سه شنبه: 28/فرو/1403 (الثلاثاء: 7/شوال/1445)

فصل

وأمّا الكلام فی التعدّى عن المرجّحات المنصوصة إلى غیرها، فیمكن أن یقال: یستفاد ممّا یدلّ على التخییر، أو على التوقّف إلى الفوز بلقاء الإمام×، بعد التنصیص على المرجّحات المنصوصة، عدم اعتبار غیرها فهو على التخییر بعد فقد المرجّحات المذكورة فی النصوص، وإن كان الأحوط الأخذ بغیر المنصوصة أیضاً([1]) إذا كان موجباً لرجحان احتمال إصابة ذیه إلى الواقع.

لا یقال:([2]) إنّ جعل شیء فیه خصوصیة الطریقیة وإراءة الواقع مرجّحاً، لا یدلّ على أنّ ذلك تمام الملاك فی جعله حجّة.

فإنّه یقال: یستفاد ذلك منه بمناسبة الحكم والموضوع، فإنّ الحكم فی أمثال هذه الاُمور لیس بالتعبّد، وإنّما الغرض فیه رعایة الواقع.

واستدلّ أیضاً على لزوم التعدّی بالتعلیل فی الروایات بـ «أنّ المشهور ممّا لا ریب فیه» باستظهار أنّ العلّة هو: عدم الریب بالإضافة إلى الآخر.

واُجیب عنه بأنّ الروایة المشهورة بین الرواة والأصحاب هی ما لا ریب فیها أصلاً بحیث تطمئنّ النفس بصدورها، لا ما لا ریب فیها بالإضافة إلى غیرها، فغایة الأمر نقول بالتعدّی إلى کلّ مزیّة توجب هذا الاطمئنان.

 

كما استدلّ علیه أیضاً بالتعلیل على «أنّ الرشد فی خلافهم». وتقریب الاستدلال به: أنّ المراد منه لیس من جهة كون الحقّ فی خلافهم دائماً، لبطلانه بالوجدان، بل الظاهر منه كون الحقّ فی مخالفتهم غالباً، لكون المخالف لهم أقرب إلى الواقع غالباً، فما یكون أقرب إلى الواقع یتعیّن الأخذ به ولو لم یكن منشأه مخالفة القوم.

والجواب عنه: أنّ من المحتمل كون الرشد فی نفس المخالفة لحسنها، لا مطلقاً، بل إذا تعارض المخالف لهم ما یوافقهم سلّمنا أنّه لغلبة الحقّ فی طرف الخبر المخالف، لكن ذلك یوجب الوثوق بالخلل فی الموافق لهم صدوراً أو جهة، وفی ما یوجب هذا الوثوق لا بأس بالتعدّی؛ وفیه منع حصول هذا الاطمئنان.

ثم إنّه ربما یقال: بأنّه لا یعتبر فی التعدّی إلى المزایا غیر المنصوصة إلى خصوص ما یوجب الظنّ أو الأقربیة بل یتعدّى إلى کلّ مزیة وإن لم توجب أحدهما؛ وذلك لأنّ فی المزایا المنصوصة ما لا یوجب واحداً منهما مثل أورعیة الراوی وأفقهیته فإنّ التورّع والجهد فی العبادة وكثرة التتبّع فی الفقه لا یوجب الظنّ بكون ما أخبر به الواقع وأقربیته، قبال ما أخبر به الورع والفقیه.

لا یقال: إنّ ما یوجب الظنّ بصدق أحد الخبرین لا یكون مرجّحاً، بل موجباً لسقوط الآخر عن الحجّیة للظنّ بكذبه حینئذ.

فإنّه یقال: الظنّ بالكذب لا یضرّ بحجّیة الخبر المجعول حجّة من باب الظنّ النوعی. هذا مضافاً إلى أنّ حصول الظنّ بكذب الآخر مختصّ بصورة العلم بكذب أحدهما، وإلّا فلا یوجب الظنّ بصدوره الظنّ بعدم صدور الآخر، لإمكان صدوره مع عدم إرادة ما هو الظاهر منهما أو أحدهما، أو لأجل التقیّة.

هذا کلّه بناءً على كون وجه التعدّی والاستظهار من الروایات إلغاء الخصوصیة ومجرّد كون أحدهما ذا المزیّة بالنسبة إلى الآخر وإن لم یكن موجباً للظنّ أو الأقربیة.

 

أمّا إذا كان وجه التعدّی اندراج ذی المزیة فی أقوى الدلیلین یجب الاقتصار على المزیة الّتی توجب قوّة ذی المزیّة فی الدلیلیة والطریقیة، فلا یرجّح أحدهما على الآخر لما یوجب قوّة مضمونه ثبوتاً، كالشهرة الفتوائیة أو الأولویة الظنّیة، فإنّ المنساق من قاعدة أقوى الدلیلین أو المتیقّن منها إنّما هو الأقوى دلیلیة وطریقیة.

وفی ما ذكر منع وجود ما لا یوجب الظنّ بالأقربیة فی المرجّحات المنصوصة، فإنّ ورع الراوی وفقهه وهكذا أورعیته وأفقهیته یكون موجباً للظنّ بكون خبره أقرب إلى الواقع، فلا یجوز التعدّی إلى مطلق المزیّة إذا كانت وجودها كالعدم بالنسبة إلى الإصابة إلى الواقع. والله هو الموفّق للصواب.

 

 

([1]) كما نسبه الشیخ+ إلى جمهور المجتهدین، وحكى عن بعضهم دعوى الإجماع على ذلك. الأنصاری، فرائد الاُصول، ص 450.

([2]) قال به المحقّق الخراسانی، فی كفایة الاُصول (ج2، ص398).

موضوع: 
نويسنده: 
کليد واژه: