پنجشنبه: 9/فرو/1403 (الخميس: 18/رمضان/1445)

فصل

یذكر فیه اُمور:

الأوّل: المزایا المرجّحة لذیها على غیره المعارض له سواء كان ممّا یرجّح الخبر به من جهة راویه كوثاقته وفقاهته وضبطه وحفظه، أو من جهة نفسه كالشهرة الروائیة، أو من جهة صدوره كمخالفة العامّة، أو من جهة لفظه ومتنه كالفصاحة والبلاغة، أو من جهة مضمونه كموافقة الكتاب وفتوى الأصحاب، وبالجملة: على القول بالتعدّی عن المزایا المنصوصة إلى غیرها فكلّ ما یوجب مزیّة فی أحد الطرفین المتعارضین على الآخر یكون مرجّحاً لسنده على الآخر والتعبّد لصدوره دون الآخر، وحتى مثل موافقة العامّة مرجّح لسند الآخر والتعبّد به بمقتضى الأخبار.

ولا یقاس بمقطوعی الصدور كالمتواترین حیث لابدّ من حمل موافقة العامّة فیهما على جهة الصدور وللتقیة.  فإنّه خلاف مظنونی الصدور.

لأنّ فیهما لا تعبّد بصدورهما ولا قطع، ولا یدور الأمر بین كون الموافق للعامّة هو الحجّة أو المخالف لهم، حتى یحمل الموافق على صدوره تقیّة، بل فیهما المحكوم بالصدور هو المخالف للعامّة وهو الّذی تعبّدنا الشارع به دون الموافق، فإنّه مطروح لم یثبت صدوره، فلا تصل النوبة إلى كون جهة صدوره التقیّة، لأنّها فرع ثبوت صدوره، فتدبّر.

الأمر الثانی: على القول بالتعدّی عن المرجّحات المنصوصة لا مجال للبحث فی

 

ملاحظة الترتیب بینها، بل تمام المناط فی کلّ منها وترجیح بعضها على بعض حصول الظنّ الأقوى بالصدور، أو بكون مضمونه أقرب إلى الواقع عن غیره.

وأمّا على القول بعدم التعدّی والاقتصار بالمزایا المنصوصة فللبحث فیه مجال.

وقد ذهب بعضهم([1]) إلى لزوم رعایة الترتیب المذكور فی الروایات، وأنّ تقدّم بعضها فی الذكر على البعض الآخر یكون بالعنایة إلى ذلك، فلا یجوز جعل المتأخّر فی الذكر فی عرض المتقدّم علیه.

نعم، قد وقع بین الروایات ما بظاهرها تعارض فی الترتیب المذكور، فلابدّ من حمل ظاهرها على أظهرها ومطلقها على مقیّدها، وإلّا فالحكم التخییر بین الأخذ بأحدهما، أو تساقطهما والرجوع إلى ما یقتضیه الأصل فی المسألة.

هذا، وقد أنكر بعضهم كون أكثر ما فی الروایات ـ سیّما المرفوعة والمقبولة ـ من المرجّحات، فقال بعدم كون الشهرة منها، لأنّ المذكور فی المقبولة هو الأخذ بالمجمع علیه، أی الأخذ بما هو معلوم الصدور، لا ترجیح أحد مظنونی الصدور بها على الآخر.

وفرّع على ذلك: عدم إمكان الاستدلال بالمرفوعة ولا بالمقبولة على الترجیح بموافقة الكتاب ومخالفة العامّة، لكون موردهما علیهما الخبرین المشهورین، أی المقطوع صدورهما، فلا یشمل مظنونی الصدور.

وفی الترجیح بصفات الراوی كالأعدلیة وغیرها، قال بعدم حجّیة المرفوعة. وأمّا المقبولة فالترجیح المذكور فیها بصفات الراوی جعلت من مرجّحات الحكمین لا الروایتین. واستظهر ممّا ذكره عدم صحّة ما فی کلام المتأخّرین من ترجیح الصحیحة على الموثّقة.

 

وبالجملة: تلخّص ممّا ذكره عدم ورود الترجیح بالمرجّحات المذكورة فی کلامهم^ إلّا فی ترجیح الموافق للكتاب على المخالف له، وترجیح مخالف العامّة على الموافق لهم، وذلك لخبر صحیح رواه الراوندی بسنده عن الصادق× أنّه× قال: «إذ ورد علیكم حدیثان مختلفان فأعرضوهما على كتاب الله‏، فما وافق كتاب الله‏ فخذوه، وما خالف كتاب الله‏ فردّوه، فإن لم تجدوهما فی كتاب الله‏ فأعرضوهما على أخبار العامّة، فما وافق أخبارهم فذروه، وما خالف أخبارهم فخذوه».([2]) وهذه الصورة غیر مذكورة فی المقبولة، فإنّ المذكور فیها صورة حكم الواجد لموافقة الكتاب والفاقد لها، وأیضاً صورة الموافق للعامّة والمخالف لهم.

وعلى کلّ حال، فمن تمسّك بصحیح الراوندی یظهر اختیاره الترجیح بموافقة الكتاب على الخبر الفاقد لها وعلى المخالف للعامّة، وبالمخالف للعامّة على الموافق لهم، فلابدّ للقائل بذلك القول بعدم التعدّی من هذه المرجّحات والاقتصار علیها، وحیث لا یقول هو بالتخییر فی الأخذ بالمتعارضین، ویرد ما یراه القائل به من الأخبار بالخدشة فیه سنداً أو دلالة، فلابدّ له فی غیر تلك الموارد الثلاثة المذكورة من القول بتساقط المتعارضین والرجوع إلى ما تقتضیه القواعد.

والذی ینبغی أن یقال: إنّ المراد من المجمع علیه لو كان معلوم الصدور یختلّ نظام السؤال والجواب فی المقبولة، فإنّ ما هو الموضوع للسؤال ابتداءً ـ كما یظهر من جواب الإمام× ـ هو تعارض مظنونی الصدور، ولا یرتبط الجواب عنهما بالأخذ بمعلوم الصدور منهما، فلابد أن یكون المراد من المجمع علیه ما أجمع علیه جمع من الرواة بروایته قبال الخبر الّذی رواه من لا یطلق علیه الجمع. فالظاهر من المقبولة أنّ الشهرة

 

أوّل المرجحات، فإذا لم یكن بینهما ما هو المشهور أو كانا كلاهما مشهورین یكون المرجّح موافقة الكتاب، هذا.

ویظهر من صاحب الكفایة([3]) دعوى أنّ الظاهر من المرفوعة والمقبولة كونهما ـ كسائر ما یدلّ على الترجیح من الأخبار ـ بصدد بیان مجرّد ما هو المرجّح وأنّ هذا مرجّح وذاك مرجّح، ولا یستفاد منهما ترجیح ما ذكر أوّلاً على ما ذكر بعده، فالجمیع فی عرض واحد. والشاهد على ذلك الاقتصار فی غیر واحد من الأخبار بذكر مرجّح واحد، ومن المستبعد تقیید جمیع هذه الروایات بما فی المقبولة. وبناءً على ذلك لو كان فی أحد المتعارضین مرجّح وفی الآخر مرجّح لابدّ من الرجوع إلى إطلاقات التخییر، إلّا إذا كان أحدهما موجباً للظنّ بصدق مضمونه أو الأقربیة إلى الواقع وعلى هذا لا فرق بین المرجّح الجهتی وسائر المرجّحات فی الرجوع إلى إطلاقات التخییر إذا كان فی أحد المتعارضین المرجّح الجهتی وفی الآخر غیره إلّا إذا كان المرجح الجهتی موجباً لما ذكر من الظنّ بصدوره أو أقربیته إلى الواقع، وإلّا فلا یرجح المرجّح الجهتی على غیره ولا غیره علیه.

وما قیل فی وجه الأوّل وهو أنّه إذا كان أحد المتعارضین مخالفاً للعامّة یحصل القطع به بأنّ الموافق لهم إمّا صدر تقیّة أو لم یصدر عنهم^.

ففیه: أنّه من أین یحصل هذا القطع، مع احتمال عدم صدور المخالف لهم، واحتمال كون الموافق هو حكم الله الواقعی؟ فلم یقل أحد بكون کلّ خبر مخالف لهم قطعی الصدور، فالمدار فی الترجیح لیس إلّا ما ذكر.

ووجه القول الثانی: أرجحیة المرجّح السندی على المرجّح الجهتی، لأنّه إنّما تصل النوبة إلى المرجّح الجهتی إذا كان المتعارضان من حیث السند سواء لا یرجّح أحدهما

 

على الآخر، وأمّا بعد وجود المرجّح السندی وتقدیم ذی المرجّح على فاقده ـ یعنی على صدوره ـ یرفع به التعارض، فلا تصل النوبة إلى الرجوع إلى المرجّح الجهتی الّذی یكون الواجد له فاقداً للمرجّح الصدوری الّذی یكون معارضه واجداً له.

وفیه: أنّ هذا یتمّ لو لم یكن المرجّح الجهتی مرجّحاً للصدور، ولكن قد قلنا بأنّ فی باب التعارض تمام الكلام یرجع إلى أنّ أیّ الخبرین یكون صادراً وسنده أقوى من الآخر، لا أنّ أیّهما صدر للتقیّة أو لبیان الحكم الواقعی الّذی لا یأتی الكلام فیه إلّا بعد كونهما مقطوعی الصدور أو بحكمه، وهذا بخلاف ما نحن فیه، فإنّ الكلام فی أقوائیّة أحدهما من حیث الصدور الّذی هو الموضوع للعمل به وإلغاء احتمال خلافه. فالمرجّحات کلّها جهةً أو صدوراً أو مضموناً كانت مرجّحات لصدور ذی المرجّح وطرح الفاقد، فلا تقدّم لأحدها على غیره.

وبعد ذلك کلّه فی استشهاد المحقّق الخراسانی ـ بالاقتصار فی غیر واحد من الأخبار على مرجّح واحد، واستبعاد تقیید جمیعها بما فی المقبولة ـ أنّ هذا الاستشهاد لا یصحّ، لأنّه لیست هنا روایات معتبرة ـ غیر صحیح الراوندی ـ تدلّ على هذا الاقتصار. وعلى هذا، یمكن ترجیح القول برعایة الترتیب بین المرجّحات وتقیید صحیح الراوندی بالمقبولة، وجعل الشهرة أوّل المرجّحات، وأنّ عمدة المرجّحات بعدها ترجع إلى موافقة الكتاب ومخالفة العامّة على الترتیب بینهما.

الأمر الثالث: لا یخفى أنّ ما ذكر من الخلاف الواقع بینهم فی أنّ المرجّح الجهتی هل یساوی غیره ولا ترتیب بینه وبین غیره أو یقدّم هو على غیره كما هو المنقول عن الوحید البهبهانی،([4]) أو یقدّم غیره علیه كما اختاره الشیخ؟([5]) إنّما یجری إذا كان المرجّح جهتیاً لا دلالیاً.

 

وحیث إنّ الموافق لهم یحمل فیه صدوره تقیّة ولا لجهة بیان الواقع، ویحتمل صدوره توریة، والاحتمال الثانی موجب لوهن دلالته على صدوره تقیّة وكون المرجّح جهتیاً، فیكون المخالف لهم أظهر فی معناه من الموافق لهم، فیحمل الموافق على المخالف من باب حمل الظاهر على الأظهر، وهو مقدّم على جمیع المرجّحات. ویؤكّد ذلك احتمال وجوب التوریة على مثل الإمام×، هذا.

ویمكن أن یقال: إنّ هذه الأظهریة عقلیة لیست عرفیة، فإنّ العرف لا یتنبّه بها إلّا بعد الدقّة والتأمّل، لا بالارتكاز والارتجال. مضافاً إلى أنّ ارتكازیة ذلك تفید وتجعل اللفظ فی معناه أظهر إذا كان بحیث لا یتحیّر العرف فی الحمل على معناه، وأمّا إذا كان المراد من اللفظ مردّداً بین معنیین وكان اللفظ محتمل الأمرین لا یجوز حمله على الآخر المعلوم معناه فیصیر مجملاً مردّداً بین كون المرجّح جهتیاً أو دلالیاً.

وفیه: أنّ معنى حمل الظاهر على الأظهر لیس إلّا هذا، فإنّ الخبر المخالف ظاهر فی معناه وهذا غیر ظاهر، فیحمل غیر الظاهر والمجمل على الظاهر والمبیّن، فتدبّر.

وبعد ذلك کلّه یردّ احتمال كون هذا المرجّح دلالیاً صحیح الراوندی، فتأمّل.

 

 

 

 

([1]) راجع: الفرید الگلپایگانی، ملاحظات الفرید على فوائد الوحید، ص120، الفائدة 21؛ الأنصاری، فرائد الاُصول، ص468؛ العراقی، بدائع الأفكار، ص455، 457، المقام الرابع فی ترتیب المرجّحات.

([2]) الحرّ العاملی، وسائل الشیعة، ج27، ص118، أبواب صفات القاضی، ب9، ح29.

([3]) الخراسانی، كفایة الاُصول، ج2، ص 411.

([4]) الفرید الگلپایگانی، ملاحظات الفرید على فوائد الوحید، ص120، الفائدة 21.

([5]) الأنصاری، فرائد الاُصول، ص468.

موضوع: 
نويسنده: 
کليد واژه: