاط. وبعبارة اُخرى: یكون موسّعاً علیه إذا صار تعارض الحدیثین سبباً لوقوعه فی الضیق والتحیّر، لا مطلقاً.

وأمّا المكاتبة الاُولى، فالظاهر منها أنّ الحكم فی ركعتی الفجر التخییر الواقعی. وعلى فرض التعارض ـ لأنّ أحدهما روى لا تصلّهما إلّا على الأرض ـ یمكن أن یكون جواب الإمام× على أساس التخییر الواقعی فی خصوص المورد. وعلى القول بالتعدّی عنه غایته التعدّی إلى سائر النوافل لا الواجبات وغیرها.

وأمّا المكاتبة الثانیة، فقد قیل فیها: إنّ موردها خارج عمّا هو محلّ الكلام، لأنّ التعارض بین الخبرین یكون بالعموم والخصوص، فأحدهما یدلّ على استحباب التكبیر إذا انتقل من حالة إلى حالة اُخرى، والآخر یدلّ على عدم استحباب التكبیر إذا قام للركعة التالیة، ومقتـضى الجمع العرفی هو تخصیص العامّ بالخاصّ. وحكم الإمام× بأنّ الأخذ بأیّهما من جهة التسلیم یكون صواباً، لأنّ الأمر فی المستحب سهل، فإن لم یكن التكبیر مستحبّاً لانتقاله من حالة إلى حالة اُخرى فإنّه مستحبّ لأنّه ذكر فی نفسه.

ومنها: ما دلّ على التوقّف مطلقاً.([11])

ومنها: ما دلّ على ما هو الحائط منهما.([12])

أقول: إن اُرید ـ ممّا یدلّ علیهما ـ الأخبار العامّة الدالّة على التوقّف والاحتیاط فی الشبهات؛ فهی مخصّصة بما یدلّ على خلاف ذلك. وإلّا فالظاهر أنّه لا یوجد ما یدلّ علیهما فی الخبرین المتعارضین.

 

فالعمدة من أخبار الباب ما یدلّ على الترجیح بالمزایا والمرجحات المذكورة فیها. وأجمع خبر دلّ على المرجّحات خبران: (مرفوعة زرارة، ومقبولة عمر بن حنظلة).

أمّا الاُولى: فقد رواها ابن أبی جمهور([13]) عن العلّامة قدّست نفسه مرفوعاً إلى زرارة.

وضعفها من حیث السند غنیّ عن البیان. مضافاً إلى تصریح البعض بأنّه لم یجدها فی ما بأیدینا من كتب العلّامة. ومع ذلك نجری الكلام فی ما یستفاد من ألفاظها، فنقول:

أمّا الفقرة الاُولى، فإن كان المراد من قوله×: «خذ بما اشتهر بین أصحابك» ما رواه الجمیع، أو جمع یوجب إخبارهم القطع بالصدور، كالمتواتر قبال خبر الواحد، فمثله خارج عن باب الترجیح بالمزیة، لأنّ المتواتر قطعی الصدور ولا یعارضه الشاذّ المظنون صدوره، وما یرجّح بالمزیّة لا یخرج بها عمّا هو ظنّی الصدور، فلا یوافق قوله×: «خذ بقول أعدلهما عندك، وأوثقهما فی نفسك» إذا كان أحدهما المشتهر بین الأصحاب یقینیّ الصدور.

نعم، إذا كان المراد من المشتهر ما یكون رواته عن الراوی عن المعصوم× أكثر وأشهر قبال الآخر الّذی رواته عمّن یروی عن المعصوم× أقلّ فلم یروه مثلاً عن محمّد بن مسلم إلّا نفر واحد یترتّب علیه الترجیح بالمرجّحات فیرجّح المشتهر على غیره.

وبعبارة اُخرى: الظاهر أن المراد من السؤال عن حدیثین متعارضین ما إذا كان ینتهی رواة أحدهما إلى زید ورواة الآخر إلى عمرو، والمشتهر بین الأصحاب ما كان منهما رواته عن الراوی الآخر أكثر، وعلیه تستقیم الأسئلة والأجوبة التالیة. بخلاف ما إذا كان المراد من المشتهر ما رواه الجمیع أو كان ثابتاً بالتواتر، فإنّه لا یستقیم المعنى ولا یترتّب ما ذكره بعده من الأسئلة علیها، لأنّها ظاهرة فی كون السؤال عن أخبار الآحاد. وبعد ذلك یمكن أن یقال: إنّ الترتیب المذكور فی الحدیث خلاف الاعتبار، لأنّه إذا كان الخبران

 

المتعارضان کلّ واحد منهما مشهوراً مروّیاً واجداً کلّ منهما لشـرائط الاعتماد علیه فمقتضى الاعتبار العرفی الرجوع إلى جهة صدورهما، فما لا یمكن حمله إلّا على بیان حكم الله الواقعی هو الحجّة وهو المخالف للعامّة یقدّم على ما یمكن أن تكون جهة صدوره الموافقة معهم تقیة. وعلى هذا، كأنّه لا یوافق الحدیث الاعتبار، فإنّه إذا أمكن رفع التعارض بملاحظة جهة الصدور لا تصل النوبة إلى الأخذ بقول الأعدل ولا وجه لجعل هذه الجهة متأخّرة عن التقدیم بالأعدلیة.  هذا مضافاً إلى ما وقع فی ذیل الحدیث من الخروج عمّا هو ظاهره فی صدره، فإنّ الظاهر من الصدر تعارض الخبرین على نحو وقع المكلّف بین المحذورین كوجوب فعل وحرمته والسؤالات المترتّبة على السؤال الأوّل وأجوبتها تنطبق على ذلك ولا ینطبق علیه الأخذ بالحائطة للدین إذا دار الأمر بین وجوب فعل أو حرمته. نعم، ینطبق علیه الحكم بالتخییر. وكیف كان لا اعتبار بهذا الخبر بعد ما عرفت من ضعف سنده واضطراب متنه. والله هو العالم.

وأمّا الثانیة: وهی المعروفة بـ «مقبولة» عمر بن حنظلة، فقد رواها المشایخ الثلاثة رضوان الله تعالى علیهم. وسندها على ما فی التهذیب([14]) هكذا: محمّد بن علیّ بن محبوب،([15]) عن محمّد بن عیسى،([16]) عن صفوان،([17]) عن داود بن الحصین([18]) عن عمر بن حنظلة([19])...

 

وقد استشكل فی الكفایة على الاستدلال بها لوجوب الترجیح بالمرجّحات المذكورة فیها:

أوّلاً: بقوة احتمال اختصاص الترجیح بها بمورد الحكومة وفصل الخصومة الّذی لابدّ منه، فلا مجال لدعوى شموله غیر مورد الحكومة لا بالإطلاق لتوقّفه على انتفاء القدر المتیقّن المفقود فی المقام، ولا بتنقیح المناط، لأنّه لا یمكن دعواه بالقطع.

وثانیاً: أنّ الروایة على فرض دلالتها على وجوب الترجیح بالمرجّحات مختصّة بزمان حضور الإمام وإمكان التشرّف بلقائه×، فإنّ فی آخره قال: «إذا كان ذلك فأرجه حتى تلقى إمامك» فلا تشمل زماننا الّذی لا یمكن لأحد الفوز بمثل هذا اللقاء.

وثالثاً: أنّ إطلاقات التخییر أظهر من المقبولة فی وجوب الأخذ بالمرجّحات، لأنّ القول بوجوب الأخذ بها مستلزم لأن لا یبقى تحت إطلاقات التخییر إلّا الفرد النادر، فإنّه قلّ مورد یكون فاقداً لبعضها. والمناط کلّ المناط فی تقدیم المقیّد على المطلق كونه أظهر فی الدلالة على معناه من المطلق وصیرورة المطلق محمولاً على الفرد النادر بالتقیید مانع من أظهریته فی الدلالة على تقیید المطلق من ظهور المطلق فی الإطلاق، فلابدّ إمّا من القول بورود المقبولة فی خصوص الحكومة، أو حملها على الاستحباب.([20])

ورابعاً: یدلّ على أظهریة أخبار التخییر الاختلاف الواقع الكثیر بین أخبار الترجیح.

وخامساً: بأنّ أخبار موافقة الكتاب أو مخالفة القوم لیست من أخبار باب علاج التعارض بالمرجّحات، لأنّ المستفاد منهما عدم حجّیة المخالف للكتاب والموافق للقوم منهما، فمثل ما ورد فی أنّ المخالف للكتاب زخرف أو باطل أو یـضرب على الجدار، معناه عدم الحجّیة رأساً، وكذا الخبر الموافق للقوم یصیر موهوناً به مع معارضة المخالف لهم له ویسقط به الأصل المثبت صدوره لأجل بیان الحكم الواقعی فیسقط

 

عن الاعتبار ویخرج من باب التعارض. وعلى فرض أن نقول: إنّ أخبار موافقة الكتاب ومخالفة القوم تفید ترجیح إحدى الحجّتین على الاُخرى نمنع أظهریّتها بالإطلاق على ظهور أخبار التخییر فیه، فلابدّ من حملها على الاستحباب إن لم نقل بكونها فی مقام تمییز الحجّة عن اللاحجّة.

وسادساً: یلزم من عدم التوفیق بین أخبار موافقة الكتاب ومخالفة القوم وأخبار التخییر ـ بحمل الاُولى على تعیین الحجّة عن اللاحجّة، أو الاستحباب ـ تقیید الطائفة الاُولى بعضها ببعض مع إبائها عنه.

بیان ذلك: أنّه إذا كان الخبر الموافق للكتاب مخالفاً للقوم أو المخالف للكتاب موافقاً للقوم، فطریق الترجیح معلوم. وأمّا إذا كان الخبر الموافق للكتاب موافقاً لهم والمخالف للكتاب مخالفاً لهم، فیقع التعارض بین ما یدلّ على الأخذ بموافق الكتاب وما یدلّ على الأخذ بما هو مخالف للعامّة، وما یدلّ على ترك المخالف للكتاب وترك الموافق للعامّة، فلابدّ من القول بتقیید ما دلّ على الأخذ بالموافق للكتاب بما إذا لم یكن مخالفاً للعامّة مع أنّ هذه الأخبار مثل: «ما خالف قول ربّنا لم أقله، أو زخرف، أو باطل» تكون آبیة عن التقیید.

وسابعاً: لو لم تحمل أخبار الترجیح على الاستحباب یلزم منه فی أخبار التخییر ارتكاب ترك الاستفصال من الإمام× والسكوت فی مقام البیان.

وبالجملة: یظهر من جمیع ما ذكر أنّ إطلاقات التخییر محكمة لیس فی الأخبار ما یصلح لتقییدها.([21])

أقول: یمكن الجواب أمّا عن الإشكال الأوّل، بأنّ المقبولة ناظرة إلى تعارض

 

الروایتین اللتین استند بهما الحَكَمین بما أنّهما روایتان متعارضتان، ولا نظر فیها إلى تعارض الحكمین، كما إذا كان حكمهما باجتهادهما فی الروایات وتطبیقهما على المورد، ففی مثل ذلك یحكم مثلاً بأنّ الحكم ما حكم به أعلمهما. ولكن فی المقام كأنّه لا خلاف بینهما فی الموضوع وأنّ کلّا من الروایتین تنطبق علیه، إلّا أنّه لا یمكن الجمع بینهما، فكأن کلّ واحد منهما سأل عن حكم الموضوع حسب الروایة عمّن اختاره فأخبر کلّ منهما صاحبه بروایة تتعارض روایة الآخر، فأعطى الإمام× القاعدة لرفع التعارض بین الروایتین، لا خصوص الحَكَمین، أو الحكمین لأن کلّ واحد منهما لم یجعل صاحبه حَكَماً ولم یسأله عن حكمه فی الواقعة بل سأله عما هو عنده من روایات الأئمّة^ فاختلفا فی حدیثهما عنهما، فقال الإمام×:«الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما فی الحدیث». ولم یسأل السائل عن حكم ما إذا اختلفا فی أنّ أیّاً منهما بهذه الصفات، وسأل عن أنّهما عدلان مرضیّان فأجاب الإمام× بما أجاب. ولم یسأله الراوی أیضاً عن صورة اختلافهما فی الحكم المجمع علیه. وكذا لم یسأل عن صورة الاختلاف فی الموارد الآتیة، فكأنّه سأل عن حكم نفسه فی صورة اختلاف الرواة. فظهورها فی رفع التعارض بین الروایات أظهر من ظهورها فی مقام فصل الخصومات وإن كان للقاضی أن یعمل بها كما أنّ للمفتی العمل بها. والله هو العالم.

وأمّا الإشكال الثانی، فیمكن الجواب عنه بأنّ انتهاء الأمر إلى لقاء الإمام× فی عصـر الحضور لا یوجب رفع الید عن القواعد المذكورة قبل ذلك.

نعم، یأتی الكلام فی أنّ فی عصر الغیبة إذا انتهى الأمر إلى ما ذكر فی الروایة كیف یكون العمل؟

ویمكن الجواب، بأنّه إن أمكن الاحتیاط یحتاط، وإلّا فیعمل بما یقتضیه الأصل، وإن لم یمكن فهو بالخیار.

 

وأمّا الإشكال الثالث، فهو یرد لو قلنا بالتجاوز عن المرجّحات المنصوصة إلى غیرها. وأمّا إن لم نقل به واقتصرنا بالمنصوصة منها یكون ما یبقى تحت إطلاقات التخییر أكثر مما یخرج منها بالتقیید.

وأمّا الإشكال الرابع، فیمكن أن یقال: إنّ بعد رفع الید عن المرفوعة والبناء على عدم حجّیتها ـ كما هی كذلك ـ یخرج الاختلاف بین أخبار العلاج عن الكثرة.

ویمكن الجمع بینها بتقدیم ما یرجع به السند على ما فیه الترجیح لجهة الصدور.

وعلى فرض تعارضها وعدم تقدیم بعضها على البعض ـ لما ذكر ـ یقال بالتخییر فی مورد تعارض المرجّحات لا مطلقاً، فیؤخذ بذی المزیّة إذا لم یكن المعارض له كذلك.

وأمّا الجواب عن الإشكال الخامس، فیرد بأنّ ما هو خارج من الأخبار العلاجیة ما یخالف الكتاب بالتباین دون ما كان مخالفاً لعمومه أو لإطلاقه؛ فإنّه لا ریب فی صحّة تخصیص عموم الكتاب وكذا تقیید إطلاقه بالسنّة، فإذا كان أحد المتعارضین موافقاً لعموم الكتاب والآخر مخصّصاً له یقدّم ما یوافق العموم على المخالف له.

وأمّا ما یدلّ على الترجیح بمخالفة العامّة فلا وجه لخروجه عن أخبار العلاج، فإنّ مجرّد كون الخبر مخالفاً للعامّة لا یجعله موثوق الصدور ولا صادراً لبیان الواقع، كما أنّ مجرّد كونه موافقاً لهم لا یجعله غیر موثوق الصدور ولا صادراً لعدم بیان الواقع.

اللّهمّ إلّا أن یقال: إذا كان أحد الخبرین مخالفاً للعامّة لا یحتمل صدوره للتقیّة دون الّذی هو موافق لهم، فإذا كان سند کلّ منهما قطعیاً یكون ترجیح المخالف لهم من تقدیم الحجّة على اللاحجّة. نعم، إذا كان سند کلّ منهما ظنّیاً یكون الترجیح للأخبار العلاجیة، فتدبّر.

وأمّا الجواب عن الإشكال السادس، فیعلم ممّا ذكرنا فی الجواب عن الخامس، فإنّه لا یمكن تقیید ما دلّ على ترك المخالف للكتاب بما إذا لم یكن مخالفاً للعامّة إذا كان مرادنا من المخالف ما خالف الكتاب بالتباین لا ما خالفه بالعموم أو الخصوص.

 

وأمّا الإشكال السابع، فشبهة ترك الاستفصال والسكوت فی مقام البیان قویّة. واحتمال أن یكون ذلك لمصلحة فی مثل المورد بعید جدّاً.

اللّهمّ إلّا أن یقال بعدم وجود دلیل معتبر على التخییر لا یخلو من المناقشة فی سنده.

وفی قبال ذلك استبعاد حمل المقبولة على الاستحباب أیضاً قریب جدّاً، لأنّ احتمال كون ذی المزیّة أقوى وأقرب من غیره یقتضـی الحكم بتعیّنه ووجوب العمل به، ولا وجه للاستحباب فی المقام.

فیتلخّص من ذلك کلّه أنّ الأقوى هو الأخذ بالمرجّحات المنصوصة مهما أمكن، وإلّا فهو بالخیار. والله هو العالم.

 

 

([1]) لا یخفى علیك: أنّه قد انتهى ما وجد من إفادات سیّدنا الاُستاذ بقلم الفاضل المقرّر تغمّدهما الله برحمته بهذا الفصل، وبقی كتابه من الأخبار العلاجیة إلى آخر مباحث الاجتهاد والتقلید ناقصاً. ولا حول ولا قوّة إلّا بالله‏، وإنّا لله‏ وإنّا إلیه راجعون. [منه دام ظلّه العالی].

([2]) الطبرسی، الاحتجاج، ج2، ص108. فی احتجاجات الإمام الصادق×. والحسن بن جهم بن بكیر بن أعین أبو محمد الشیبانی ثقة... له كتاب، من السادسة.

([3]) الطبرسی، الاحتجاج، ج2، ص108 - 109. والحارث بن المغیرة أبو علیّ النصری، ثقة ثقة، من الرابعة أو الخامسة.

([4]) الظاهر أنّه ابن عیسى الأشعری شیخ القمیّین...، من السابعة.

([5]) قمّی ثقة له كتب، من كبار السابعة.

([6]) ثقة جلیل القدر، له ثلاثة وثلاثون كتاباً، من كبار الطبقة السابعة.

([7]) لم أقف على ترجمته، ویكفی فی الاعتماد علیه اعتماد علیّ بن مهزیار على كتابه.

([8]) الطوسی، تهذیب الأحکام، ج3، ص250، ب 23، ح 583/92.

([9]) ابن جعفر بن الحسین بن جعفر بن جامع بن مالك الحمیری أبو جعفر القمی، كان ثقة وجهاً كاتب صاحب الأمر×...، كان من الثامنة.

([10]) الطبرسی، الاحتجاج، ج2، ص303 304، فی توقیعات الناحیة المقدسة.

([11]) الکلینی، الكافی، ج1، ص66، باب اختلاف الحدیث، ح7؛ ابن أبی جمهور الأحسائی، عوالی اللئالی، ج4، ص133، ح230.

([12]) الحرّ العاملی، وسائل الشیعة، أبواب صفات القاضی، ج27، ص154 175، ب12.

([13]) ابن أبی جمهور الأحسائی، عوالی اللئالی، ج4، ص133، ح 229.

([14]) الطوسی، تهذیب الأحکام، ج6، ص301 302، ب 6، من الزیادات فی القضایا والأحکام، ح845/52. راجع: أیضاً الکلینی، الكافی، ج1، ص67، باب اختلاف الحدیث، ح10.

([15]) الأشعریّ القمّی، شیخ القمیّین، ثقة عین فقیه صحیح المذهب، له كتب.

([16]) ابن عبدالله الأشعری، شیخ القمیّین ووجه الأشاعرة.

([17]) ابن یحیى، أوثق أهل زمانه...، له ثلاثون كتاباً.

([18]) ثقة واقفی.

([19]) العجلی الكوفی، وثّقه الشهید الثانی، وروى الكلینی بإسناده عن أبی عبد الله‏× ما یدلّ على صدقه فی الحدیث.

([20]) كما حمل السیّد الصدر+ شارح الوافیة جمیع أخبار الترجیح على الاستحباب، فراجع.

([21]) الخراسانی، كفایة الاُصول، ج2، ص392 ـ 395. وانظر بعض الإشكالات أیضاً فی فرائد الاُصول (الأنصاری، ص445)، المقام الثانی: فی ذكر الأخبار الواردة...

موضوع: 
نويسنده: