پنجشنبه: 1403/02/6
نسخة للطباعةSend by email
في ‏اختلاف مستويات الأئمة عليهم السلام في‏الإيمان والعلم والأخلاق‏

 

قال السائل المحترم زاد اللَّه فی سداده ورشاده: كیف یمكننا درء الشبهة القائلة باختلاف مستویات الأئمة علیهم السلام إیماناً وعلماً وخُلُقاً؟ وذلك باعتبار ما یرویه لنا التاریخ من سیرهم.

أقول: إن كان المراد من المستویات: مقوّمات الأهلیة للإمامة، وتولّی الزعامة والقیادة فكل واحد منهم علیهم السلام واجد لتلك المرتبة، وإن كان المراد اختلاف مستویاتهم فی الزائد على هذه المرتبة فالذی دلّ علیه الدلیل هو أفضلیة الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام من سائر الأئمة ومن أنبیاء السلف على‏ نبیّنا وآله وعلیهم السلام.

ویستفاد من بعض الأحادیث أنّ مولانا المهدی علیه السلام- وهو تاسع الأئمة من ذرّیة الحسین علیه السلام- أفضل التسعة علیهم السلام كما أنّ الأحادیث الكثیرة دلّت على أ نّه علیه السلام یؤمّ عیسى‏ بن مریم وعیسى‏ یقتدی به صریحة فی أفضلیّته من عیسى‏ على نبینا وآله وعلیه السلام.

وإن كان المراد: أنّ سیرهم التاریخیة دلّت على اختلاف مستویاتهم فنقول:

اولًا: إنّ سیرهم التاریخیة إنّما دلّت على علوِّ مستوى أرباب هذه السیرة، ولم نجد فیها ما یدلّ على اختلاف مستویاتهم، ومجرّد عدم حفظ التاریخ سیرة بعضهم، وما صدر عنه من العلوم لایدلّ على أنّ مستوى غیره ممّن حفظ عنه التاریخ ذلك كان أرفع وأعلى منه، لاسیّما مع ما نعلم بأنّ السبب الوحید فی عدم حفظ ما صدر عن بعض الأئمة علیهم السلام ، مثل الإمامین السبطین علیهما السلام إلّاالنزر الیسیر، هو السیاسات الغاشمة المستبدّة الحاكمة على المسلمین.

وإن شئت أن تعرف أفاعیل السیاسة فی ذلك، والخسارات العلمیة التی منیت بها هذه الامّة من أرباب هذه السیاسات، التی حرمت الناس حریاتهم فی أخذ العلوم الإسلامیة من منابعها الأصلیة ومصادرها الأولیة راجع كتب التاریخ، وكتاب «النصائح الكافیة»، وكتابنا «أمان الامّة».

نعم، مرّت على هذه الامّة أزمنة كان أخذ العلم عن أهل البیت علیهم السلام وروایته من‏أعظم الجرائم‏السیاسیة، یُعذَّب مُحِبُّوهم وشیعتهم شرَّ تعذیب، ویُنكَّل بهم أشدّ التنكیل، یُقطِّعون أیدیهم وألسنتهم، ویقتلونهم شرّ قتلة، ویسبّون بطل الإسلام ونفس الرسول وباب علمه وخلیفته ووصیّه على المنابر، التی لم تقم فی‏ الإسلام إلّابمجاهداته وتضحیاته وبطولاته.

ففی هذه الظروف والأحوال لم تسمح الفرص لبعض الأئمة علیه السلام القیام ببثِّ العلم كما سمحت للبعض الآخر مثل الإمام‏ الباقر والإمام جعفر الصادق علیهما السلام، ومع ذلك فما فی أیدینا منهم یكفی فی الدلالة على علومهم اللدُنِّیة، وأنّ مستوى كلّ واحد منهم فی الإیمان والعلم والأخلاق أعلى‏ المستویات، وأنّهم خُزّان العلم، ومعادن الإیمان، وینابیع الحكم، وكنوز الرحمن، إلیهم یفی‏ء الغالی، وبهم یلحق التالی، وعلم كلّ واحد منهم علم الجمیع.

فهذا الإمام جعفر الصادق علیه السلام قد أخذ العلم منه جماعة یربو عددهم على أربعة آلاف رجل، حتّى أنّ الحافظ الشهیر ابن عقدة (المتوفّى‏ سنة 333 هـ) صنّف كتاباً فی أسماء الرجال الذین رووا عنه أربعة آلاف رجل، وأخرج لكلّ رجل حدیثاً وعلماً رواه عن الصادق علیه السلام، وله أیضاً كتاب من روى‏ عن أمیر المؤمنین، وكتاب من روى عن الحسن والحسین علیهم السلام، وكتاب من روى عن علی بن الحسین علیه السلام، وكتاب من روى عن أبی جعفر محمد بن علی علیه السلام، وهو الذی قال فی مجلس مناظرة له:

إنّه یجیب بثلاثمائة ألف حدیث من أحادیث أهل البیت علیهم السلام.

ومَن سَبر غور كتب الحدیث، واصول الشیعة، وكتب التراجم والرجال، وما بقی ممّا صدر عنهم فی الأجواء المملوءة بالاضطهاد والضغط والقمع، فی جمیع حاجات الإنسان المعنویة والمادیة یعرف أنّ مستواهم فی جمیع الكمالات أعلى وأنبل من أن یُقاس بهم أحد من الناس.

 جعلنا اللَّه تعالى من‏ شیعتهم، ووفّقنا لمتابعتهم، والاقتداء بهم، والمنتظرین لفرج قائمهم، وصلّى اللَّه على محمدٍ وآله الطاهرین.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ  العالمین‏

لطف اللَّه الصافی الگلپایگانی‏

لیلة السابع عشر من رجب المرجب سنة 1403 هـ. ق.

 


 

المصدر: لمحات فى الكتاب و الحدیث و المذهب ؛ ج‏1 ؛ ص209ـ ص: 212

السبت / 10 أغسطس / 2019