جمعه: 1403/01/10
نسخة للطباعةSend by email
تساؤلات ، و إجابات (وصايا المرجع الصافي حول الشعائر الحسينية)
الشعائر الحسينية فی کلام المرجع الديني/ق 2

الشعائر الحسینیة فی کلام المرجع الدینی الصافی الكلبایكانی مد ظله /

 القسم الثانی : تساؤلات ، و إجابات (وصایا المرجع الصافی حول الشعائر الحسینیة)

المصدر : كتاب الشعائر الحسینیة،  ص46ـ ص57

الشعائر الحسینیة

 

س 1. تقوم أحد دور النشر سنویاً بإصدار نشرة ثقافیة فی شهر محرم الحرام حیث تطرح الملحمة الحسینیة لجمهور المؤمنین وإیصال الفكر الإسلامی من خلال ما طرحه سید الشهداء الإمام الحسین (علیه السلام).

ومن هذا المنطلق نرجو من سماحتكم التفضل بالاجابة على الاستفسارات التالیة بغیة نشرها لتعم الفائدة على جمهور المؤمنین.

1. ما هو دور المنبر الحسینی ومدى تأثیره فی مجتمعتاتنا؟

2. ماهی رسالتكم لأصحاب الحسینیات والمتولّین علیها؟

3. ماهی رسالتكم لخطباء المنبر الحسینی؟

4. ما هی رسالتكم لجمهور المجالس الحسینیة؟

ج 1: غیر خاف علیكم وعلى جمیع المؤمنین ما للمنبر الحسینی من فوائد ومدى تأثیره فی مجتمعاتنا من الهدایة إلى الأحكام الشرعیة وما للتضحیة فی سبیل الله من الأجر والثواب.

ج 2: لأصحاب الحسینیات ومتولّیها أوّلًا الأجر والثواب ؛ لقیامهم بإدارة شؤونها، وعلیهم ثانیاً أن یسلكوا مع المرتادین سلوكاً مرضیاً لهم ومرضیّاً لله تعالى.

وفق الله الجمیع لإحیاء أمر أهل البیت (علیهم السلام).

ج 3: حضرات السادة خطباء المنبر الحسینی حفظهم الله ووفقهم لمراضیه هم أعرف بما یجب علیهم من إرشاد المستمعین بتلاوة الآیات القرآنیة وذكر أحادیث أهل البیت علیهم أفضل التحیة والسلام.

ج 4: رسالتی لهم الاتعاظ بالمواعظ والعمل بها \ لیصبح الجمهور أُمّة مسلمة مؤمنة موالیة لأهل البیت (علیهم السلام).

س 2. ما هی نصیحتكم حول الاهتمام بالمساجد والحسینیات بشكل عام؟

ج: قال الله تعالى: (إِنَّمَا یَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْیَوْمِ الآخِرِ)[1]

والمساجد والحسینیات من شعائر الله وشعائر الإسلام وشعائر المذهب، فتعظیمها وتكریمها بأی صورة شرعیة وعمرانها بالاجتماع فیه لإقامة الجماعات وقراءة القرآن وتعلّم الأحكام واستماع الحدیث وسیرة النبی صلى الله علیه وآله وأهل بیته علیهم السلام وفضائلهم ومناقبهم ومصائبهم سیّما مصائب مولانا سید الشهداء أبی عبد الله الحسین (علیه السلام)، فذلك كلّها من تعظیم شعائر الله، وقد قال تعالى: (وَ مَنْ یُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ‏)[2]، ولهذه المظاهر والمجامع فوائد جلیلة كثیرة تزید بها شوكة الإسلام والمسلمین ورفع مستواهم الثقافی، فمن لا یستفید من اجتماعات هذه المساجد والمجامع یكون فی معرض الوقوع فی شبكات الملحدین والمبدعین.

ومن عمران المساجد والحسینیات حفظها عن كلّ ما ینفر الطباع السلیمة من الحضور فیها، وذلك بحفظ نظافتها، ورعایة آدابها الشرعیة والعرفیة، وتنزیهها عن الاشتغال بالأُمور الدنیویة التی لا ترتبط بالدین ومصالح المسلمین.

س 3. ماهی نصائحكم للراثین على أبی عبد الله الحسین (علیه السلام) فی أیّام محرم الحرام؟

ج: أنصح من یتصدى لرثاء الحسین علیه وعلى أصحابه الكرام أفضل التحیةوالسلام فی محرم الحرام وغیره من الأیّام أن یذكر المطالب الصحیحة من الأُصول والكتب المعتبرة، وأن یتجنّب الكذب والغناء واستعمال آلات اللهو. وعلى الجملة اجتناب جمیع منافیات غرض الشارع المقدس وما قصده سید الشهداء بقیامه، وإخلاص النیة لیدرك أجر إقامة العزاء. والله هو الموفق والمعین.

س 4. بلدان الاغتراب مملوءة بمظاهر المادیة والكفر والإباحیة .. وكل شی‏ء فیها یشجع على ذلك من القوانین إلى وسائل الأعلام إلى التربیة فی المدارس بل حتّى الإنسان والأطفال، وقد اضطرتنا الظروف إلى العیش فی هذه الأجواء. ولا یخفى علیكم انّ أنجع وسیلة للحفاظ على دیننا ودین أبنائنا هی إقامة المجالس‏ الحسینیة، فهی أفضل طریق لتزكیة النفوس وتعلیمها وربطها عاطفیاً بشریعة سید المرسلین (صلى الله علیه وآله وسلم) وإقامة هذه المجالس تحتاج إلى نفقات عالیة من تجهیز القاعات التی تقام فیها، والأجهزة الصوتیة، وما یوزع فیها من وجبات طعام وشراب، والهدایا التی تدفع للعلماء والخطباء والروادید والشعراء الذین یحیون هذه المجالس خصوصاً أنّ بعضهم یُدعى من خارج هذه البلدان فتدفع إلیهم نفقات سفرهم ... ویتسابق المؤمنین لتغطیة هذه النفقات من خالص أموالهم لا ممّا یجب علیهم من الخمس والزكاة ونحوهما من الفرائض المالیة، فإنّهم یصرفونها فی وجوهها التی حدّدها الشارع الأقدس، بل یدفع الكثیر منهم زیادة على ذلك مساعدات إلى الفقراء من ذوی رحمهم وأهل بلدهم، وقد نمت واتّسعت تلك المجالس واتّسعت النفقات باتّساعها حیث بلغت نفقات بعضها عشرین ألف دولار فی عشرة أیام؛ ولذا فقد ظهرت أخیراً موجة عنیفة من التشكیك مفادها أنّ مساعدة فقراء وأیتام البلدان الإسلامیة كالعراق أفضل من ذلك، فأیّهما أفضل وأكثر ثواباً عند الله عزوجل، إقامة المجالس الحسینیة فی الظروف المذكورة أم مساعدة الفقراء؟

ج: إنّ الاهتمام بإقامة أمثال هذه المجالس والمراسم وصرف المال الكثیر بلغ ما بلغ هو رمز لحیاتنا ومن شعائر دیننا ومذهبنا، وبها تحفظ هویتنا الإسلامیة وشخصیتنا المذهبیة، ولا یقوم مقامها أی عمل آخر. وغیر خاف أنّ فوائدها الاجتماعیة ومنافعها السیاسیة قویة جداً، إذ بها یحیا الإیمان فی النفوس، وبها یزداد الحب لله ولرسوله ولأئمتنا- سلام الله علیهم- وحب الخیر والإحسان والإیثاروالعزم على التضحیة والانفاق فی سبیل الله وبذل المال لمعونة ا لمعوزین والفقراء وإنشاء الجمعیات الخیریة والمستشفیات والمساجد وغیرها.t t

فاللازم على القائمین بأمثال هذه الشعائر المقدّسة والمشرفین علیها أن یكونوا خبراء بمعانی هذه البرامج المباركة، ومالها من الفوائد الإیمانیة والتربویة والأخلاقیة والسیاسیة، وینبغی لنا أن نمعن النظر إلى باطنها عن ظاهر وإلى حقیقتها من مجازها، بل الواجب هو الالتزام بمفاهیم ولایة أهل البیت (علیهم السلام) ومعانیها القیمیة ومقاصدها العظیمة التی منها العطف على الفقراء والمحرومین وإدارة شؤونهم (من أصبح ولم یهتم بأُمور المسلمین فلیس منهم) فإن مجالسنا شعائر كلّها لا تخلو من‏ الدعوة إلى مافیه حیاة الأُمة وخیرها وسعادتها وبها نهتدی إلى أهل البیت وهدی الحسین- سلام الله علیهم أجمعین- وهدی مولانا وصاحب أمرنا بقیة الله أرواح العالمین له الفداء. ولا حول ولا قوة إلّا بالله.

س 5. كلمة حول عاشوراء لمجلة التوعیة الصادرة عن جمعیة التوعیة الإسلامیة فی البحرین أیام عاشوراء كیف یجب أن تكون؟

ج: إقامة العزاء للمعصومین صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین یجب أن تكون متمحضة ببیان فضائل أهل البیت (علیهم السلام) المتّخذة من خطبهم وبیاناتهم ومواعظهم (علیهم السلام)، وبعیدة عن كلّ ما یشین بها من استعمال الآلات الموسیقیة المتداولة فی هذا الزمان، كی لا تكون مهزلة الأجانب والأعداء، خاصة أیام عاشوراء فهی من المصائب العظیمة المقرحة لقلوب الأعداء فضلًا عن الأحبة وشیعتهم، وتكون موجبة لمرضاتهم- صلوات الله وسلامه علیهم أجمعین- وفق الله الجمیع لتعظیم هذه الشعائر.

س 6. ماهی النصیحة التی تقولونها للخطباء؟

ج: وصیتی لهم أن یعملوا بما یقولونه للناس، ویجعلوا التقوى شعاراً لأنفسهم، ویعملوا لله، ویحذروا عن موعظة الناس وتحذیرهم عن الإكباب على الدنیا لجلب حب الناس وتوجّههم إلیهم، فإنّ ذلك موجب للحسرة والندامة.

t t

والحاصل: أنّ عملهم هو عمل الأنبیاء والأئمة (علیهم السلام)، وشؤونهم فوق سائر الشؤون، ولا یعلم أجر عملهم إلّا الله تبارك وتعالى، فلابدّلهم من المحافظة على هذا الشأن، وأدعو لهم أن یوفّقهم الله لذلك.

س 7. تخرج فی ذكرى وفیات أهل البیت (علیهم السلام) العدید من المواكب العزائیة السیارة التی تطرح فیها مصائب أهل بیت العصمة والطهارة، وتحیی ذكرهم من خلال القصائد التی تلقى من قبل بعض المؤمنین، وما یصاحبها من لطم على الصدور حزناً وأساً على مصاب أهل البیت (علیهم السلام). وفی الآونة الأخیرة أُثیر حول بعض هذه المواكب الكثیر من الإشكالات وعلامات الاستفهام من قبل العامة، ولهذه توجّهنا لسماحتكم بالأسئلة كالتالی:

1. فی رأیكم الشریف هل إقامة مثل هذه المواكب أمر راجح شرعاً وعقلًا، أم أنّ الأولى تركها وعدم إقامتها؟

2. هل مثل هذه المواكب تعتبر إحیاء للشعائر الإلهیة التی أمر الله بإحیائها، أم أنّها بدعة لیست فی الدین من شی‏ء؟

3. هل هناك إشكال شرعی فی إقامة العزاء على أهل البیت (علیهم السلام) على الصورة المذكورة سابقاً؟

4. تتخلل القصائد الملقاة أثناء مواكب العزاء المزبور إشارات تتعلّق بالوضع الاجتماعی والعقائدی ومصالح المسلمین العامة مع ذكر مصائب أهل البیت (علیهم السلام)، فهل فی ذلك إشكال شرعی؟

5. هل یجوز للمؤمنین التنازل عن إقامة مثل هذه المواكب بذریعة التعرض للضغوط الداخلیة والخارجیة التی تخطط لمحو مراسم العزاء الحسینی؟

6. ما هو الحكم فی حالة تعرض المواكب المزبورة لبعض المضایقات التی تهدف لتحجیمها ومحوها فی سبیل إطفاء نور أهل البیت (علیهم السلام) وإخماد ذكرهم وتضییق الخناق على أتباع المذهب الحق للتنازل عن معتقداتهم؟ وما هو واجب علماء الدین ووجهاء الطائفة فی مثل هذه الحالة؟

7. هل یجوز للآباء منع أبنائهم من الذهاب لإحیاء مراسم العزاء الحسینی؟

8. ما هو واجب العلماء تجاه هذه المواكب؟

ج: وأمّا ما ذكرتم من الأسئلة حول المواكب الشریفة التی تطرح فیهامصائب أهل البیت (علیهم السلام) وتحیی بها أمجادهم الخالدة وتضحیاتهم المباركة فی سبیل إعلاء كلمة الله تعالى وحفظ الدین والشریعة والمثل الإنسانیة العلیا، فلا شك ولا ریب فی أنّها من أعظم ما رغب فیه الشرع المقدّس، وأنّها من الشعائر التی یجب على كلّ مسلم بل على كلّ إنسان یحترم الحق والعدل وكرامة الإنسان ومقاومة الاستكبار، أن یشارك فیها ویؤیّدها.

ولا شكّ أنّ القصائد والشعارات التی تلقى فی هذه المراسم وترشد الناس إلى حقوقهم الاجتماعیة والسیاسیة والاهتمام بأُمور المسلمین العامة وأمثالها ممّا یستفاد له من هذا الفرصة الحسینیة العظیمة- أُمور محبوبة لله تعالى، لأنّها توجب تقویة المؤمنین ضد أعداء الدین والمستكبرین. أمّا التنازل عن إقامة هذه المواكب وأمثالها بذریعة أنّها تعرض المؤمنین لضغوط داخلیة أو خارجیة فمعناه التنازل عن القیم الإنسانیة والمطالبة بالعدالة الاجتماعیة. وأعداء هذه المواكب (یُرِیدُونَ لِیُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ‏)[3]. نعم ینبغی أن لا یكون إقامة هذه المواكب تعریضاً للنفوس للهلاك وإراقة الدماء، وأن یكون بالأسالیب الحكمیة المقبولة.

وعلى هذه فعلى الآباء تشجیع أبنائهم إلى الذهاب والمشاركة فی إحیاء هذه المراسم والاستفادة ممّا فیها من الدروس والعظات.

وعلى العلماء تفهیم الناس ما فی مواكب النهضة الحسینیة من الحقائق والمعارف الدینیة.

س 8. كتب الصحفی المصری المعروف الدكتور نبیل شرف الدین فی شبكة هجر الثقافة بتاریخ 4/ 5/ 2000 م موضوعاً بعنوان (المشهد الحسینی فی القاهرة) قال فیه:

على باب ضریح الإمام الحسین فی القاهرة لوحة رخامیة كبیرة كتب علیها بالذهب الحدیث النبوی الشریف: الحسن والحسین منی ... من أحبهما أحببته، ومن أبغضهما أبغضته ...

وداخل المسجد أكبر ثریا «نجفة» فی العالم العربی (كما یؤكّد إمام المسجد)، وهی للحق آیة الجمال والبهاء، ووزنها (كما هو مثبت فی دلیل تاریخ الضریح وصاحبه) یصل إلى خمسة أطنان من الكریستال المحلّى بالذهب الخالص، وقوائمها من الفضة الخالصة.t

أمّا السجاد فحدث ولا حرج، فقد تبرع العام الماضی أحد كبار التجار من طائفة البهرة (الذین یقیمون حول الضریح) بسجادة فارسیة تعود إلى القرن العاشر المیلادی، وحجمها یبلغ 16 متراً مربعاً، وهی من الحریر الخالص، وقد فرشت فی المقام (الضریح) الذی یقع فی الجانب الشرقی داخل المسجد .. ویعقد داخل المسجد

یومیاً أكثر من خمسمائة عقد قران تصل أیام الخمیس والجمعة إلى الألف، حیث یحرص آلاف المصریین على عقد قرانهم داخل المسجد الحسینی، وبعضهم یأتی من مدن مصریة بعیدة قد تبتعد عن القاهرة أكثر من سبعمائة كیلومتراً.

للحسین، ومسجده، وضریحه، ومشهده منزلة خاصة فی نفوس المصریین (السنة).

وفی شهر رمضان یستحیل على المرء أن یجد موضعاً لقدم فی هذا المیدان المعروف بالمشهد الحسینی. واسألوا الدكتور جمال الصباغ كیف كان یسیر هناك حینماتقابلنا فی رمضان أنا وهو والأخ حازم محرز ... باعة لكل شی‏ء. من المصوغات الذهبیة إلى التحف الیدویة ... مكتبات ضخمة ... مقاهی شدیدة الجمال ... مطاعم شهیرة ... حلقات ذكر ... ندوات دینیة وأُخرى ثقافیة ... مواكب زواج ... سیاح أجانب یقفون مذهولین لروحة المكان وتلك الأعداد الغفیرة من الزوار ...

كلّ هذا فی كفة ... و «مجاذیب الحسین» فی كفة أُخرى، فهناك حول الضریح تجد عشرات ممّن ارتدوا «الخرقة الصوفیة» وتركوا بیوتهم وأعمالهم واستأنسوا بالحسین، أقاموا حول الضریح یلتحفون السماء ویفترشون الأرض، یأكلون ما یجود علیهم به أهل الخیر (وما أكثرهم هناك) ویصلّون الصلوات الخمس فی المسجد.

فی رمضان لست مضطراً لأن تدفع نقوداً لكی تفطر إذا ما كنت فی میدان الحسین، فأهل الخیر یحملون آلاف الوجبات ویقدّمونها مجاناً للصائمین وعابری السبیل. وفی كلّ شهور السنة یحرص الكثیر من الأغنیاء على توزیع زكواتهم وصدقاتهم على الناس حول الضریح.

أمّا فی صلاة العیدین فحدث ولا حرج. تغسل الأرض والله العظیم غسلًا لا تكاد تمیز بین عامل النظافة الموظف رسمیاً لهذا الغرض، وبین مئات الشباب والشیب الذین یشمرون عن سواعدهم ویحملون «المقشات» لیكنسوا المیدان، بعضهم أطباء ومهندسون وضباط وأساتذة جامعات وتجار أثریاء. كلّهم یعتقدون أن الله تعالى سیبارك المیدان لهم عندما یتواضعون ویكنسون المیدان ویرشون الماء.

 

فی الفجر یحضر الموكب الرسمی لرئیس الجمهوریة ومعه كلّ الوزراء وشیخ الأزهر، ویحظر سیر السیارات فی هذا المیدان وكافة الشوارع المؤدیة إلیه، ویتجاوز عدد المصلین الملیون شخص كلّ عید تستمع لابتهالات الشیخ سید النقشبندی وإنشاد الشیخ یاسین التهامی حتّى یرفع المؤذن الأذان: الله أكبر الله أكبر، فیتحول الكون كلّه لمستمعین لهذا النداء السماوی الجلیل.

عجائز أتین من أقصى الصعید حملن بضع قروش یوزعنها وفاء لنذر تحقّق، سیدات یتعلّقن بأستار الضریح راجیات تحقیق أملهن فی إنجاب طفل حرمن منه، أو عودة ابن غریب اضطرته الحیاة الصعبة للرحیل فی بلاد الله، وثمة رجل طاعن فی السن یذرف دمعة حرّى وهو یناجی صاحب الضریح قضاء حاجة یعلمها الله وحده.

یتعامل الناس هنا فی مصر مع الحسین كأنّه مازال حیاً داخل الضریح.

یتحاكمون إلیه فی منازعاتهم ...

بعضهم یرسل إلیه خطابات عبر البرید وصلت خلال العام الماضی إلى أكثر من ملیون رسالة كما أكدت هیئة البرید المصریة التی تسلمها لخدام الضریح.

المرسل: ...

المرسل إلیه: حضرة الإمام سید شهداء الجنة الحسین بن علی رضوان الله علیهما وصلاته.t t العنوان: القاهرة مسجد الإمام الحسین.

رائحة العطور تغمر أنوف زوار الضریح، وأنوار لا تنطفئ ولم تنطفئ منذ قرون وجلال لا یضاهیه حتّى ضریح السیدة زینب التی یحلو للمصریین إطلاق عدة ألقاب علیها، منها «أم العواجز» و «رئیسة الدیوان» و «الطاهرة».

فی المسافة الممتدة بین الضریحین تقع أجمل وأبهى أحیاء القاهرة. الدرب الأحمر .. القلعة .. الحسینیة .. باب الخلق .. باب النصر .. باب الفتوح .. الباطنیة .. الجمالیة .. الكحكیین .. المغربلین .. الخ.

لأهل البیت فی مصر منزلة لا یشعر بها إلّا من یعرف المصریین جیداً، فحینما حاول بعض المتطرفین ذات یوم تفجیر قنبلة فی منطقة الحسین «خان الخلیلی» لم یسلمهم الناس للشرطة، بل فتكوا بهم، فحینما وصلت قوات الأمن لم تجد سوى جثت هامدة، ولم یزل الفاعل مجهولًا حتّى الیوم، فقد تفرقت دماؤهم بین القبائل.

ماهو تعلیق المرجع الدینی آیة الله العظمى الصافی مد ظله على موضوع الدكتور نبیل شرف الدین؟

ج: اطّلع سماحة المرجع الدینی الكبیر الشیخ لطف الله الصافی مد ظله على موضوع الكاتب المصری، فتفضل بكتابة ما یلی:

بسم الله الرحمن الرحیم‏

بعد الحمد والصلاة،

فإنی لا أقدر على وصف ما حصل لی من الوجد والشوق، والإحساس بالقرب والحضور، والجلوس على بساط المحبة والأُنس والخشوع لله تعالى. عند ما طالعت ما كتبه بعض الأدباء العارفین عن الحالات العطرة والروحانیة القدسیة، التی تحصل لزوار مشهد مولانا سید أهل الإباء، وواحد أهل المباهلة والعباء، أبی عبد الله الحسین (علیه السلام)، فی مصر، القطعة الشریفة من وطننا الإسلامی الكبیر، التی حازت شرف ولاء أهل البیت (علیهم السلام) من أوّل ما أشرق علیها نور شمس الدعوة المحمدیة والرسالة الإلهیة.

لقد كررت مطالعة هذا التصویر الجمیل لمظاهر الولاء ومحبة النبی والآل صلوات الله علیهم، والاجتماعات والاحتفالات والحلقات فی مشاهدهم النورانیة، العامرة بذكر الله تعالى وعبودیته.

إنّ مشهد الإمام الحسین (علیه السلام)، من البیوت التی إذن الله أن ترفع ویذكر فیها اسمه، بل هو من أفاضلها كما رواه السیوطی، ولو لمن یكن بیت علی وفاطمة الزهراء وسیدی شباب أهل الجنة، بعد بیت النبی (صلى الله علیه وآله وسلم)، أفضل تلك البیوت، فبیت من یكون؟!

وجدت نفسی بعد قراءة هذا المقال مفعمة شوقاً وحضوراً بالله تعالى، ورغبةً فی زیارة هذا الضریح الشریف والمشهد الجلیل، الذی تسطع منه أنوار الجمال المحمدی والجلال العلوی، المشعة من جلال الله تعالى وجماله الأزلی السرمدی.

وهی معان یدركها ویشعر بها من یدرك بحقیقة إیمانه بالله ورسوله ما لهذه المشاهد المرفوعة التی تخدمها ملائكة الله تعالى، من قدر عند الله تعالى ورسوله.

وجدت نفسی كأنّی فی مصر، فی جوار الضریح الشریف والحضرة الحسینیة، بین إخوانی الزائرین المصریین الوالهین، الموالین لأهل البیت (علیهم السلام)، وهم یتبرّكون بالمقام ویغتنمون الفوز فیه بالصلاة والابتهال ومناجاة الله تعالى، یطلبون حاجاتهم من ربهم عنده، ویصلّون على النبی، وعلى شهید الإخلاص والإباء، شهید معالم الإنسانیة الكبرى، شهید كل المكارم، أبی عبد الله الحسین، حسین التضحیة والجهاد والإیثار، حسین الصبر والشجاعة، حسین الإسلام والإنسانیة.t

اللهم كحّل بصری بمشاهدة تراب ضریحه فی مصر وكربلاء.

نعم، وجدت نفسی فی هذه البقعة المباركة التی شرفها الله تعالى بكرامة الانتساب إلى سبط النبی (صلى الله علیه وآله وسلم)، فرأیت بعین قلبی ملائكة الله تعالى محدقین بها.

فهنیئاً لزوار تلك البقعة المباركة، طور تقرب أولیاء الله، ومهبط ملائكة الله.

وهنیئاً لإخواننا أهل مصر ما هم فیه من جوار ضریح سید شباب أهل الجنة.

هنیئاً لهم هذا الفوز العظیم. ثم هنیئاً لهم ما هم فیه من ولاء أهل البیت (علیهم السلام).

هنیئاً لهم جمیعاً .. لشیوخهم وشبابهم، رجالهم ونسائهم، علمائهم وتلامیذهم، أساتیذهم وطلاب جامعاتهم. فیا لیتنا معهم فنفوز بما یفوزون به عند هذا الضریح المبارك.

ویا مولای یا حسین، یا أبا عبد الله، یا بن رسول الله، یا من استنقذت عباد الله بتضحیتكم الكبرى، من جهالة الضلالة. أشهد أنّك رفعت أعلام الدین، وكسرت صولة المستكبرین والمستعبدین، ونصرت الله ورسوله، مجاهداً صابراً. وأشهد أنّ الله یحب من أحبك، ویبغض من أبغضك، وأن الله طهركم یا أهل البیت من الرجس تطهیراً.

 

 

 

[1] ( 1). التوبة: 18.

[2] ( 2). الحج: 32.

[3] ( 1). الصف: 8.

الخميس / 29 أغسطس / 2019