شنبه: 1/ارد/1403 (السبت: 11/شوال/1445)

عرض الدّین والتوحید

 

إنّ لفظ الجلالة «الله» هو أشهر أسماء الله‏ الحُسنى وإلیه تنسب الأسماء الاُخری كالرحیم والرحمن والغفّار والتوّاب والخالق، فیقال: إنّها من أسماء الله‏، ولا یقال: إنّ الله‏ اسم من أسماء الرحیم أو الخالق أو الرزّاق أو الواحد أو الأحد، والسرُّ فی ذلك هو أنّ «الله» اسم للذات المقدّسة للباری تعالى، وأمّا الباری والخالق، والعلیم، والعلّام، والقدیر، والأسماء الاُخری هی أسماء لصفات الذات أو صفات الأفعال له عزّ وجلّ.

والحاصل: أنّ هذا الاسم الجلیل یطلق على الذات الإلهیة الجامعة لکلّ  صفات الكمال، ومقدَّمٌ على سائر الأسماء، وحاوٍ لمعانی کلّ الأسماء الحسنى، وأمّا الأسماء الاُخری، فإنّ کلّ واحدٍ منها یدلّ على أحد تلك المعانی لا کلّها.

فمثلاً اسم «القادر» الشریف، یدلّ فقط على قدرة الحقّ تعالى ولا یدلّ

 

على علمه، وإن دلَّ على بعض الأسماء الاُخری كالحیِّ فعلاً، فإنّ ذلك من باب الالتزام، لا أنّ مفهوم ذلك الاسم هو المعنى المطابقیّ للقادر.

والأمر الآخر هنا: هو أنّ المشار إلیه ومرجع الضمیر فی مثل قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ حَمِیدٌ مَجِیدٌ﴾،([1]) أو ﴿إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ﴾،([2]) هو لفظ الجلالة، وأمّا فی مثل قوله تعالى: ﴿هُوَ اللّٰهُ‏ لَا إِلَهِ إِلَّا هُوَ»،([3]) فقد یكون الضمیر الأوّل هو ضمیر الشأن، أو أنّه إشارة إلی الذات ومسمّى «الله»، كما أنّ الضمیر الثانی قد یكون إشارة إلی الذات الإلهیة المقدّسة، وقد یكون راجعاً إلی «الله‏».

وعلى أیِّ حالٍ، فإنّ كتب شروح الأسماء الحسنى وكتب الأدعیة الشـریفة، تناولت هذا اللفظ الّذی هو أجلُّ الألفاظ وأشرف الکلمات، بإسهاب وتفصیل، كما أنّ الروایات الواردة فی فضیلة هذا الاسم الشریف كثیرة، ومن جملتها ما ورد عن الصادق× من أنّ من قال عشر مّرات: «یا الله‏» فسیقال له: «لبَّیكَ عَبْدی، سَل حاجَتَكَ تُعْطَه».([4])

 

وأمّا «الواحد» فهو أحد الأسماء الحسنى، ولكن هناك عنایة خاصّة بخصوص هذا الاسم واسم «الأحد» من بین سائر الأسماء، وبالاقرار به من خلال کلمة التوحید الّتی لا یتحقّق إسلام الشخص إلّا بها، وبالاعتقاد بمعناها وأنّه لا یتحقّق الإیمان إلّا بإدراك معنى هذا الاسم الشریف والاعتقاد به.

وبحسب ما جاء فی روایة الصدوق فی التوحید عن أمیر المؤمنین× فإنّ إطلاق «الواحد» على الله‏ تعالى له معنیان:

أحدهما: أنّه لا شبیه له ولا نظیر.

ثانیهما: أنّه لا یقبل الانقسام لا فی عالم الوجود الخارجی ولا فی العقل ولا فی الوهم، بمعنى أنّه لا یتصوّر التركیب والتجزئة فیه.([5])

وبعد هذه المقدّمة القصیرة نقول:

إنّ السیّد عبد العظیم قال: أقول: إنّ الله‏ تبارك وتعالى واحد، أی لیس له عضوٌ ولا جزءٌ ولا عدیل ولا نظیر، ولا شریك له ولا شبیه ولا مماثل، ﴿لَیْسَ كَمِثْلِهِ شَیْءٌ﴾،([6]) فالکلّ مخلوق وهو خالق، والکلّ فقیر وهو الغنیّ، والکلّ عاجز وهو القادر المقتدر، والکلّ مسبوق بالغیر وهو

 

السابق على الکلّ، فلا شیء مثله. سواءٌ کان ذلك الشـیء خارجیاً أو ذهنیاً، وسواء کان شیئاً أو جزء الشیء، وسواء كان ذلك الجزء ممّا به الامتیاز عن الأشیاء الاُخری، أو کان ممّا به الاشتراك الحقیقی معها.

إذن، فهو شیءٌ ولا شیءَ هو، وبهذا یُعرَف بأنّ کلّ ما نقوله أو نراه أو نتصوّره فی أذهاننا، فهو غیر الله‏، لأنّ معنى عدم المثلیة هو أنّه غیرُ أیِّ شیء على الإطلاق وإلّا لزم أنْ یكون له مثل.

5 . «خارجٌ عن الحدّین حدّ الإبطال وحدّ التشبیه».([7])

ولشرح وتفسیر هذه الجملة العمیقة والدقیقة لابدّ من ذكر نکتة وهی: أنّه ورد فی الروایة عن الإمام الجواد× ما یستفاد منه أنّ توصیف الباری عزّ وجلّ بـ «الخارج عن الحدّین حدّ الإبطال وحدّ التشبیه» هو توصیف ذاته جلّ شأنه بهذا الوصف، یعنی أنّ ذاته خارجة عن هذین الحدّین.([8])

 

1 . روى العلّامة المجلسـی ـ رضوان الله‏ تعالى علیه ـ عن كتاب المحاسن للبرقی أنّه سُئل الإمام الجواد× أیجوز أن یُقال لله:‏ إنّه موجود؟ قال: «نعم تُـخرجهُ عَن الحدّین: حدّ الإبطال وحدّ التشبیه».([9])

2و3 . روى الصدوق ـ أعلى الله‏ مقامه ـ روایتین عن الإمام الجواد× بأنّه سُئل: أیجوز أن یُقال: إنّ الله‏ عزّ وجلّ شیء؟».

قال: «نعم تُـخرجهُ عن الحدّین حدّ التعطیل وحدّ التشبیه».([10])

 

شرح وبیان:

حدُّ الإبطال والتعطیل هو: أنّنا كما ننزّه الذات عن أن تكون موضوعاً لحمل عناوینَ مثل الجسم، والجوهر، وسائر العناوین الخاصّة الّتی تطلق على المخلوقات، فكذلك ننزّهه عن أن یكون موضوعاً لحمل العناوین العامّة كالشیئیة والموجودیة أیضاً، وحدّ التشبیه أن نحمل على الذات ما یمكننا أن نتصوّره، سواء أكان لهذا المتصوَّر فردٌ خارجیّ حیث یستلزم الشرك أم لم یكن، وكان وجوداً ذهنیّاً فحسب.

وبعبارة اُخرى نقول: لأنّ كُنه وماهیة الله‏ المتعال منزّهة عن التصوّر والتوهّم، إذن فکلُّ ما یمكن تصوّره إذا قیل: إنّه هو، فلیس ذلك صحیحاً، فما ذلك التصوّر هو الله،‏ ولا یمكن حمله علیه، ولا یصدق علیه، إذ فرض صدقه علیه یستلزم التشبیه بغیره.

وبعبارة اُخرى: إنّ كُنه ماهیّة الله‏ تعالى لمّا کان منزَّهاً عن التصوّر والتوهّم، لذا فإنّ کلَّ ما یمكن تصوّره إذا حمل على الذات وقیل: إنّه هو، فلیس هو، ولا یمكن حملُه علیه، ولا یصدق علیه ذلك، إذ أنّ فرض صدق هذا الحمل یستلزم التشبیه بغیره، ونتیجة ذلك هی: أنّه إذا لم یُحكم على الذات بحكمٍ ولم یُخبر عنها بخبر، فهذا هو التعطیل والإبطال، وترك الاعتراف والإقرار بها. وإذا حكم علیها بحكم وقیل

 

عنها: إنّها شیء متوهّم ومتصوّر فی الذهن، فهذا هو التشبیه بالأشیاء المتصوّرة، فالشخص بین أمرین ومحذورین، الالتزام بأیٍّ منهما باطل، فلابدّ من الخروج عن هذین المأزقین والاعتراف والإقرار بالذات، ولتوضیح هذا المطلب الدقیق نقول:

إنّ الإخبار عن الصفات والأسماء الحُسنى مثل الخالق والقادر والرزّاق والعالم وإطلاقها على الله‏ تعالى، أمرٌ صحیح یقیناً، وقد نطق الكتاب والسنّة بذلك، وكذلك سلب الصفات السلبیة عنه عزّ اسمه صحیح ولا إشكال فیه، مع أنّ صحّة هذا الإطلاق تتوقّف أیضاً على جواز الإخبار عن الذات والاعتقاد بها، وهو بین المحذورین السابقَین.

وعلى کلّ حال، فإنّه لا یصحُّ الإخبار عن كنه وحقیقة الذات الإلهیة ـ تعالت وجلّت ـ بأنّها شیء معیَّن حتى لو کان فی الذهن، لأنّ تصوّر ذاتِه وكُنهِه غیرُ مقدور لأحدٍ حتى الأنبیاء اُولی العزم والملائكة المقرّبین، إذن، فلا یمكن أن تكون الذات بعنوان القضیّة الموجبة موضوعاً لإثبات محمولٍ وعنوان خاصٍّ أبداً، ولا یصدق علیه مثل تعریف الإنسان بالحیوان الناطق أو الجوهر أو العرض، والّتی  تصدق على الإنسان، فذاته المقدّسة تأبى عن التعریف؛ لأنّ ذلك فرع إمكان تصوّر كنهه وحقیقته وهو محال، وکلّ ما قیل من أنّه ذات الله‏ وكنهه فهو

 

یستلزم المحذورین ویتوقّف على محالین وهما:

الأوّل: تصوّر ومعرفة كنه وذات الباری تعالى.

الثانی: تشبیهه بالغیر وبما یُتصوّر فی الذهن.

والحاصل هو: أنّ الإخبار عن ذات وكنه الله‏ عزّ وجلّ، أمرٌ دائر بین التعطیل والامتناع عن الإخبار والإقرار أو الإخبار والتشبیه، وکلاهما باطل، والخروج عن هذین المحذورین إنّما یكون فقط بما ذكره الإمام الجواد× بحسب ما جاء فی هذه الروایات، وما ذكره السیّد عبد العظیم فی قضیّة عرض دینه على الإمام× من أنّ الله‏ تعالى خارج عن هذین الحدّین وإن لم یُبیّن تفصیل كیفیة ذلك الخروج، وكأنّه اكتفى بوضوح ذلك الأمر فیما بینه وبین الإمام×، وحاصل هذه الروایات هو الإقرار والاعتراف والاعتقاد بالذات بأنّها موجودٌ وشیءٌ بدون القول بالتشبیه، والله‏ هو العالم بذاته وصفاته ونعوذ بالله‏ أن نقول فیه ما لم یقُله هو سبحانه وتعالى، وأنبیاؤه وأولیاؤه.

وفی كتاب التوحید الشریف، روى أنّ عبد الرحمن بن أبی نجران قال: سألت أبا جعفر الثانی (الإمام الجواد×) عن التوحید، فقلتُ: أتوهَّمُ شیئاً ـ أی أنّی أتوهَّم أنّ الله‏ تعالى شیء ـ فقال: «نعم غیر معقول ولا محدود، فما وقع وهمك علیه من شی‏ء فهو خلافُه لا یشبهه شیءٌ ولا تدركه الأوهام، كیف تدركه الأوهام وهو خلاف ما یعقل وخلاف ما یتصوّر فی

 

الأوهام، إنَّما یتوهّم شیءٌ غیر معقول ولا محدود».([11])

وللعلّامة المجلسی ـ رضوان الله‏ تعالى علیه ـ بیان فیما یرتبط بهذا الحدیث، یقول فیه: إنّ المفاهیم والمعانی على قسمین، مفاهیم لها عمومیة وشمول، ولا یخرج عنها شیءٌ من الأشیاء الذهنیة والعینیة، منها مثل مفهوم الشـیء والموجود والمخبَر عنه، ولذا فهی تطلق أیضاً على ما لا یقبل التعقّل والتصوّر وغیر المحدود.

ومفاهیم عند إطلاقها یمكن توهّم وتصوّر مصادیقها.

وإطلاق المفاهیم من القسم الأوّل على الله‏ المتعال، هی إثبات ونفی إنکار وإبطال وتعطیل، ونفی إطلاقها على الله‏ تعالى هو إبطال وتعطیل وإنكار.([12])

ولذا نجد أنّ الإمام× یجیز أن یقال: «الله‏ موجود» أو «الله‏ شیءٌ»، إذ لا  یتصوّر له مصداق فی الذهن، ولأنّ المفهومَ عامّ یصدق على غیر المتصوّر، والمنزّه عن التصوّر، بل لیس به مفهومٌ متصوّر ومصداقٌ ذهنیّ خاصّ، فیصدق إطلاقه على الباری تعالى، وکلّ ما یتصوّر فی الذهن من المفاهیم فلا یعقل أن یكون هو الله‏، وأنّ الله‏ لیس ذلك الشـیء وهو

 

منزّه عنه، ولذا فإنّ إطلاق «الشـیء» و«الموجود» على ذات الباری عزّ وجلّ، خارج عن حدّ التعطیل ومأذون ومجاز، وإثبات، ونفی «الشـیء» و«الموجود» عنه تعالى فی حدِّ الإبطال والإنكار والتعطیل غیر مأذون ومجاز.

وبالجملة، یمكن القول أنّ المستفاد من هذه الأحادیث والروایات هو: لمّا كانت معرفة حقیقة الذات وكنه الحقّ تعالى محالة، وأنّ الشـیء غیر المحدود لا  یقبل التعقّل والتصوّر، فلا یوجد لفظ واسم وعنوان یدلّ علیه، وفی مقام التعریف والإشارة إلی تلك الذات یقتصـر فقط على استعمال العناوین العامّة مثل «موجود» و«شیء» و«حقّ» و«ثابت» وهذا نهایة التعریف ومعرفة الذات الإلهیة المقدّسة، والّذی ینبغی أن یعرفه الجمیع.

وإذا قال أحدٌ: إنّه «لیس بموجود» أو «لیس بشـیء» أو «لیس بحقّ» حذراً من التشبیه، كما یخبر عن تلك الذات بأنّها لیست جسماً ولا صورةً ولا جوهراً ولا عرضاً، فإنّ ذلك إلحادٌ وتعطیلٌ وإنکار، بخلاف الأوّل الّذی یعدُّ إیماناً واعترافاً وإقراراً.

وهذا هو أیضاً جواب للشبهة القائلة: إذا کان الله‏ تعالى لا یمكن لأحدٍ أن یتصوّره ویتعقّله بما نتصوّر ونتعقّل به الممكنات من الحدِّ

 

والتعریف والتوصیف، فكیف یُشار إلیه إذن؟

فالجواب: هو أنّه یمكن الإشارة إلیه بهذه العناوین العامّة من أنّه «شیء» ولا یصحّ إطلاق غیر هذه العناوین علیه، ولا وجود للفظٍ خاصّ یدلّ على كنه ذاته حتى لو کان مثل «الوجود» بالمعنى الّذی یقوله القائل بأصالة الوجود.

ومثال ذلك: ما لو رأینا نقشاً أو بناءاً أو أمراً حادثاً ولم نشاهد النقّاش أو البنّاء أو المحدِثْ، ولم نسمع بوصفه، لكنّنا مع ذلك نحكم بوجوده، وعدم تصوّر شکله لا یكون مانعاً عن الحكم بوجوده، فكذلك استحالة تعقّل ذات الباری تعالى، لا  تمنع من إطلاق لفظ «الشـیء» و«الموجود» علیه والإشارة إلیه بهما، وغایة ونهایة معرفة الذات هی: «أنّه شیءٌ وموجودٌ ولیس كمثله شیء» وهذا هو معنى أنّه خارج عن الحدّین، فهو منزَّه عن التعطیل والإبطال ومنزّه عن التشبیه، فبإثبات أنّه شیءٌ وموجود وقادر وعالم ولیس كمثله شیء، نكون قد أقررنا وآمنّا واعتقدنا به، وهذا لا یعنی أنّ ذاته تعالى هی أمرٌ بین أمرین، بل المقصود هو أنّه فیما یرتبط بالإقرار والاعتراف به وقبوله لابدّ أن نعتقد أنّها أمرٌ بین أمرین، بمعنى أنّه حصل الإقرار بوجود الله‏ تعالى وكذلك حصل تنزیه عن التشبیه، ففی مقابل الإنكار أو الإقرار ومع التشبیه کان إثبات الذات ونفی التشبیه بین هذین الأمرین.

 

وبعبارة اُخرى: إنّ مقابل عدم الثبوت أو الثبوت والتشبیه هو الثبوت وعدم التشبیه.

وعلى أیّ حال، سواءٌ کان التعبیر بالأمر بین الأمرین دقیقاً أو لم یكن كذلك، فالمطلب معلوم، ولیس الکلام فی هویّة وكُنهِ الباری تعالى لیقول قائل: إنّ التعطیل والتشبیه لیسا نقیضین، إذ یمكن ارتفاعهما فلا تعطیل ولا تشبیه، فإذا لم یكن تعطیلاً ولا تشبیهاً فما هو إذن؟

ویقول: هو أوسع وهو حقّ، لا بمعنى أنّه ثابت، وأنّ له واقعیة وحقیقة، وأنّه موجد الأشیاء وخالقها طبق حكمة ومصلحة، ولا بالمعانی الاُخری الّتی  ذكرت فی كتب التفسیر للحقّ، والّتی بیَّنها مثل الراغب الأصفهانی فی مفردات القرآن،([13]) بل إنّ الحقّ هنا بمعنى أنّ فی مقابله العَدَم، لا عدمه هو بل عدم کلّ  الأشیاء، والحقُّ غیرُ متناهٍ وأنّ کلّ ما هو موجود فهو هو، وأنّ غیره باطل وعدمٌ صرفٍ.

وهذا المعنى للخارج عن حدّ الإبطال والتشبیه، معنىً عجیب لا یخلو من المغالطة، ففی هذه الروایات طرحت مسألة الإثبات والإقرار بوجود الله‏ ونفی الإبطال والإنكار والتعطیل، ولیست المسألة مسألة ماهیة الله‏ ولا الحدیث عن كنهه جلَّ وعلا لیقول هذا القائل: إنّه الحقُّ،

 

أو یقول: إنّه الوجود غیر المتناهی وإنّ غیره باطل حقیقی وعدمٌ محض.

فلا یستفاد ذلك أبداً من الروایات، فالله‏ تعالى هو الله‏ وأنّ ذاته هی ذاته، فلا یمكن تفسیر روایة عرض الدین والروایات المشابهة لها بهذه المعانی الّتی قالها بعض العامّة فی القرن السابع وبعض الخاصّة فی القرن العاشر، فینبغی أن لا  تنسب هذه المعانی إلی مدرسة أهل البیت^ ومعارفهم الأصیلة.

فالله‏ شیءٌ وموجودٌ أو له وجود، ومثل هذه العناوین العامّة یجوز إطلاقها على الله‏ تعالى، وكذلك مثل «الله‏ حقّ» بمعنى أنّه ثابت وأنّه خلق العالم طبق الحكمة ولم یخلقه بالباطل، وأنّ غیره باطل یعنی غیر ثابت، وأمّا أنّ «الله‏ حقّ» بمعنى أنّه حقٌّ ووجود وأنّ مقابله باطل وعدمٌ وأنّ وجود أیِّ شیء عداه هو نقیضه، فهذا ما لا یوافق القرآن والروایات والوجدان، والأسماء الحسنى والرحمن والرحیم والخالق والبدیع والرزّاق والمحیی والممیت والمعزّ والمذلّ والمجیب والشافی والغفّار والتوّاب و... إلخ. بل هو مخالف لها.

فوجود الشیء أو عدم وجوده یعنی أنّه موجود أو غیر موجود، لا الوجود أو العدم بالمعنى المستقلّ الّذی هو أنّه لا یوجد شیء غیر الوجود وأنّ وجوده وجود الوجود وعدمُه عدمُ الوجود.

 

فالله‏ تعالى حقٌّ، یعنی أنّه ثابت ودائم وأزلیّ وأبدیّ وأنّ غیره باطلٌ بمعنى أنّه زائل وفانٍ، وهذا هو معنى:

ألا کلّ شیءٍ ما خلا الله‏ باطلٌ          وکلُّ نعیــمٍ لا محــالةَ زائلٌ([14])

وبهذا التوجیه یصدق هذا الشعر، وأمّا إذا قیل: إنّ الله‏ حقٌّ بمعنی أنّ کلّ شیء هو الله‏، أو أنّه لا شیء سواه وأنّ الأمر یدور بین أمرین: إمّا الحقّ والوجود أو الباطل والعدم، وأنّ السماوات والأرض وکلّ المخلوقات باطلٌ، إذا كانت موجودة أیضاً، كما کان الله‏ تعالی الّذی هو الحقّ أو الحقّ الّذی هو الله‏ موجوداً، كان ذلك من قبیل اجتماع النقیضین واجتماع الحقّ والباطل! فهذا الکلام لیس صحیحاً، لأنّ الحقّ والباطل لیسا من النقیضین واجتماعهما ممكن، والباطل بمعناه الصحیح الّذی یعنی أنّ الموجودات مُحدثَةٌ ولها وجود، كما أنّ الحقّ والوجود الثابت الأزلیّ الأبدیّ محدِثُ الممكنات، موجودٌ، ومعنى أنّ الله‏ تعالى واجب الوجود هو أنّ وجوده واجب وعدمه ممتنع، لا أنّ وجوده وجودٌ وفی مقابله عدمٌ، بمعنى نفی ممكن الوجود الموجود بالوجدان.

والآیات القرآنیة الشریفة، ابتداءاً من بسملة الفاتحة إلی سورة الناس صریحة بهذا المعنى، فالرحمن والرحیم والخالق والرزّاق والمالك والحقّ

 

والثابت والمصوّر والقادر والحافظ والغفّار و... إلخ، موجود وكذلك المرحوم والمخلوق والمرزوق والمملوك والمحفوظ والمغفور له و...
إلخ، لها وجود.

ولا یخفى، أنّ المستفاد من کلمات البعض هو: لمّا کان معنى الخروج عن حدّ التعطیل أو حدّ التشبیه لیس هو الأمر بین أمری التعطیل والتشبیه أو الإنكار والتشبیه، إذن لابدّ أن یكون شیءٌ رابع أبعد من هذه الثلاثة، وهو الحقّ والوجود، بذلك المعنى للحقّ وهو غیر المتناهی والمقابل للباطل والعدم.

وکان هذا البعض یرید القول بأن الخروج عن الحدّین لا یكون بإطلاق «الشیء» علیه تعالى والّذی له معنىً عامّ، بل إنّ الخروج عن الحدّین هو إثبات الذات والإخبار عن الذات وما به الذات، وهو الحقّ والوجود، واستشهد لذلك بالحدیث الأوّل من الباب 36 من كتاب التوحید، والّذی ینتهی سنده إلی هشام بن الحكم ـ رحمه الله‏ ـ، وهو حدیث غنیّ بالمعانی، مشحون بالحقائق الراقیة فی معرفة الله‏.

یقول فی ضمن هذا الحدیث: ولابدّ من إثبات صانع الأشیاء خارجٍ من الجهتین المذمومتین إحداهما النفی إذ کان النفی هو الإبطال والعدم، والجهة الثانیة التشبیه إذ کان التشبیه من صفة المخلوق الظاهر التركیب

 

والتألیف... إلخ.([15])

فیقول البعض: إنّ المستفاد من جملة: «ولابدّ من إثبات صانع الأشیاء..»، أنّ المراد من «خارج عن حدّ الإبطال وحدّ التشبیه» لیس هو الإقرار وإثبات أنّه شیءٌ أو موجودٌ، بل لابدّ من إثبات صانع الأشیاء بعنوانه الخاصّ وبذاته الخاصّة وأنّه حقٌّ ووجودٌ وأنّه غیر متناهٍ، والّذی یتضمّن نفی الإبطال والتشبیه، وأمّا القول بأنّه شیءٌ، فهو أعمّ من نفی أو إثبات التعطیل والتشبیه، حتى لو دلَّ على نفی الإبطال فإنّه لا یدلّ على نفی التشبیه ولذا یقول فی الروایة: إنّه لابدّ من إثبات صانع الأشیاء بنحو ینفی التعطیل والتشبیه معاً.

ومن هنا یمكن القول بأنّ قول السیّد عبد العظیم «خارجٌ عن الحدّین» هو عبارة اُخرى عن «الحقّ» و«الوجود» و«غیر المحدود» و«غیر المتناهی» ولكن ذلك السیّد الجلیل، اعترف بالخارج عن الحدّین، إمّا بنحو الإجمال مع أنّه آمن بالحقّ والوجود مع عدم معرفته بأنّ الخارج عن الحدّین هو الحقّ وهو الوجود، وإمّا أنّه اعترف بذلك مع معرفته بأنّ الخارج عن الحدّین هو «الحقّ» و«الوجود» ولكنّه اكتفى بذلك التعبیر لدلالته علیه.

 

الجواب: أمّا ما یرتبط بأنّ القول بأنّه «شیءٌ» أو «موجودٌ» هو إخراج عن حدّ التعطیل والتشبیه، فبیانه هو أنّ التشبیه إمّا فی الذات أو فی الصفات، وما تشیر إلیه الروایة هو إنکار الذات أو تشبیه الذات، والقول بأنّه شیءٌ أو موجودٌ، لا هو تعطیلٌ ولا هو تشبیه وامتناع عن القول بالتعطیل والتشبیه.

وظاهر الروایات هو أنّ السائل کان خائفاً من الوقوع فی التعطیل والتشبیه، فكان محتاراً فی اختیار اللفظ الّذی یثبت به الذات الإلهیة ویُخبر عنها، ولذا سأل الإمام× عن لفظ «الشـیء» ولفظ «الموجود» فأجابه الإمام× بأنّ هذین اللفظین لیس فیهما خطر التعطیل والتشبیه بل فیهما الخروج عن هذین الحدّین.

كما أنّ المستفاد من روایة هشام، لا یعدو هاتین الصفتین، «هو صانع الأشیاء» و«هو خارج عن الحدّین»، والصفة الاُولى ثبوتیة والصفة الثانیة تنزیهیة، أی: أنّه منزّهٌ عن الحدّین وأنّ التعبیر عنه بالشیء لا یشتمل على مفهوم التعطیل والتشبیه، بل إنّ فیه دلالةً على إثبات الذات.

وبعبارة اُخرى: إنّه أطلق علیه لفظاً لیس فیه مفهوم الإبطال ولا التشبیه، إذ فی مقام الإخبار عنه عزَّ اسمه، قد یتلفّظ بلفظ یشتمل على مفهوم الإنكار أو التعطیل والتشبیه، مع أنّ اللافظ ینزّه ذلك الإله عن

 

التعطیل والتشبیه واقعاً، وأمّا لفظ «الشی‏ء» و«الموجود» فإنّه یدلّ على الذات والإقرار بها فقط، بدون الدلالة على تلك المفاهیم المحذورة.

ونضیف فی خاتمة هذا البحث الدقیق، أنّ البعض قال: لیس المراد من الإبطال والتعطیل، ترك إثبات وجود الله‏ تعالی، والّذی هو بدیهیّ، بل إنّ المراد من ذلك، التعطیل فی التعبیر عن حقیقة ذات الاُلوهیّة بالألفاظ، وتعطُّل العقل عن معرفة ذاته عزَّ اسمه، إذ لا یوجد لفظٌ دالٌ على ذلك الوجود، فیكتفى فی إثبات تلك الذات المقدّسة والاعتراف والإقرار بها، بإطلاق تلك العناوین العامّة مثل «شیء» و«الوجود» و«ثابت»، كما أنّ الأسماء الحسنى مثل القادر والعالم وبإعتبار دلالتها على الذات أو الشیء الموجود الّذی له قدرة وعلم، تدلُّ على الذات والصفة کلتیهما، وإثباتها أیضاً إثبات للذات وللشیء.

یقول العلّامة المجلسـی: «حدّ التعطیل هو عدم إثبات الوجود والصفات الكمالیة والفعلیة والإضافیّة له تعالی، وحدّ التشبیه الحكم بالاشتراك مع الممكنات فی حقیقة الصفات وعوارض الممكنات».([16])

أقول: إذا کان حدّ التعطیل ما ذكره بالتفصیل فلا یخرج منه بالقول

 

بأنّه شیء. وحدّ التشبیه لا ینحصر بالاشتراك مع الممكنات فی حقیقة الصفات، بل یكون بالاشتراك فی حقیقة الذات مثل ما یقوله القائل بأصالة الوجود والله‏ هو العالم ونستغفره ونتوب إلیه من الورود فی المباحث الّتی لم یکلّفنا بالورود فیها؛ لعجز عقولنا عن إدراكها أو لصعوبة فهمها، ولكونها من مزالّ الأقدام ولا حول ولا قوّة إلّا بالله‏ العلیّ العظیم.

6 . «وإنّه لیسَ بجسمٍ ولا صورة ولا عَرَضٍ ولا جوهرٍ».([17])

فلا هو بجسم ولا صورة، ولا هو بعرضٍ ولا جوهر، ولا فرق فی سلب الجسمیة والصورتیة والعرضیة والجوهریة، سواءٌ فسَّـرناها طبقاً لاصطلاح أهل المعقول كما نقل عن المحقّق الطوسی ـ علیه الرحمة ـ أو فسـّرناها بالمعنى العرفی والّذی یبدو أنّه أظهر، وهو أنّ الجسم بمعنى الجَسد أو الشیء الّذی له الأبعاد الثلاثة (الطول والعرض والعمق)، وأنَّ الصورة بمعنى التشکُّل بشکل  یتمیّز به عن الأشكال الاُخری، والعَرَض فی الاصطلاح العرفی هو الشیء القائم بالغیر وفی المحلّ.

 

وبعبارة اُخرى: الجوهر الّذی هو عرفاً فی مقابل العرض، لا الجوهر الّذی هو فی مقابل المعانی الاُخری والّذی ینقسم فی الاصطلاح إلی خمسة أقسام، وأحدُ قسمی الممكن، وأمّا الجوهر بمعنى ذات الشـیء وحقیقة الشیء فلیس مراداً.

وعلى کلّ حال، فالله‏ تعالى، منزَّهٌ عن هذه المعانی، أعمّ من أن یكون المقصود هو المعانی الاصطلاحیة أو کان المقصود، المعانی العرفیة فی مقابل المعانی الاُخری.

7 . «بَلْ هُوَ مُـجَسِّمُ الأجسام ومصوِّرُ الصُور وخالقُ الأعراضِ والجواهِر».([18])

إنّ الأجسام والأعراض والجواهر والصور، لم توجد من قبل نفسها، كما أنّ وجودها لیس قدیماً ودائمیاً، ولا أنّها غیر محتاجة لخالقٍ وموجد، فكما یُصرِّح القرآن الكریم: ﴿أَمْ  خُلِقُوا مِنْ غَیْرِ شَیْ‏ءٍ أَمْ  هُمُ  الْخَالِقُونَ﴾.([19])

فجواب هذا التساؤل الشریف فی الآیة، هو النفی بداهةً وفطرةً، فمثل هذا الوجود غیر متصوّر وممتنع، فکلّ هؤلاء عاجزون عن إیجاد أنفسهم، كما أنّ كسب الوجود من أمثالهم محالٌ أیضاً، كما لو طلب محتاج

 

من محتاج شیئاً، وطلب مقروضٌ من مقروضٍ دَیناً.

وعلیه، إذا کان الله‏ تعالى وهو مجسِّم الأجسام ومصوّر الصُور، جسماً أو صورةً، کان محتاجاً إلی مجسِّم ومصوِّر.

لذا، یقول أمیر المؤمنین×:

«بتَشعیرِهِ المشاعِرَ عُرِفَ أن لا مَشعَرَ لَهُ، وبمضادَّتِهِ بَیْنَ الاُمور عُرِفَ أن لا ضِدَّ له، وبمقارَنَتهِ بَیْنَ الأشیاءِ عُرِفَ أن لا قَرینَ لَهُ».([20])

8 . «ورَبُّ کلّ شیءٍ ومالِكُهُ وجاعِلُهُ ومُـحَدِثُهُ».([21])

الربّ، بمعنى المربّی وموصل الشیء من النقص إلی الكمال،([22]) وهذا المعنى للتربیة متصوّر فی الموجودات الّتی لیس لکلّ أو بعض كمالاتها فعلیّة ولكنّها حائزة على الاستعداد للكمال بالقوّة، لتكون تربیتها مؤثّرة، ولإیصالها من النقص إلی الكمال ومن القوّة إلی الفعلیّة.

وعلى هذا، تدلُّ جملة «رَبُّ کلّ شیءٍ» على أنّ کلّ الأشیاء بحاجة إلى تربیة، ولیس لها الفعلیّة المستغنیة عن المربّی، حتى لو کانت من قبیل

 

المجرّدات والعقول، الّتی یعتقد القائلون بوجودها أنّها فعلیة محضة، فالقول بها وأنّ صدور المخلوقات غیر المجرّدة لابدّ أن یترتّب على صدورها وخلقتها، مستلزمٌ لعیوب ومفاسد عدیدة.

والمعنى الآخر للربّ هو السیّد والصاحب والمالك.([23]) ومن یصنّف المخلوقات إلى صنفین، لابدّ أن یقول بأنّ إضافة «ربّ» إلی کلّ شیء یفید أنّ المراد من الربّ هو المعنى الثانی، إذْ بعد فرض أنّ المخلوقات على قسمین تكون إضافة «ربّ» إلی کلّ شیء جاعلةً المعنى الأوّل بحاجة إلی تفسیر وتأویل وتوجیه.

وعلیه، یكون المعنى هو أنّ من أوصاف الله‏ تعالى هو أنّه صاحبُ کلّ شیء ومالكه، وجاعله وموجده.

ولا یخفى أنّ الصفات الّتی وردت فی هذه الفقرات من کلام السیّد عبد العظیم فی مقام عرض الدین، هی بعض الصفات السلبیة وبعض الصفات الثبوتیة الفعلیة، الّتی مصدرها الصفة الثبوتیة الذاتیة، لأنّ کلّ الصفات الفعلیة ترجع إلى صفة العلم والقدرة، وتدلُّ على صدور الفعل والظهور الخارجی للقدرة.

والمطلب الدقیق هنا هو: أنّ عدّة مسائل اُخرى ترتبط بعرض العقائد

 

والّتی لم یبیّنها السیّد عبد العظیم الحسنی، كالاعتقاد بالعلم وقدرة الله‏، ومسألة الکلام والإرادة، ویبدو أنّه أوکلها لوضوحها، مضافاً إلی استفادتها بالملازمة من تلك الجمل، لا أنّه غفل عنها تماماً.

وقد یكون المراد والمقصود هو بیان العقائد المختلف فیها بین الشیعة وسائر الفرق الإسلامیة، وخاصّة الأشاعرة، وأنّ الغرض هو بیان العقیدة الحقّة فی هذه المسائل الخلافیة، وبعض الجمل الاُخری ناظرة إلی هذا المعنى أیضاً.

والأمر المهمّ هنا، هو: أنّ هذا الوصف للباری عزّ وجلّ، إمّا هو للصفات الثبوتیة الفعلیة، أو للصفات السلبیة للذات الإلهیة المنزهّة عنها، ولا یستفاد إثبات الصفات الثبوتیة الذاتیة إلّا من جملة «خارج عن الإبطال»؛ وأمّا ما یرتبط بكنه وحقیقة هذه الصفات الّتی هی منزّهة عن الإدراك مثل تنزّه الذات عن إدراكها من قبل المخلوقات فلم تتعرّض له أیّة عبارة، وذلك لأنّ الکلام عنها منهیٌّ عنه وممنوع.

ومن هنا یُعلم عدمُ جواز البحث فی هذه الصفات الذاتیة كالعلم والحیاة والّذی یرتبط بحقیقة هذه الصفات، وأنّ البحث فیها قد یوجب الضلال والإضلال.

وما أجمع وأتمَّ وأكمل کلام أمیر المؤمنین× فی هذا المعنى حیث

 

یقول:

«دَعِ القَولَ فیما لا تعرف، والخطابَ فیما لا تُکلَّف، وأمْسِك عَن طریقٍ إذا خِفتَ ضلالَته، فإنَّ الكفَّ عِندَ حَیْرَة الضَّلالة خیر مِن ركوبِ الأهوال».([24])

وما أروع ما أنشأهُ الفاضل المعتزلی ابنُ أبی الحدید:

والله‏ لا موسى، ولا
علموا ولا جبریل، وهـوَ
کلّا ولا النفس البسیطةُ
من كنه ذاتك غیر أنّك
من أنت یا رسطو! ومن
ومن ابنُ سینا حین قرّر
هل أنتمُ إلّا الفراش
فدنا فأحرق نفسه ولو

 

 

عیسى المسیح ولا محمد
إلی محلّ القدس یصعد
لا، ولا العقل المجرّد
واحدیُّ الذاتِ سرمد
أفلاط قبلك یا مبلَّد
ما بنیت له وشیّد
رأى الشهاب وقد توقّد
اهتدى رشداً لأبعد
([25])

 

 

 

([1]) هود، 73.

([2]) الأحقاف، 33.

([3]) الحشر، 23.

([4]) ابن فهد الحلّی، عدّة الداعی، ص52؛ الحرّ العاملی، وسائل الشیعة، باب أنّه یستحبّ أن یقال فی الدعاء. . .، ج7 ص87، ح8807.

([5]) الصدوق، التوحید، باب معنى الواحد والتوحید والموحّد، ص83 ـ 88، ح3.

([6]) الشوری، 11.

([7]) الصدوق، کمال الدین، ص379.

([8]) لا یخفى أنّه فی النسخة المطبوعة، ابتداءاً ربط البحث فی جملة الإبطال والتشبیه بالصفات، وقد بیّنّا رأینا هناك بأنّه وبملاحظة هذه الروایات الواردة یتّضح لنا بأنّ البحث مرتبط بالذات، ولكن ولأنّ أصل ذلك المطلب صحیح فی حدّ ذاته أیضاً، ویرتبط نوعاً مّا بکلّ البحث وجملة: «خارجٌ عن الحدّین» تشمل بإطلاقها البحث فی الصفات، لذا سنأتی بوجهة نظرنا تلك فی هوامش هذا الكتاب:                                                              Z

[«الخارج عن الحدّین...»، یعنی أنّ الله‏ لیس محدوداً بهذین الحدّین ولیس معرَّفاً بهذین التعریفین:

 الأوّل، حدّ الإبطال وهو القول بنفی الصفات الثبوتیّة له بالمرَّة، وهذا القول ناشٍ عن الإفراط  فی الحذر من القول بالتركیب وإثبات صفة له عزّ اسمه، ونتیجة هذا الرأی هی القول بأنّ الباری تعالى ـ نعوذ بالله‏ ـ فاقد لصفاتٍ مثل العلم والقدرة.

 الثانی، حدّ التشبیه، وهو القول بتشبیه الباری بالخلق، وأنّ العلم والقدرة وبعض الصفات الاُخری خارجة عن ذاته، وحاله حال سائر الموجودات، والحقُّ أنّه هنا لابدّ أیضاً من القول بالأمر بین الأمرین وأن نعتقد بأنّ صفاته هی عین ذاته، لا أن ننفی عنه الصفات، فإنّ ذلك مخالف للعقل والشرع، ولا أن نشبّهه بخلقه ونعتبر أنّ تلك الصفات اُمور زائدة عن ذاته فكما أنّ ذاته منزّهة عن الشبیه فكذلك حقیقة صفاته الّتی هی عین ذاته منزّهة عن معرفتها. فنحن نعلم بأنّ علمه لیس أمراً زائداً على ذاته مثل علم المخلوقات، كما نعلم بأنّه عالم بکلّ شیء فی العالم وعلیم به.

([9]) البرقی، المحاسن، ج1، ص240؛ المجلسی، بحار الأنوار، ج3، ص265 .

([10]) الصدوق، التوحید، باب7، ح1و7، ص104، 107.

([11]) الصدوق، التوحید، باب7، ص106، ح6 .

([12]) المجلسی، بحار الأنوار، ج3، ص267.

([13]) الراغب الأصفهانی، المفردات فی غریب القرآن، ص125 ـ 126.

([14]) المجلسی، بحار الأنوار، ج22، ص267 .

([15]) الصدوق، التوحید، باب 36، ح1، ص246.

([16]) المجلسی، مرآة العقول، كتاب التوحید، باب إطلاق القول بأنّه شیء، ج1 ص282، ذیل ح2.

([17]) الصدوق، کمال الدین، ص379. ولو أنّ جملة «لَیْسَ كَمِثْلِهِ شَیْءٍ» تدلُّ بالالتزام على تنزّه الباری عن الجسمیة وسائر صفات وذاتیات الممكنات، لكن جملة «إنّه لیس بجسم...»، تدلّ على ذلك بالمطابقة.

([18]) الصدوق، کمال الدین، ص379.

([19]) الطور، 35.

([20]) نهج البلاغة، الخطبة 186(ج2، ص119 ـ 120).

([21]) الصدوق، کمال الدین، ص379.

([22]) الراغب الأصفهانی، المفردات فی غریب القرآن، ص184.

([23]) الراغب الأصفهانی، المفردات فی غریب القرآن، ص184.

([24]) نهج البلاغة، کتاب 31 (ج3، ص39)؛ ابن شعبة الحرّانی، تحف العقول، ص69؛ الحرّ العاملی، وسائل الشیعة، كتاب القضاء، ج27، ص160، باب وجوب التوقّف والاحتیاط فی القضاء.

([25]) ابن أبی الحدید، شرح نهج البلاغة، ذیل الخطبة 231، ج13، ص50.

نويسنده: