جمعه: 10/فرو/1403 (الجمعة: 19/رمضان/1445)

فصل
فی الرجوع إلى المجتهد فی الأحكام العقلیة

قد قلنا: إنّه لا فرق بین الرجوع إلى المجتهد القائل باعتبار الظنّ المطلق وانسداد باب العلم والعلمی إلى الأحكام وبین الرجوع إلى المجتهد فی الأحكام والاُصول العقلیة كحكم العقل بوجوب تحصیل الموافقة القطعیة فی الشبهة المحصورة، وأصالة البراءة والتخییر والاشتغال، فینبغی أن تجری البحث فی جواز تقلید العامّی عن المجتهد فیما استنبطه من الأحكام العقلیة، فإذا شكّ المکلّف فی حلّیّة الاستفادة من المذیاع أو الركوب على الطائرة، وفرضنا عدم وجود عموم أو إطلاق یتمسّك به لحكمهما جوازاً أو حرمةً، فلا ریب فی أنّ المجتهد بمقتضى البراءة وقبح العقاب بلا بیان یقول بحلّیّتهما بحكم العقل، وأمّا المقلّد فهل یقلّد المجتهد فی الحكم بالحلّیّة أو یجب علیه الاحتیاط؟

وجه الإشكال فیه: أنّ رجوع العامّی إلى المجتهد فی تلك الموارد ـ الّتی یكون المرجع فیها الاُصول العقلیة ـ رجوع الجاهل إلى الجاهل. واُجیب عنه: بأنّ رجوع الجاهل إلیه فیما هو جاهل فیه والمجتهد عالم به، وهو فقد الأمارات الـشرعیة فی موردها الّذی یكون المقلّد عاجزاً عن الاطّلاع به. وأمّا فی تعیین الوظیفة فی موارده، وأنّها هل هی البراءة أو الاحتیاط، فهو یرجع إلى عقله.

 

واستشكل فی هذا الجواب: بأنّ العامّی عاجز عن تشخیص حكم العقل فی موارد فقد الأمارة، إلّا أن یقال بأنّه إن لم یعرف من العقل البراءة أو الاحتیاط یعمل بالاحتیاط، فإنّ عقله یعرف أنّه یخرج من اشتغال الذمّة بالتكلیف بالاحتیاط.

اللّهمّ إلّا أن یقال: إنّ العامّی ـ إذا كان الأمر المبتلى به من الاُمور العبادیة ـ عاجز عن كیفیة الاحتیاط وتكرار العمل إلى حصول العلم بفراغ الذمّة.

وقد یجاب عن هذا الإشكال بأنّه یأتی إذا كان دلیل جواز التقلید منحصراً فیما یدلّ على وجوب رجوع الجاهل إلى العالم، فالمجتهد لا یكون فی موارد فقد الأمارة عالماً بالحكم، ولكن یدلّ على الجواز استقرار سیرة العقلاء على الرجوع إلى الخبرة، فالمقلّد یرجع المجتهد فی تلك المسائل لكونه من أهل الخبرة. والله هو العالم.

 

 

 

موضوع: 
نويسنده: