جمعه: 31/فرو/1403 (الجمعة: 10/شوال/1445)

فصل

المرجّح المضمونی ما یوجب الظنّ بأقربیة ذیه إلى الواقع من غیره، كالإجماع المنقول والشهرة الفتوائیة، من دون أن یكون له دخل فی قوّة دلیلیته أو كاشفیته بالسند أو الدلالة، وهو على قسمین:

أحدهما: ما لم یرد النهی عن العمل به وإلغاء اعتباره ووجوب تركه. وقد وقع الكلام فی لزوم الترجیح به وعدمه، بل عدم اعتباره. وما قیل أو یمكن أن یقال فی اعتباره وجوه:

أوّلها: ما قیل فی وجوب التعدّی من المرجّحات المنصوصة.

وقد عرفت عدم تمامیته، وأنّ التعبّد من الشارع بالعمل بذی المرجّح مختصّ بالمنصوص منه.

ثانیها: دخول ذی المرجّح المضمونی فی القاعدة المجمع علیها،([1]) بتقریب: أنّ المرجّح المضمونی ممّا یوجب أقوائیة ذیه بالنسبة إلى غیره، فیجب العمل بالدلیل الأقوى من غیره، وبعبارة اُخرى: بأقوى الدلیلین.

وفیه: أنّ موافقة أحد الدلیلین مع الاُمور الخارجیة مثل الإجماع المنقول لا یوجب قوّة ذی الموافقة على الدلیل الآخر، غایة الأمر یوجب الظنّ بأقربیته إلى الواقع،

 

والقاعدة المذكورة المجمع علیها أنّها قامت على الأخذ بأقوى الدلیلین من جهة دلیلیّتهما وكشفهما عن الواقع لا من جهة الأقربیة إلى الواقع بسبب موافقته مع أمر خارج منه.

ثالثها: أنّ مطابقة أحد الخبرین مع أمر خارجی ـ یوجب الظنّ بأقربیته إلى الواقع ـ یوجب الظنّ بوجود خلل فی الآخر من حیث الصدور أو جهة الصدور، فیرجع هذا المرجّح الخارجی إلى المرجّح الداخلی.

وفیه منع ذلك فلا توجب المطابقة المذكورة الظنّ بوجود الخلل فی الخبر الآخر، فإنّا نرى أنّ الشهرة أو الإجماع المنقول لو قامت على خلاف خبر بلا معارض حجّة لا توجب ظنّ الخلل فیه، لأنّ القطع بالحجیة وعدم الخلل فیه لا یمكن أن تجتمع مع الظنّ بالخلل.

فإن قلت: القطع بالحجّیة وعدم وجود خلل فیما یعتبر فی حجّیته لا یستلزم صدقه واقعاً وعدم خلل واقعی فیه من حیث الصدور أو من حیث الحجّیة ولو كان بلا معارض فوجود المرجّح الخارجی مع أحدهما یوجب الخلل فی الظنّ بصدق الآخر واقعاً، ویكفی ذلك مزیّة وموجبا لرجحان ذی المرجّح على الآخر.

قلت: لا یعتبر فی حجّیة الخبر صدقه واقعاً فهو معتبر مع احتمال كذبه، لأنّ فرض اعتبار صدق الخبر الواقعی فی حجّیته مع كون معناها حجّة سواء كان صدقاً واقعاً أو كذباً كذلك غیر معقول، لا یخفى ما فیه من التهافت.

وثانیهما: ما ورد النهی عنه، ودلّ الدلیل بالخصوص على عدم اعتباره، كالقیاس.

وحكمه ـ  على القول بعدم جواز الترجیح بما لم یرد النهی عنه ـ معلوم واضح، لأنّه أولى بعدم الجواز، فلا کلام فیه.

وأمّا على القول بالجواز فی القسم الأوّل لتمامیة ما ذكر فی اعتباره ـ کلّا أو بعضاً ـ

 

فهو وإن یدخل تحت ما دلّ على اعتبار القسم الأوّل، والنسبة بین ما دلّ على النهی عنه ودلیل الاعتبار تكون بالعموم من وجه، إلّا أنّ الأخبار الدالّة على النهی عن القیاس([2]) مع ما فیها من التأكید والتشدید وتقبیح العمل به تكون آبیة عن التخصیص، واختصاصه بمورد دون مورد، وخطر استعماله فی المسألة الـشرعیة الاُصولیة أكثر وأعظم من استعماله فی المسألة الفرعیة.

والوجوه الّتی قیل بها لجواز التمسّك به فی ترجیح أحد الخبرین على الآخر مثل: أنّه لیس العمل بالقیاس بل عمل بالخبر([3]) والدلیل الّذی طابق مدلوله مدلول القیاس، أو أنّ الترجیح به من قبیل العمل لتنقیح الموضوع أی الخبر الحجّة، أو غیر ذلك، کلّها ضعیفة لا یخرج بها من إعمال القیاس فی الدین لوضوح كون الترجیح فی هذه المسألة الاُصولیة من القیاس فی الدین أظهر منه وأشنع من القیاس فی المسألة الفرعیة.

ولا حول ولا قوّة إلّا بالله، والحمد لله الّذی هدانا إلى ولایة أهل البیت علیّ أمیر المؤمنین وأولاده الأئمّة المعصومین، وصلّى الله‏ على سیّدنا محمد وآله الطاهرین. 

 

 

 

([1]) راجع: الأنصاری، فرائد الاُصول، ص469.

([2]) الکلینی، الكافی، ج1، ص46، باب البدع والرأی والمقاییس، ح13 و15 و16، و ج7، ص299، كتاب الدیات، باب الرجل یقتل المرأة و...، ح6؛ البروجردی، جامع أحادیث الشیعة، ج1، ص269، ب 7، عدم حجّیة القیاس والرأی.

([3]) حكاه المحقّق الحلّی فی معارج الاُصول (ص186).

موضوع: 
نويسنده: 
کليد واژه: